[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
كنت كلما زرت بلدا أبحث عن اهتماماته بالفن والثقافة عموما .. ويوم كانت دار الأوبرا السلطانية ـ مسقط في بداية بنائها وكنت في زيارة لعُمان، أخبرني أحد الأصدقاء العمانيين أن ثمة مفاجأة يريدني الاطلاع عليها، وكان يعرف رأيي في مسألة الفنون والوطن .. وصلنا إلى البناء، ليقول لي هنا يبنى الأحب إليك، إنها دار الأوبرا. طرت فرحا، ورددت يومها على مسامعه، إنه إضافة جمالية على الحياة العمانية وتطورها.
لنتذكر معا التواريخ الروسية مثلا، السياسية لا نعرف عنها إلا القليل، لكن هنالك أسماء خالدة مثل تولستوي ودوستويفسكي وتشيكوف ومكسيم جوركي وبوشكين وكثيرين، ثم هنالك ما زال صرح البولشوي تعايشه الأجيال الروسية منذ سنين طويلة. فإذا أردنا الذهاب إلى فرنسا سنجد أسماءها اللامعة المتصدرة تاريخها، من سارتر إلى ألبير كامي إلى فيكتور هيجو إلى جان جاك روسو إلى عالم فني مبهر ومدارس فنية تفتقت في أزمنة الضرورة الإنسانية، ثم ألم يقل الرئيس ديجول إن الممثلة الفرنسية بريجيت باردو هي ثروة فرنسا؟
وعربيا، ماذا لو أردنا تذكر قيم حضوره؟ بالطبع لن تكون السياسة الأهم لأن هنالك آراء مختلفة فيها، ثمة أسماء متفق عليها من الجميع مثل نجيب محفوظ وأحمد زويل، بل لا بد من تذكر الشاعر أدونيس ونزار قباني، وأم كلثوم .. القاهرة عرفت الفن بكل تشكيلاته وقدمته للعرب يوم كان بحثهم عن رغيف خبز .. أوبرا القاهرة عمر وتاريخ، الشاعر أحمد شوقي مثلا مطبوع في قلوب الأجيال وهي تتوارث شعره .. وهل ينسى طه حسين وعباس محمود العقاد وتوفيق الحكيم..؟ قل لي اهتمام أي بلد بالفن والثقافة أقل لك مستواه الحضاري.
يوم دخلت الأوبرا السلطانية ـ مسقط التي اعتدت عليها شبه أسبوعي، كان انبهاري بالهندسة والزخرف والفنية العالية التي تمتعت بها. كنت أجلس على كرسي أخشى أن يصاب بسوء فأحاول ألا أتحرك قدر الإمكان. إنه صرح يقول لكل عماني وزائر، من هو سيد البلاد بحبه العميق للفن والموسيقى، وبالتالي إذا كانت السلطنة تحكم بهذه العقلية فهي في منتهى التطور والإبداع الحضاري وبمستقبل مضمون نجاحه وتألقه.
في مسرحيته يوليوس قيصر، يقول عنه شكسبير وهو كاتبها طبعا، إنه رجل خطر كونه لا يحب الموسيقى .. هذا الوضوح في المعنى، يدفع لمعرفة الذاتية الشخصية للمرء، سواء كان حاكما أو محكوما. يتبلور حس الإنسان بتلك القيمة الفنية العالية .. من منا إذا وقف أمام لوحة غرنيكا إلا ويقرأ فيها دلالتها وماذا تعني؟ ولماذا جعلها رسامها بيكاسو قصة تدل على مظلومية الحرب وقساوتها كي تتذكرها الأجيال وتتحاشى الوقوع فيها مرة أخرى؟
إنه الفن إذن، أرقى أنواع التعبير بكل أشكاله، تولد في كل إنسان نزعة فنية إما أن تتبلور أو تتلاشى لكن آثارها تظل .. جمهور الفن هو الأكبر .. وقد يولد في كل إنسان شاعر صغير قد يكبر ليصبح محترفا أو تنتهي المهمة في عمر الخيارات الشبابية.
من منا لا يطرب لموسيقى معينة أو لأغنية أو يستمتع بلوحة أو يسمع شعرا أو فيلما سينمائيا له مغزى ومعنى إنساني أو وطني أو نضالي .. كانت الحروب الأولى يمهد لها بقرع الطبول، في المناسبات الوطنية الكبرى تظل الإذاعات وباقي المحطات التلفزيونية وحتى الكتابات الصحافية مسخرة باتجاه واحد معبر عن المناسبة. أذكر أن حربا قامت في المنطقة العربية، كان يسبق معاركها وجود مكبرات صوت تنشد أناشيد وطنية حماسية على مدار الساعة.