على الرغم من المرارات والآلام والكوارث والمآسي التي يكابدها الشعب السوري يوميًّا، لا يزال هناك من يتنطع، وثمة من يناطح مدعيًا وزاعمًا أن ما يحدث في سوريا هو "ثورة"، رافضًا الاعتراف بأن "الثورة" المزعومة انكشف عوارها وبانت عوراتها وانفضح "ثُوارها" المزعومون، وسقطت الأقنعة عن وجوههم، بل هم من أسقطها قبل أن تسقطها قوة الحق الماثلة في المواقف الرجولية والوطنية لأولئك الشرفاء الذين وهبوا حياتهم من أجل سوريا من أبناء الشعب السوري مدنيين وعسكريين وسياسيين، من أجل صون عرضها وسيادتها واستقلالها، ومن أجل الحفاظ على عهدها ووعدها بأن تكون قلب العروبة النابض، وأن تكون خير الظهير وخير المعين تركن إليه القوى المستضعفة من الشعوب المستهدفة والمسلوبة.
ها هي سوريا رغم استهدافها بالتدمير وكي شعبها بإرهاب عابر للقارات مدعوم من قبل قوى دولية وإقليمية وصل عددها إلى مئة وثمانين دولة في أحلك فصول المؤامرة التي تستهدفها، ها هي تفتح صدرها وثغرها الباسم لعشرات الأسر العراقية التي طالتها نار الإرهاب والمؤامرة، ـ كما فعلت ذلك من قبل ولا تزال مع الشعب الفلسطيني والشعب العراقي ـ مادة يدها الحانية ـ كعادتها ـ على جراح غائرة في جسد هذه الأمة، أحدثتها سيوف الشقيق قبل نصال العدو، وخناجر محسوبين على الإسلام قبل سكاكين الصديق، جراح تنزف دماء غزيرة متسببة في غرق أبناء هذه الأمة في بحار دمائها وتناثر أشلائهم في مدنها وأريافها، وقراها، وسككها وحواريها وطرقها، وسهولها وجبالها، تلبد أجواءها أدخنة الأعداء والأشقاء والأصدقاء وحاملي هوية الإسلام ادعاءً، وتزكم رائحة الموت والإرهاب الأنوف، تحاول سوريا جاهدة ممثلة في شعبها الصامد وجيشها العربي الباسل وقيادتها الرافضة للعمالة والانبطاح أن توقف نزيف الجراح وتردع ناقلي الموت المجاني المأجورين من الإرهابيين والمرتزقة والتكفيريين والظلاميين، مقدمة هذا الجهد في أروع صور الغيرة على الكرامة والعزة والعروبة.
فأن يكون شعار "ثورة" هو جز الرقاب وقطع الرؤوس وبقر البطون، وأكل القلوب، وتهجير الشعوب وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها وتدمير البنى التحتية وطمس كل معالم الحضارات المتعاقبة والعروبة، واغتصاب النساء، وصلب الأبرياء، والزج بأطفال لم يبلغوا الحلم، وتعليمهم فنون الإرهاب والتدمير، وزرع الوحشية والفاشية في قلوبهم منذ نعومة أظفارهم، والزعم بأن ذلك "جهاد" وطريق إلى "الجنة"، وارتكاب الفظائع باسم الإسلام، فهي ليست بـ"ثورة"، بل هي إرهاب محض وقطع طرق، لا يمارسه ولا يجيده ولا يدعمه ويدافع عنه إلا الإرهابيون وقطاع الطرق والمستعمرون والمرجفون في الأرض والحاقدون على الشعوب والكارهون للحياة والأمن والاستقرار.
وعلى الرغم من هذا الإرهاب الذي ألبس لبوس "الثورة" زورًا وكذبًا وخداعًا وتآمرًا، وبلوغ هذا الإرهاب أفظع درجاته، لا يزال رعاته يتناطحون فيما بينهم لملء الشواغر وتعبئة الفراغ فيما تبقى لهم من أدوار، تارة بإعلان خوفهم وحالة الطوارئ من ارتدادات إرهابهم الذي دعموه وأوقدوا نيرانه في الدول المسالمة وضد الشعوب الآمنة، والدعاية بأنهم سوف يحاربون آفة الإرهاب، وتارة المجاهرة دون حرج أو مواربة بالإعلان عن دعمهم للإرهاب من تحت الطاولة ومن فوقها وتحت شعارات واهية من قبيل دعم "المعارضة المعتدلة".
ومن جديد المواقف، يتحدث جون كيري وزير الخارجية الأميركي بعد لقائه بالقادة والمسؤولين الأستراليين الأسبوع الماضي عن توحيد الجهود لإحالة مسألة قضية "الجهاديين" (أي الإرهابيين) إلى اجتماع الأمم المتحدة هذا الشهر وطرحها على جدول الأعمال، ومثل هذا التوجه مطلوب وإن كان تأخر كثيرًا، إلا أنه كفيل بتسليط الضوء على حقيقة مواقف الدول الضالعة في دعم الإرهاب، وما إذا كانت صادقة، أم أرادت من التوجه إلى الأمم المتحدة التغطية على دورها وأن تضفي مزيدًا من الشرعية على دعمها لآفة الإرهاب. وإن غدًا لناظره قريب.