[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
في أحد اللقاءات الصحافية الجماعية في زمن مضى، كانت الأسئلة تنهال على المسؤول السياسي، وحينما وجهت إليه سؤالا تطلع إلي بنظرة غضب وعتب ثم ضغط على أسنانه وحاول التملص من الإجابة .. وبعد انتهاء اللقاء مر المسؤول بجانبي ليقول لي إن السؤال الذي سألته لم يحن بعد وقته لأنه من أسرار الدول. وذات مرة تم طرد موظف كبير في موقع حساس لأنه أخطأ في نوجيه سؤال سابق لأوانه، ويعتبر من أسرار الدولة .. وفي لقاء حصل في بغداد إبان حكم الرئيس الراحل صدام، وكان لقاء بين قيادات فلسطينية والصحافة طبعا، صرخ أحد المسؤولين الفلسطينيين بصحافي عربي تجاسر وسأل سؤالا اعتبره المسؤول نبشا للأسرار؟
هذه وغيرها حصلت أمام عيني، فكيف تلك التي جرت في اليوم مرات وكذلك تجري .. يا لها من خدعة يتعرض لها معظم الصحافيين والكتاب فيما عالم بأسره يتوه، حين تحصل أسرار لا عهد لهم بها، بل إنهم يسمعون عادة ما هو عكس الحقيقة التي حصلت أو الاتفاقات التي وقعت..
لنأخذ مثلا ما حصل في إحدى زيارات رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو إلى موسكو وطلبه من الرئيس بوتين انسحاب الإيرانيين بشكل تام من سوريا .. المعلومات التي تم تداولها كان حديث إسرائيل عن تراجع الإيرانيين مسافة مائة كيلومتر عن الحدود مع الجولان، فيما تقول معلومات لا أعتقد أنها سربت، إن الرئيس بوتين قال لنتنياهو إنه موافق على انسحاب إيران من سوريا شرط أن تكون هنالك انسحابات شاملة للجميع للأميركي وللتركي ولغيرهم ولإسرائيل من الجولان باعتباره أرضا سورية.
هنالك عرف أو قانون بأن لا يجوز كشف الأسرار الكبرى والخطيرة إلا بعد ثلاثين سنة على الأقل .. هنالك ما تم تنفيذه بناء على ذلك، لكن هنالك من الأسرار الأخطر ما لا يمكن وضعها تحت الضوء، وهي ما زالت في الأرشيف العالمي، تختبئ بين صفحات كثيرة اصفرت أوراقها ولم يعرف أحد ما هي أو متى جرت وكيف ومن هم أبطالها؟
مثلا لم يكن بالصدفة أن يتم نشر اتفاقية تقسيم المنطقة العربية سايكس ـ بيكو، لولا التقارب الذي أرادته الثورة البولشفية الحديثة في روسيا مع العرب بأن قامت بنشر محاضر الاتفاقية التي كانت أحد العارفين لها.
كان مهندس السياسة الأميركية السابق هنري كيسنجر يردد أن ما يقال على لسان المسؤولين السياسيين ما هو إلا عكس الحقيقة بالفعل. بل كان أبرز سياسيي النازية وبوق هتلر الإعلامي جوبلز يقول اكذب اكذب سوف يصدقك الناس في النهاية. لكثرة ما عاصرت من أزمات وقضايا محلية وعربية وعالمية، لم أعد أصدق إطلاقا ما أقرأه في الصحف من معلومات أحيانا فيما جرت أحداث أمام عيني مغايرة لتلك المنشورة، فيما كنت أسمع من الناس المعلومات ذاتها المنشورة في تلك الصحف والتأثير على وجوههم .. مساكين..!
صحيح أن العالم بات صغيرا أمام إمكانيات القوى الكبرى وما تملكه من سيطرة عليه، إلا أنه يكتنز بأسرار يمكن لها لو عرفت لفجرت ثورات وانقلابات .. يجب إخفاء الحقائق دائما عن الشعوب، ليس من مصلحة أي نظام أن يشارك شعبه في مسؤولياته، روما من تحت غير روما من فوق كما يردد دائما. ثم إن من صميم المصلحة الوطنية أحيانا وكذلك القومية وحتى العالمية إخفاء ما يجب عدم نشره من أجل انتظام مسيرة الشعب .. عندما ثار الكرواتيون على تيتو، أجابهم بأني طلبت منكم ألا تتدخلوا في السياسة.