[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
أما بالنسبة لمفهوم العلاقات الدولية ـ وكما هو واضح بأنه يشمل مفهوم العلاقات ومفهوم الدولية ـ فإنه يستخدم من الناحية القانونية لوصف وتحديد تلك العلاقة الرسمية بين الدول ذات السيادة في مختلف الجوانب ذات التبادلات أو التداخلات المشتركة، سواء السياسية منها أو القانونية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية وغير ذلك..


ما أهمية دراسة تلك التحولات والمتغيرات المعاصرة للسياسة العالمية في القرن الحادي والعشرين وأثرها وانعكاساتها على العلاقات الدولية بين الوحدات السياسية في النظام الدولي الراهن وانعكاس كل ذلك على قضايا الحرب والسلام أو الصراع والاستقرار على رقعة الشطرنج الدولية؟
السياسة العالمية هي تلك الممارسات التي تتجاوز حدود سلطة الدولة وتأثيرها وتفاعلاتها وممارساتها لتشمل الدول والمنظمات والأفراد وبقية الفاعلين المحتملين, وهو ما يعطي لمفهوم السياسة العالمية شمولية أكبر واتساعا أشمل في التأثير على رقعة الشطرنج العالمية, وبالتالي فإن السياسة العالمية هي: مجموعة تلك التصرفات والتفاعلات والسياسات والسلوكيات التي تتداخل فيها سلطة الدولة وسلطانها ومصالحها، مع ممارسات وسلوكيات وتفاعلات ومصالح الافراد والمنظمات, وبمعنى آخر مع كل الفاعلين العالميين.
وهو ما يصور السياسة العالمية بمظهر الحلبة الأكبر والأوسع والأشمل التي تختلط فيها كل مظاهر ومفاهيم وصور الصراع الشامل والمتداخل على السلطة والقوة والهيمنة بين مختلف الفاعلين والمؤثرين العالميين بطريقة فوضوية لا يمكن بحال من الأحوال السيطرة عليها أو تنظيمها أو إدارتها أو سياستها بشكل شبه كامل كما هو حال السياسة الدولية, وبالتالي فإن السياسة العالمية هي مصطلح أشمل وأعم من السياسة الدولية, وأن هذا الأخير ليس إلا مظهرا من مظاهره, وصورة من صوره.
أما بالنسبة لمفهوم العلاقات الدولية ـ وكما هو واضح بأنه يشمل مفهوم العلاقات ومفهوم الدولية ـ فإنه يستخدم من الناحية القانونية لوصف وتحديد تلك العلاقة الرسمية بين الدول ذات السيادة في مختلف الجوانب ذات التبادلات أو التداخلات المشتركة، سواء السياسية منها أو القانونية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية وغير ذلك, ويمكن تعريف مفهوم العلاقات الدولية على هذا الأساس كذلك بأنه مجموعة التفاعلات والسلوكيات والتصرفات التي ينتج عنها علاقات بين الدول, وبمعنى آخر فإن العلاقات الدولية (هي الأرضية التي يتم عليها تنفيذ العديد من الأحداث السياسية العالمية)( )
من خلال ذلك نجد التداخل المباشر والصريح بين حقل العلاقات الدولية والسياسة العالمية, وبتشبيه بسيط فإن السياسة العالمية والعلاقات الدولية أشبه بالدائرة الكبيرة اللامتناهية التي يقف في منتصفها مختلف الفاعلين العالميين، سواء الدول أو المنظمات أو الأفراد أو غير ذلك كمؤثرين ومحركين للسياسة العالمية، ونتاج أو أثر ما تفرزه تفاعلاتهم وسلوكياتهم وتصرفاتهم وسياساتهم المباشرة أو الارتجاعية من علاقات بين الدول على وجه الخصوص.
بحيث يمكن التأكيد على استحالة نشوء علاقة دولية دون وجود محرك ومحفز منبثق عن حقل السياسات العالمية كما تم تعريفه سابقا, سواء كانت تلك السياسة هي نتاج سلوكيات أفراد أو تصرفات منظمات عالمية أو سياسات دول, وسواء كانت تلك السياسات والسلوكيات والتصرفات اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية أو سياسية أو غير ذلك, كما يستحيل كذلك وجود سياسة عالمية لا ينتج عنها علاقة تفاعلية أو تبادلية أو اعتمادية بين الدول والوحدات السياسية القائمة بشكل مباشر أو ارتجاعي.
بناء على ذلك يمكن التأكيد على أن (العلاقات دائما هي عبارة عن نوع من الصراع والتنافس, وأن ما يدعونه بسلام النفوس ليس سوى المعنى الديني للحق, وما دام السلام كالحرب يحدد العلاقة بين الدول فإنه بالدرجة الأولى قضية سياسية, ولا يمكن إذًا تعريفه بتوقف تام للصراع أو انعدام كامل للنزاعات والخصومات) ( ) (في المقابل إذا لم تكن هناك إرادات سياسية قوية فسينقلب الوضع, ما يضع العلاقات الدولية أمام خطر الفوضى والحروب, وعلى كل حال, فإن الدول هي التي تقرر الموقف الخارجي, ولذلك فإن العلاقات التاريخية بين الأمم هي دائما ذات طبيعة سياسية)( ).
