[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
إن من الحكمة عدم الشطح بعيدا في تحليل العرض الترامبي وما تستبطنه مفاجآته الحوارية, وبخاصة في ظل إدارة أميركية موالية بامتياز, وهي من غلاة المتطرفين, بل يُطلق عليها وصف "حزب الحرب", وفي ظل كونجرس أيّد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي. نعم, سنعرف مدى جدية الخطوات الاستفزازية الأميركية عند تنفيذ واشنطن لعقوبتها بفرض حظر على صادرات النفط الإيراني إلى العالم (إن حصل!)

إعلان الرئيس الأميركي ترامب عن استعداده الاجتماع بالقيادة الإيرانية بدون شروط مسبقة, هو إعلان يتسم بالتسويق الإعلامي, أكثر من كونه إعلانا حقيقيا! ذلك أن التصريح مليء بالألفاظ النابية تجاه إيران ورئيسها, إن بوثوق ترامب غير المنطقي بأن القيادة الإيرانية ستأتي إلى المفاوضات التي يقترحها, أو بما هدد به روحاني في تصريحه, من أن إيران ستواجه مصيرا لم تشهده سوى قلة في التاريخ, إذا استمرت في تهديدها للولايات المتحدة. التصريح الأخير تفوح منه رائحة الغطرسة الأميركية المعهودة والاستكبار, واعتبار الآخر غير ذي قيمة ومنعدم التأثير. التصريح يفتقر إلى اللغة الدبلوماسية, ولا يتفوه به إلا جاهل, أو من يعاني فصاما نفسيا شديدا, عليه معالجة نفسه قبل التفوه بتصريحات سياسية تتعلق بالعلاقات الدولية. التصريح ينم عن عدم معرفة الرئيس ترامب بالوضع الإيراني على الإطلاق.
بالطبع, لم يكن متوقعا من إيران قبول عرض الرئيس الأميركي للأسباب التالية: أولا: إن العرض يأتي بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني, الذي وقعته طهران مع مجموعة 5+1 عام 2015, وقد أعلنت الأطراف الأخرى التزامها بالاتفاق. ثانيا: إن محرك الانسحاب الأميركي من الاتفاق هو التحريض الصهيوني الدائم والمستديم والرغبة الإسرائيلية الجامحة في تدمير إيران كدولة اليوم قبل الغد, فدولة الكيان الصهيوني ترى في إيران, التحدي والخطر الأكبر على وجودها. (اقرأوا مقررات مؤتمرات هرتسيليا الخمس الأخيرة, من المؤتمر 14 – المؤتمر الأخير الـ18 الذي عقد قبل شهرين).
ثالثا: يأتي اقتراح ترامب في ظل 12 شرطا أميركيا مفروضة عليها, تجعل من إيران فيما لو طبّقتها "لا دولة", ولو قامت دولة صغيرة مثل ميكرونيزيا أو فيجي (اللتين لا تظهران على الخريطة) بمهاجمة إيران لاحتلتها! رابعا: يأتي الاقتراح في ظلّ أشد عقوبات أميركية تُفرض على دولة على مدى التاريخين القديم والحديث, المرحلة الأولى منها بدأت مع حلول شهر آب/أغسطس الحالي, أما المرحلة الثانية, وهي الأقسى والأشد فستبدأ مع حلول شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم من العام الحالي. خامسا: إدراك إيران أن التحالف الأميركي ـ الصهيوني ألزم البعض العربي بتحويل الصراع من وجهته الأساسية المفترضة مع دولة الكيان الصهيوني إلى مسار جديد مع إيران تحت دعوى أن الخطر الشيعي هو أكبر من الخطر الإسرائيلي! وللأسف بدأ البعض العربي بالترويج لهذه الأسطوانة القبيحة المستهترة بالدولة الجارة, التي هي دولة مهمة من دول المنطقة, وموقفها من وجود دولة الكيان الصهيوني معروف, يردده قادتها بالفم الملآن بكل الصراحة والوضوح ودون مواربة. سادسا: لم يكتفِ ترامب بفرض عقوبات على طهران, بل هدد بفرض عقوبات شديدة على الشركات الأوروبية والعالمية الأخرى التي أقامت علاقات تجارية ووقعت معها عقود واتفاقيات طويلة المدى.
سابعا: تاريخ العداء الأميركي لإيران أكثر من معروف, وهو ممتد على مدى أربعة عقود (أي منذ قيام الثورة) التي كانت خطوتها الأولى طرد السفير وكافة الدبلوماسيين الإسرائيليين من طهران, وتسليم مبنى السفارة الصهيونية إلى الثورة الفلسطينية.
جدير بالذكر أن إيران كانت أيام حكم آل بهلوي مرتعا لإسرائيل ومخابراتها واستخباراتها للتجسس على الدول العربية! أينسى أحدٌ هذا؟ إيران في علاقاتها الأميركية ظلّت على الدوام تحاول الحفاظ على شعرة معاوية مع الجانب الأميركي, لتجنيب المنطقة حربا غير محسوبة ومدمرّة لدول الخليج العربي. هناك عوامل أخرى لا يمكن أن تتسع لها مقالة قصيرة.
رد الفعل الإيراني جاء واضحا وصريحا في رفض مقترح ترامب, وتميز باللغة الدبلوماسية التحذيرية لترامب, القائمة على صمود إيران, وبأن لا التهديدات ولا العقوبات ستجبرها على تغيير مواقفها.. اقرأ تصريحات كلّ من الرئيس روحاني, محمد جواد ظريف وزير الخارجية, قائد الحرس الثوري وغيرهم كثيرون.
جملة القول: إن من الحكمة عدم الشطح بعيدا في تحليل العرض الترامبي وما تستبطنه مفاجآته الحوارية, وبخاصة في ظل إدارة أميركية موالية بامتياز, وهي من غلاة المتطرفين, بل يُطلق عليها وصف "حزب الحرب", وفي ظل كونجرس أيّد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي. نعم, سنعرف مدى جدية الخطوات الاستفزازية الأميركية عند تنفيذ واشنطن لعقوبتها بفرض حظر على صادرات النفط الإيراني إلى العالم (إن حصل!), وتهديد إيران بإغلاق مضيقي باب المندب وهرمز, وهي قادرة بالفعل على الصمود وتنفيذ ما وعدت به. يبقى التأكيد على أن اقتراح ترامب "الحواري" هو شكل هيكلي بلا مضمون, فهو في صميمه قنبلة دخانية, يهدف إلى تطويع إيران, وهذا لن يحصل.