[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
كلما اتسعت دائرة التواصل مع الآخرين أصبح المرء عرضة لمشاهدته من قبل عدد أكبر من الناس، وينطبق هذا بجميع تفاصيله على قضية الخصوصية التي تشهد جدلا متصاعدا في السنوات الأخيرة، وقد يكون المدخل الذي اعتمدناه لمناقشة المسألة يقف على صعوبات كثيرة، في مقدمتها أن الانفتاح على الآخرين لم يعد مسيطرا عليه في كثير من الأحيان، وإنما يقع الناس تحت سيل من الإغراءات، كما تكون هناك ضرورات في الكثير تجبر المرء على أن يكون متواصلا مع عدد غير قليل من الناس، منهم من يرتبط معهم بعلاقات عمل أو قرابة ومشتركات ثقافية ومعرفية واجتماعية، وهذا باختصار يكمن في هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي على حياة البشر في كل مكان، بعد أن أصبحت قائمة ما تقدمه غنية بكل ما يحتاجه الناس ومن مختلف الشرائح والثقافات والأعمار، لدرجة أن الكثير من الهوايات تمارس من خلال تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، ويجتمع في هذه المنصات العلماء والذين لا يعيرون أهمية للمعرفة، والمافيات ومنظمات السلام ومشوهو معالم البيئة والمدافعون عنها، والعصابات التي تفتك بحياة البشر والأطباء الذين يعالجون المعوقين والمرضى.
قد يكون الفيس بوك أكثر واجهة يجري الحديث عنه بخصوص معلومات الملايين من الناس وفي مختلف بقاع الأرض، وجرت نقاشات واسعة حول استخدام معلومات الفيس بوك في حملة الرئيس الأميركي ترامب، وفي تعليقه على فضيحة كبيرة حصلت خلال الأشهر الماضية، يقول الأستاذ آندرو برزيبلسكي من جامعة أوكسفورد، التي تعدّ بين المؤسسات الأبرز في العالم التي تعنى بعلم نفس التواصل الاجتماعي، إلى أن الفضيحة المتعلقة بالطريقة التي حصلت فيها شركة "كامبريدج اناليتيكا" على المعلومات الشخصية، في محاولة للتلاعب بالناخبين الأميركيين، "هي أهم لحظة واجهها فيسبوك.."
وبقدر ما كان الحدث كبيرا ومزلزلا وتوقف عنده الكثير من المؤسسات الحكومية والشعبية والبحثية، إلا أن مستخدمي فيسبوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي لم ينفروا من هذا العالم الجاذب لهم بقوة، والسبب في ذلك أن ما يعتقده الناس أن حجم المكسب المتحقق لهم من جراء استخدام هذه المنصات يتفوق كثيرا على ما يقال عن اختراق الخصوصية، ثم أن استخدام المعلومات الشخصية لأغراض سياسية قد لا يعني كثيرا الغالبية العظمى من الناس، خصوصا أولئك الذين يؤمنون أن السياسة تفرض نفسها على البسطاء ولن يتمكنوا من تغيير مساراتها الجوهرية، وهناك من يؤمن أن مؤسسات كبرى تعمل في التلاعب بالعقول طالما أن أهدافا تقف خلف المهام الملقاة على تلك المؤسسات. وأن أموالا طائلة ترصد لهذه التعمية وتلك الألاعيب، وأن ما يستهلكه الناس من خطابات ومعلومات أكثر بكثير من ما يعتقدون أنهم قد تصدوا له ومنعوا وصوله إلى أجوافهم.
إن الجدل سيتصاعد بخصوص استخدام المعلومات الشخصية في خدمة مشاريع كبرى. وإن الأمر لن يتوقف عند السياسة وعوالمها، بل يتجاوزه إلى مختلف جوانب الحياة اليومية.