[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
إذا ما ارتجعنا إلى حقيقة ثابتة نسبيا، وهي أن رأس المال اليهودي هو الذي يشكل ويدير عجلة ماكينة الإعلام العملاقة هناك، نكون قد ظفرنا بمسك رأس خيط عدائية الإعلام للرئيس ترامب. ربما كان هذا ما يكمن وراء ما يجري اليوم من أفعال عدائية متبادلة بين مؤسسة الرئاسة الأميركية ومؤسسة الاستخبارات والأمن كذلك، برغم أن مؤسسة المخابرات والأمن تعد أكبر الأجهزة على المستوى العالمي...

تمكن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن يصنع ويسوق عدوين له مذ كان مرشحا للانتخابات الرئاسية، 2016، وهما: (1) وسائل الإعلام، و(2) أجهزة المخابرات والأمن. وبهذا يبرهن الرئيس ترامب على ضرورة وموجبات صناعة الأعداء لتشكيل بؤرة ساحبة لفائض اهتمام الجمهور، بؤرة شافطة لطاقات الجمهور المؤيد له، على سبيل تمهيد الطريق لمؤسسة الرئاسة لتحقيق ما ترمي إليه من أهداف اعتمادا على قاعدة الرئيس ترامب البيضاء الواسعة، أي من هؤلاء الذين يطلق الأميركان عليهم عنوان "أصحاب الرقاب الحمر" red necks، أي البيض الآريين من أصول أوروبية، مع إشارة خاصة إلى ما ينطوي عليه ذلك من استعداء للسود وللاتينو من بين سواهم من الأقليات العرقية، أي المهاجرين من ذوي الأصول اللاتينية من المكسيك المجاورة وسواها من دول أميركا الجنوبية.
وإذا كنا متأكدين من أن أي رئيس أو سلطة جديدة إنما تحرص على كسب الإعلام، وسائل وشواخص، لصالحه أو لصالحها، إلا أن الرئيس ترامب حرص على مهاجمة الإعلام والإعلاميين بكل عنف، أداة للذب عن نفسه وللمضي قدما نحو هدفه النهائي الأصل، وهو "لنجعل أميركا عظيمة ثانية"،Make America great again.
ويدرك المحنكون من خبراء فنون الحكم والإدارة الجماهيرية بأن صناعة الأعداء وتسويقهم على الجمهور العريض إنما هو إجراء فطن لتثبيت أعمدة الحكم وإطالة بقائه، في حال تهدده: فهذا ما فعله الكثير من الحكام المستبدين الذين يعمدون إلى تقنين العواطف الجماهيرية العدائية باتجاه معين، يقود إلى الفوز بالعواطف الجماعية لأنفسهم ولتأييد وتدعيم سلطتهم.
إلا أني طالما تساءلت عن سر خيار ملياردير مثل دونالد ترامب بانتقاء أقوى قوتين فاعلتين في الولايات المتحدة الأميركية أعداءً له، المخابرات والإعلام. وقد لاحظت كذلك بأنه على الرغم من اعترافه بالقدس، عاصمة لإسرائيل، إلا أن ترامب لا يحظى بتأييد اليهود داخل الولايات المتحدة، على عكس ما قد يتوقع المرء، باعتبار أن زوجته السابقة (أم أولاده الكبار) يهودية الديانة، وباعتبار تجاوزه كل الخطوط الحمراء التي لم يجرؤ رئيس أميركي ممن سبقوه إلى نقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس.
بيد أن أغلب الظن هو أن عدائية اليهود الأميركان له للرئيس ترامب إنما تكمن على شكوك قوية بنزعته الآرية البيضاء (العنصرية) هي التي كمنت خلف ما تعرض له يهود أوروبا (ألمانيا خاصة) من حملات إبادة. هذا، بطبيعة الحال، هو ما يبرر عدم تأييد اليهود للرئيس دونالد ترامب، خصوصا مع اعتبار ما يمثله ويرمز إليه من نزعة "آرية" عنصرية، مضادة لـ"السامية"، أي للأقوام السامية كاليهود والعرب. وبهذا تكون شكوك اليهود بالرئيس ترامب وبمخططاته على المدى البعيد مبررة أو معقولة، بغض النظر عن تأييده إسرائيل والاعتراف بالقدس عاصمة "أبدية" لإسرائيل!
وإذا ما ارتجعنا إلى حقيقة ثابتة نسبيا، وهي أن رأس المال اليهودي هو الذي يشكل ويدير عجلة ماكينة الإعلام العملاقة هناك، نكون قد ظفرنا بمسك رأس خيط عدائية الإعلام للرئيس ترامب. ربما كان هذا ما يكمن وراء ما يجري اليوم من أفعال عدائية متبادلة بين مؤسسة الرئاسة الأميركية ومؤسسة الاستخبارات والأمن كذلك، برغم أن مؤسسة المخابرات والأمن تعد أكبر الأجهزة على المستوى العالمي، أي مكتب التحقيقات الفيدرالي وجهاز وكالة المخابرات المركزية الأميركية. وللمرء يتحلى بالصبر لينتظر ما ستقود إليه هاتان المنازلتان الرئاسيتان في المستقبل.
هذا الموقف لم يزل معلقا سيأخذ أبعاده كاملة بوضوح بعد بضعة أشهر، أي عند الانتخابات النصفية القادمة في شهر فبراير القادم 2018. وحتى ذاك الحين، سننتظر!