[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
أول صدمة شاهدها الغزاة الأميركيون في ساعات الاحتلال وأيامه الأولى، تصدي أبناء بغداد الأصلاء لمجاميع السراق واللصوص الذين سارعوا لنهب الممتلكات العامة، ومارسوا عمليات الحرق المتعمد للمكتبات والأماكن التي تضم آلاف المجلدات والنفائس من المخطوطات، فقد تطوع الكثير من البغداديين لحمل السلاح بوجه العصابات، وهذا لم يكن متوقعا من قبل أصحاب ذلك المخطط الذي وضعه الغزاة والمتعاونون معهم، فقد هرع الكثيرون وتوزعوا بين من يحمل الكنوز الآثارية لحفظها في منازلهم، وبين من حمل السلاح للتصدي للعصابات والسراق، ونجح هؤلاء الناس وغالبيتهم من البسطاء، في المحافظة على الكثير من الآثار، التي كانت عرضة للسرقة بهدف تهريبها خارج العراق أو تدميرها، ضمن حرب تحطيم المعالم والمرتكزات الثقافية والحضارية العراقية، وبما يتماشى ومخطط الحرب الأميركية على العراق.
وفي الوقت الذي كان الصراع يشتد بجانب الكرخ، بين العصابات والسراق، الذين قصدوا المتحف العراقي، كان صراع يحتدم في منطقة الباب المعظم من بغداد، ويبعد أقل من أربعة كيلومترات من المتحف الوطني، فقد هاجمت عصابات أخرى بناية المكتبة الوطنية العراقية، التي تحتوي على الأرشيف الصحفي والثقافي والفكري للعراق، إضافة إلى نوادر المخطوطات القديمة، ولكن تصدى لهؤلاء من عصابات وسراق عدد قليل من الشباب، بينهم مثقفون هرعوا إلى ذلك المكان، وعملوا المستحيل لمنع عمليات النهب، التي تستهدف إنهاء وجود أي ذاكرة عراقية، ورغم التحوطات المكثفة، والاحترازات، إلا أن الذين عصفوا بالوزارات والدوائر وأشعلوا فيها الحرائق، وصلوا إلى هذا المكان، ولكن سارع المتطوعون إلى إخماد النيران بعد قليل من اشتعالها، ولم يتمكنوا من معرفة الأشخاص أو الجهات، التي تقف وراء تلك الجريمة البشعة.
إن موضوع الكنوز الآثارية العراقية، الموجودة في المتحف، أثارتها المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، في الأسبوع الثالث من الحرب، وأصدرت المنظمة في الخامس من أبريل/نيسان 2003 بيانا، عبّرت فيه عن قلقها على الثروات وآثار العراق القديمة المهددة، بسبب الحرب الدائرة على الأراضي العراقية. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، فقد طالب علماء الآثار المصريون المنظمات الدولية المعنية، بحماية التراث والآثار العراقية بكل الأشكال، لأهميتها في تاريخ الإنسانية بعصورها وأزمنتها المختلفة، إلا أن تلك النداءات، لم تجد من يسمعها من الإدارة الأميركية، بل حصل خلاف ذلك تماما، وهم يعلمون، أن المتحف العراقي يضم آلاف القطع الآثرية القديمة المهمة من الحضارة السومرية مرورا بالحضارات الأخرى، وهناك ألواح من مكتبة الملك العراقي بانيبال، الذي امتلك أكبر وأهم مكتبة في التاريخ، من الألواح المكتوبة في شتى أنواع المعرفة، وضمنها الألواح الخاصة بقصة الطوفان، التي تتشابه من طوفان نوح.
لم تكن الحرب على التراث والثقافة أقل شراسة من حرب الدبابات والصواريخ والقنابل العملاقة بل كانت أكثر خسة.