ـ فتاة كسرت حاجز الخوف بجسارتها في مواجهة جنود الاحتلال
ـ أفكارها تحدت جدار القوة الإسرائيلي وقدمت نموذجا جديدا في المقاومة الفلسطينية

إعداد ـ أيمن حسين:
أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي يوم الأحد الماضي 29 يوليو عن الشابة الفلسطينية عهد التميمي بعد أن قضت ثمانية أشهر في السجن بسبب صفع وركل جندي إسرائيلي أمام منزلها في قرية النبي صالح بالضفة الغربية المحتلة، فيما وصفت فرحتها بـ "المنقوصة" بسبب عدم الإفراج عن الأسرى والأطفال داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، كما اعتبرتها وسائل الإعلام العالمية أيقونة فلسطينية جديدة للدفاع عن الأرض في مواجهة قوى استعمارية.
ولدت عهدت التميمي في 31 يناير عام 2001 بالضفة الغربية، وبدأ العالم يعرفها وهي في سن الحادية عشرة من العمر عندما استحوذت على الاهتمام الشعبي والإعلامي بعد أن ظهرت لأول مرة في مقطع فيديو تهدد جنديا إسرائيليا وتواجهه باللكمات، ثم انتشر لها مقطع فيديو آخر وهي في الرابعة عشرة من عمرها وهي تعض يد جندي إسرائيلي كان قد احتجز شقيقها لاشتباهه بأنه كان يلقي الحجارة على الجنود الإسرائيليين، وفي 15 ديسمبر الماضي انتشر مقطع فيديو يظهرها وهي تصفع جنديا إسرائيليا، فقامت قوات الاحتلال بمداهمة منزلها ليلاً واعتقالها هي ووالدتها التي صورت الفيديو الأخير.
تربية النضال:
نشأت عهد في كنف عائلة رفضت أن تخضع لقوانين الاحتلال، ما أدى إلى اعتقال والدها 9 مرات، أما والدتها فاعتقلتها سلطات الاحتلال 5 مرات، واعتقلت أخاها مرتين، بخلاف ما عانته من فقدان للعم والخال على يد الاحتلال.
والدها ووالدتها هم أعضاء في لجنة المقاومة الشعبية ضد الجدار والاستيطان التي تأسست عام 2009 لتنظيم فعاليات ضد الاحتلال الإسرائيلي في القرية، كما أُسس والدها مكتب إعلامي لرصد وتوثيق جرائم القوات الإسرائيلية ضد الأهالي في القرية.
ونالت شجاعة عهد التميمي الشهرة منذ عام 2012 إذ شاركت في تظاهرات اندلعت في قريتها لرفض أهالي القرية مصادرة الاحتلال لأراضيهم، وخلال تلك التظاهرات أقدم أحد جنود الاحتلال على اعتقال شقيقها محمد باسم التميمي (12 عاما)، زاعما أن الطفل كان يلقي الحجارة على الجنود، وقام الجندي بوضع الطفل فوق الصخور ليضغط عليه بشدة وبعد لحظات جاءت عهد شقيقة ووقفت بوجهه ومنعت جنود الاحتلال من اعتقال شقيقها ووالدتها.
توثيق المقاومة:
وتشير أحداث الواقعة الأخيرة إلى الجنود الإسرائيليين بإطلاق الرصاص المطاطي على متظاهرين من الشباب الفلسطينيين لتفريقهم، مما أدى إلى إصابة ابن عمومتها في رأسه، وبعد وقت قصير من نقله إلى المستشفى قال الجيش الاسرائيلي إنه أرسل الجنود إلى منزل التميمي، وقالت عهد إنها صاحت في الجنود الاسرائيليين للخروج من ساحة بيتها لأنها رأتهم يطلقون الرصاص المطاطي على ابن عمومتها محمد في الرأس في اليوم ذاته.
والتقطت لها والدتها فيديو وهي تطرد عنصرين من جنود الاحتلال وصفعتهما على وجهيهما، لعدم اكتراثهما بطلبها بالذهاب بعيدا عن منزلها، ودفعتهما للخروج من ساحة المنزل، وانتشر المقطع المصور على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم.