ويميز الباحث والدارس والمراقب لحقل العلاقات الدولية منذ مطلع القرن الحادي والعشرين نمطا متصاعدا من الاضطراب والفوضى العارمة، وارتفاعا حاد في مستوى الصراعات والتنافس بين الدول والسعي إلى امتلاك القوة والسلطة والنفوذ على الساحة الدولية عما كانت عليه العلاقة بين مختلف الوحدات السياسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, كما يلحظ زيادة واضحة في عدد الفاعليين العالميين، وأشكالا جديدة للقوة والسلطة وطموحات الهيمنة التي لم تعهدها المجتمعات السياسية من قبل.
فإذا ما حاولنا فهم أسباب هذا التغيير والتحول النوعي والكمي الواضح في حقل العلاقات الدولية فإنه لا شك سيرتبط الجواب والبحث عن الأسباب بشكل مباشر بمفهوم تلك السياسات العالمية الجديدة, والتوجهات الكبرى الحاصلة في النظام العالمي الراهن, وطبيعة الفاعلين الذين يشكلون الأطراف التي تصنع تلك التفاعلات والأحداث والعلاقات بين الدول.
حيث لم تعد تحدد العلاقات الدولية ضمن اطار العلاقات بين الدول فقط, بل ثمة قوى في النظام الدولي يترتب على وجودها نوع من النشاطات الرسمية وغير الرسمية كالمنظمات غير الحكومية والشركات متعددة الجنسيات وحركات التحرر الوطني والجماعات الإرهابية والأفراد ذوي التأثير المباشر في سياسات الدول والحكومات من أصحاب النفوذ والسلطة.
وتعد السياسات والتوجهات والتصرفات والسلوكيات التي يقوم بها اولئك الفاعلين على مستوى النظام, بمثابة المحفز والمحرك والباعث على ضخ ذلك الكم الهائل من أسباب التغيير والتأثير في حقل العلاقات الدولية, وعبر دراسة تلك التحولات الجديدة والمتغيرات المعاصرة في السياسة العالمية يمكن فهم التغيير الحاصل في حقل العلاقات الدولية. لذا نجد تلك الأهمية البالغة في دراسة أثر وانعكاس تلك التحولات السياسية المعاصرة على حقل العلاقات الدولية بين الوحدات السياسية المكونة للنظام الدولي الراهن؟
و(لعلل القاسم المشترك الذي يتفق معظم باحثي العلاقات الدولية على دراسته هو: ماهية تلك المتغيرات التي تساهم في اضطراب النظام الدولي أو انتظامه, وكذلك دراسة ضوابط التكييف التي تعمل على إبقاء النظام في حالة توازن أو ثبات, وقدرة النظام على احتواء المدخلات الاضطرابية التي تحدث بداخله... فدراسة حركية النظام الدولي أمر لا بد منه عند دراسة التفاعلات دون دراسة الوحدات, فمثلا بدلا من دراسة الدولة تتم دراسة ظواهر التفاعل, ما يعطينا قدرة كبرى على التنبؤ ويمكن رؤية ديناميكية النظام السياسي الدولي بطريقة مختلفة إذا وضعنا في اعتبارنا التفاعل المستمر بين مكونات النظام من جهة, وعملية التغيير التي تصيب هذه المكونات وأثر ذلك على التفاعلات داخل النظام)( ).
بالتالي فإن (دراسة التغييرات كوحدة تحليل في العلاقات الدولية قد تعيننا في مواكبة سرعة التفاعلات داخل النظام الدولي لأن هناك تغيرات تراكمية قد يجري العبور عليها دون التفات, غير انها تمهد لقدر كبير من التحولات في النظام الدولي)( )
لذا يمكن التأكيد على أن أهمية دراسة تلك التحولات والمتغيرات المعاصرة للسياسة العالمية في القرن الحادي والعشرين وأثرها على العلاقات الدولية بين الوحدات السياسية في النظام الدولي الراهن وانعكاس كل ذلك على قضايا الحرب والسلام أو الصراع والاستقرار على رقعة الشطرنج الدولية يساعد كثيرا في التعرف على الخريطة المستقبلية لأسباب وجغرافيا الحرب والسلام والاستقرار والصراع عل رقعة الشطرنج العالمية, كما أنه يمكن أن يسهم كثيرا في وضوح تلك المرئيات حول مستقبل القوى العالمية التي ستسيطر على مراكز القرار والتأثير في النظام العالمي الراهن, ما يمكن أن يساعد بدوره متخذي القرار على فهم تلك القوى والفاعلين العالميين وبالتالي التعامل معهم بطريقة أكثر اتزانا ووعيا.
يضاف إلى ذلك أن دراسة التحولات والمتغيرات المعاصرة للسياسة العالمية وارتباطها بالعلاقات الدولية يمكن أن يفتح الباب على مصراعيه لفهم تلك الجوانب المتعلقة بسلوكيات وتصرفات أولئك الفاعلين العالميين, خصوصا الدول منهم, وكيف يفكرون؟ ما هي طموحاتهم وأطماعهم المحتملة؟ ما هي الأسباب التي يمكن أن تحفزهم للحرب أو تجرهم للسلام؟ ما هي المناطق الأكثر احتمالا للصراع والفوضى والاضطراب على رقعة الشطرنج المستقبلية؟ وغير ذلك من الجوانب التي يمكن أن تتحقق من وراء دراسة تلك العلاقة أو التأثيرات المتبادلة بين السياسة العالمية والعلاقات الدولية.