[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/abdellatifmhna.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]راي الوطن[/author]
بخلاف ما يظنه بعض الواهمين، لن يكون لتصريحات وزير الحرب الصهيوني يعلون بحق وزير الخارجية الأميركي كيري واتفاق إطاره المنتظر أي تأثير ذي قيمة على راسخ العلاقات وتليد الوشائج العضوية التي تربط الولايات المتحدة بثكنتها الوظيفية في قلب الوطن العربي الكيان الصهيوني. ستمر تصريحاته مرور سواها وما شابهها، وهو غير قليل، في تاريخ العلاقة العتيدة بين الحليفين. لن يكون هناك ما هو الأكثر مما ذهبت إليه الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية والذي لم يتعد قولها بأن "كلام يعلون غير مناسب ومهين"، وتذكيرها له بـ"كل ما تفعله أميركا لمساعدة إسرائيل في احتياجاتها الأمنية". أهم ما في هذه الزوبعة الناجمة عن هذه التصريحات والردود الأميركية عليها هو أنهما يكشفان لمن يدسون رؤوسهم في التراب التسووي أمرين:
الأول، حدود ومرامي كامل الحركة الأميركية التسووية الرامية لتصفية القضية الفلسطينية، التي يقود راهنها كيري، حيث تظهر تصريحات الناطقة باسم الخارجية الأميركية الغاضبة، أو بالأحرى العاتبة، وبوضوح، تلك المرامي التي يسعى لها، عندما تقول بأن الوزير وطاقمه قد "عملوا ليل نهار في محاولة لتحقيق سلام وأمن إسرائيل"، ولاحظوا هنا "سلام وأمن إسرائيل"، وحين تشير إلى أن دافع الوزير الأميركي وطاقمه لبذل كل هذا الجهد يأتي "في ضوء قلق كيري وطاقمه على مستقبل إسرائيل"، وعليه، كان للناطقة ما يدعوها للعتب بسبب من أن "التشكيك في نيات كيري وتشويه اقتراحاته ليس ما تنتظره من وزير دفاع الحليف الأقرب إسرائيل".
الثاني، هو حقيقة الرؤية الصهيونية لكل هذه الجلبة التصفوية ومفاوضاتها تحت الرعاية الأميركية، أو باختصار المفهوم الصهيوني لتصفية كافة مظاهر الصراع العربي الصهيوني في فلسطين برمته. هنا نأتي إلى الجنرال يعلون، الذي يصف نفسه بـ"الجوزة العصية على الكسر"، ولعله الأكثر وضوحًا وصراحة من بين سواه من القادة الصهاينة، أو الأكثر تعبيرًا عن المدى الذي وصلت إليه الغطرسة الصهيونية، والتي يمكن ردها إلى فائض الاطمئنان إلى مستمر التدليل الذي تلاقيه الثكنة من مركزها في واشنطن وعدم الخشية من ردود أفعال هذا المركز مهما بلغت فجاجة ونكران جميل ما يصدر عنها... ما الذي بدر من يعلون؟!
فيما يخص كيري، لم يرَ الجنرال يعلون في كافة ما بذله أو سيبذله من جهود تصفوية، أو ما ذكَّرت به الناطقة العاتبة باسم الخارجية الأميركية، سوى أنه، أي كيري، "يعمل انطلاقًا من الهوس غير المفهوم، وبإحساس مسيحاني ـ لا يمكن أن يعلمنا شيئًا عن المواجهة مع الفلسطينيين". وإن "خطة الأمن الأميركية التي عرضت علينا لا تساوي الورق الذي كتبت عليه"، ذلك لأنه "فقط وجودنا في يهودا والسامرة وعلى نهر الأردن" هو الضامن لأمن الكيان، ولأنه من "دون اعتراف بالدولة القومية اليهودية لا يوجد معنى للأقمار الاصطناعية والمجسات التي يعرضها الأميركان"، ويزيد يعلون معبرًا عن فوبيا عدم اطمئنان الغزاة المحتلين لمستقبل وجودهم فيما اغتصبوه فيقول: "الطفل ابن خمس سنوات مع حزام ناسف سيواصل المس بنا حين يكبر"، وعليه يضيف يعلون ساخرًا من جهود كيري، "الأمر الوحيد الذي يمكن أن ينقذنا هو أن ينال كيري جائزة نوبل للسلام ويدعنا وشأننا"! كما كان يعلون الأكثر وضوحًا وصراحةً أيضًا عندما جاهر، على النقيض من سائر أطراف البازار التصفوي الثلاثي للقضية الفلسطينية، الأميركان والصهاينة والأوسلويين، فقال، "ليست هناك مفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وإنما مفاوضات بين إسرائيل والأميركيين"، بل زاد فقال إن أبا مازن هو "حي وموجود بفضل حرابنا. في اللحظة التي نغادر فيها يهودا والسامرة فإنه منتهي"... أما شروطه التي يراها وحدها الكفيلة بأن تضع حدًّا للصراع، أو ما هو يفترض أن تنتهي إليه مثل هذه المفاوضات فهو "أن يعرب الفلسطينيون علنًا عن اعترافهم بدولة إسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي، ويتنازلوا عن حق العودة، ويوقِّعوا على نهاية مطالبهم"...
تصريحات يعلون ترتكز على رؤى ومواقف لا تختلف في جوهرها، ليس لدى أغلب قيادات الليكود، وأحزاب الإتلاف الحاكم، أو غلاة "المستوطنين"، أو سائر ما تسمى الأحزاب اليمينية، فحسب، وإنما غالبية المستوى السياسي الصهيوني. لقد كرر لاءاته من بعده نائب وزير الحرب داني أيالون، وحظي ما كان منه بتأييد من النائبة في الكنيست ميري ريجيف، كما وسوف تكرسه زعيمًا للغلاة الذين يحسب لهم نتنياهو حسابًا في حزبه، بل ما الذي تختلف فيه حقيقةً عن مواقف نتنياهو، الذي حتى الآن لم يتخذ موقفًا علنيًّا واضحًا من تصريحات يعلون، رغم أن هذا هو ما ينتظره منه الأميركيون؟! ولنذهب أبعد، ما الذي يختلف فيه كل هؤلاء مع كيري، لا سيما "يهودية الدولة" أو حق العودة، الذي هو جوهر القضية الفلسطينية؟! أوليست هناك لعبة من توزيع أدوار لابتزاز مزيد من التنازلات الأوسلوية؟!
حكاية يعلون باتت مادة تلوكها أجهزة الإعلام الصهيونية، ومثار تصريحات مؤيدة أو مخففة أو مستهجنة ومعترضة، لكنما هي مجرد زوبعة في فنجان العلاقة العضوية بين الحليفين سرعان ما تنقشع، فجل ما أسفر عنه العتاب الأميركي والاستهجان الصهيوني هو بيان صادر عن ديوان يعلون يقول، إنه "يعتذر إذا كان وزير الخارجية قد تضرر من الأقوال المنسوبة للوزير".
يعلون لم يعتذر إلا بعد لقاء دام ساعتين مع نتنياهو...فماذا عن كيري؟! قال إنه "لا يمكن أن ندع تصريحات تقوض هذا الجهد ولا أعتزم ذلك"!
... يعلون اعتذر لكن نتنياهو لن يتراجع، وكيري لا يعتزم التوقف عن مواصلة جهوده التصفوية...