اعتقال ومحاكمة:
أقدمت أكثر من عشرين دورية إسرائيلية على اعتقال عهد في ساعةٍ متأخرة من ليلة الثامن عشر من شهر ديسمبر، واقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي المنزل واستولت على عددٍ من أجهزة الحاسوب والهواتف المحمولة، كما اعتقلت والدتها ناريمان التميمي من أمام معسكر بنيامين شمال رام الله، حين كانت في طريقها لمعرفة وضع ابنتها التي اعتقلت في ذلك اليوم، ثم اعتقلت والدها باسم التميمي من داخل قاعة المحكمة أثناء حضوره جلسة محاكمة ابنته بعد يوم واحد من اعتقالها.
رفضت المحكمة الإسرائيلية الإفراج عنها، ثم توالت عملية تمديد اعتقالها ووالدتها، قبل أن توجه لها 12 اتهاما رسميا، من ضمنها إعاقة عمل وإهانة جنود، والتحريض، وتوجيه تهديدات، ومشاركة بأعمال شغب وإلقاء حجارة، وفي 21 مارس 2018، حَكمت محكمة عوفر بِسجن عهد التميمي لِمدة ثمانية شهور، وبالسجن لمدة ثمانية شهور أخرى مع وقف التنفيذ لمدة 3 سنوات، إضافةً إلى غرامة مالية قدرها 3000 شيكل إسرائيلي جديد.
كما حكمت المحكمة على والدتها ناريمان، بالسجن لمدة ثمانية شهور، وخمسة شهور مع وقف التنفيذ لمدة ثلاثة سنوات، مع غرامة مالية قدرها 6000 شيكل، بحسب ويكيبيديا، حيثُ اتهمت الأم بتحريض ابنتها على الاعتداء على الجنود الإسرائيليين، كذلك، حكمت نفس المحكمة على نور التميمي وهي ابنة عم عهد، بالسجن لمدة 16 يوما، وغرامة مالية قدرها 2000 شيكل، وقد ظهرت عهد يومذاك في المحكمة مكبلةَ اليدين والقدمين، وهي دون السنِّ القانوني، ولمَّا سألتها إحدى الصحفيات عمَّا إذا كانت راضية بِالحُكم، أجابت: "إحنا مش راضيين على أي شيء، ولا وُجود الاحتلال على أرضنا".
فرحة منقوصة:
أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن عهد التميمي صباح يوم الأحد 29 يوليو 2018 بعد قضائها ثمانية أشهر داخل السجون، وفور وصولها لقريتها النبي صالح، عقدت عهد التميمي وعائلتها مؤتمرا صحفيا لنقل رسالة من المعتقلين الفلسطينيين، وقالت: "أنا سعيدة بالإفراج عني وعن والدتي لكن فرحتنا منقوصة ولن تكتمل إلَّا بالإفراج عن كل الأسرى والأطفال داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي".
عقب الإفراج عنها، استقبلها الرئيس الفلسطيني محمود عباس عهد، واصفا إياها بِالنموذج الساعي لنيل الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، مُعتبرًا أن "المُقاومة الشعبية السلمية هي السلاح الأمثل لمواجهة غطرسة الاحتلال، وإظهار همجيته أمام العالم أجمع"، وأنَّ هذا النموذج سطرته عهد وأهالي قرية النبي صالح وجميع القرى والمدن الفلسطينية.
تضليل إسرائيلي:
بينما ذكرت القناة العاشرة الإسرائيلية، أنه فور إطلاق سراحها، زارت عهد التميمي قبر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في مقر المقاطعة في رام الله، واتهم مسئولون اسرائيليون عائلة عهد بأنها تدفعها وإخوتها لإثارة غضب الجنود ومن ثم تصويرهم، لكن عهد نفت رواية الاحتلال وردت بالقول: "أنا لست صغيرة، وأعرف ما هو الصح وما هو الخطأ، وأقول لمن حاولوا تشويه سُمعتي إنَّ أهلي لا يستغلونني، أهلي يقولون لي إذا كنت لا تستطيعين الاستمرار في هذا الطريق، فتوقفي. وأنتِ غير مجبرة على ذلك".
بينما خاطب والدها وسائل الإعلام عبر حسابه على فيسبوك قائلًا: "عهد ليست ملكا لنفسها بل ملك فلسطين وصاحبةُ القرار، ولن نضغط عليها في شيء، ولن نمنعها من الاستمرار كمناضلة في وجه الاحتلال".
كشف المستور:
أصبح وجه التميمي شعارا للقضية الفلسطينية، وظهرت صورتها على الملصقات والرايات والجداريات، بينما وقع على التماس على الإنترنت للمطالبة بإطلاق سراحها 1.7 مليون شخص.
وقالت منظمات إنسانية إن قضية التميمي سلطت الضوء على "التعامل الإسرائيلي القاسي مع الأطفال والقصّر الفلسطينيين"، وانتقدت مجموعات مدافعة عن الحقوق المدنية النظام الإسرائيلي، وقالت إنه يفتقر للقواعد الأساسية للحماية، ولا يعطي الضمانات بمحاكمات عادلة، فيما أقرت قوات دفاع الاحتلال بأن نحو 1400 فلسطيني دون السن القانونية مثلوا أمام محكمة عسكرية خاصة بالأحداث، خلال السنوات الثلاث الماضية.
رسائل عهد:
في المقابل وجهت عهد رسالة إلى الشباب الفلسطيني مشيرة إلى أن قضاءها ثمانية أشهر في سجون إسرائيل غيرها كثيرا، لكنها ليست نادمة على صفع الجنديين وأنها كانت ستفعل الشيء نفسه حتى ولو عرفت أنها ستقضي ثمانية أشهر في السجن، لأنَّ هذا ليس سوى رد فعل طبيعي على وجود الجندي في بيتها، وإطلاقه النار على أهل بلدتها، وإنها ولو ضربته فإنَّ غيرها كان رُبما سيقتله، وأضافت: "حياتي تغيرت كثيرا، وأنا أيضا تغيرت كثيرا، أصبحت أكثر تركيزا ووعيا، السجن يجعل الإنسان يكبر بسرعة. يمكن للإنسان أن يكبر في اليوم مئة سنة في السجن، أتمنى أن أكون على قدر المسؤولية، وهو شرف عظيم لي أن أمثل رمزا للشعب الفلسطيني، وأن أستطيع إيصال صوته إلى العالم".
الخلاصة:
المقاومة الفلسطينية بحاجة للتجديد دوما، وبحاجة لجهود شبابها، خاصة ما يتعلق بكسر الحاجز النفسي بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال والذي يرتكز على استخدام المحتل للقوة، فقد سعت الصهيونية العالمية إلى بناء دولة في فلسطين وطرد الفلسطينيين من أراضيهم، وفي مقاله الشهير عن الجدار الحديدي لاستيطان الأرض الفلسطينية طالب فلاديمير جابوتنسكي المعروف بالأب المؤسّس للصهيونية التصحيحية، بالقضاء على كل حركة تعارض الاستيطان اليهودي، مع تشييد جدار حديدي من القوة بين اليهود كقوة استعمارية وبين الفلسطينيين بحيث لا يستطيع العرب تجاوز هذا الجدار، إلا أن رؤيته رغم نجاحها في بناء دولة يهودية لا تزال تواجه تحديا فولاذيا من الشعب الفلسطيني الذي يأبي أي سبيل للحياة دون الدفاع عن أرضه وتاريخه وثقافته.
عهد التميمي باتت نموذجا لتحدي جدار القوة الإسرائيلي، والغريب أنها تحدته بقوة اليد ـ رغم صغرها وصغر كفيها ـ لترسل إشعارات لكل الشباب الفلسطيني بضرورة التمسك بقضية الأرض، والاستمرار في رفض عمليات الاستيطان بكل الطرق والسبل، مع التحلي بالشجاعة التي تميز بها العرب قديما فقالوا "الشجاعة وقاية والج بن مقتلة".