[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
كثير من الدول كانت تتمنى عدم فوز رجب طيب اردوجان في الانتخابات الرئاسية، وبكل تأكيد، كانت مستعدة لدفع شيك على بياض حتى لا يواصل اردوجان نجاحه غير المسبوق ،، داخليا وخارجيا،، لأنها تعلم يقينا ماذا يعني لها الفوز برئاسة أكبر دولة إقليمية، دولة صنع منها اردوجان القوة الاقتصادية رقم (16) عالميا في تسع سنوات فقط بعد ما كانت تحتل رقم (111) عالميا، وفي عهده صنعت تركيا أول دبابة وأول فرقاطة وأول طائرة بدون طيار وأول قمر صناعي عسكري، وفي عهده، نقل متوسط دخل الفرد التركي من (3،5) الف دولار ليصبح (10،5) الف الدولار، وخلالها كذلك كون (300) الف عالم للبحث العلمي في عام 2013، وخلاله كذلك، أعيد تدريس القران الكريم والحديث النبوي الشريف ـ على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم ـ في مدارس الحكومة طواعية، فاختارهما أكثر من (90%) من طلبة المدارس.
وهكذا نقل رجل تركيا القوي بلاده نقلة نوعية وكمية في كافة المجالات .. وقد انعكس كل ذلك على المواطن التركي حيث لمس الأتراك تغيرا ملموسا في حياتهم المعيشية مقارنة بحكم كل الحكومات العلمانية التي توالت حكم تركيا منذ عام 1923، إذن، من كان ينبغي أن يختاره الشعب التركي، اردوجان بخلفيته الإسلامية المعلنة بعد تجربته تسع سنوات في رئاسة الحكومة أم رجالات العلمانية بعد تجربتهم الطويلة في الحكم؟ ما حققه اردوجان في تسع سنوات لم تحققه الحكومات العلمانية منذ إنشاء الجمهورية التركية في ذلك العام، إذن، الاختيار لم يشكل مشكلة في فوز اردوجان، لكن المشكلة الكبرى التي مني بها خصوم اردوجان في الداخل والخارج تكمن في ماهية الفوز، ففوزه كان تاريخيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد نجح في أول انتخابات رئاسية تجرى ،،شعبيا ،، بعدما كان البرلمان التركي هو من ينتخب الرئيس، وكان تاريخيا كذلك لأن استحقاقه في الفوز كان منذ الجولة الأولى، وهكذا تكون تركيا ، بل والمنطقة والعالم أجمع أمام رجل تاريخي – شئنا أم بينا – لا ينتج من مثله إلا بعد عدة قرون، فنجاحاته الداخلية والخارجية، وشخصيته الكارزمية دالة عليه، فما هي طموحاته المستقبلية بعد أن أصبح رئيسا لكل الأتراك؟ لو رجعنا لبرنامجه الانتخابي فسوف نجد أن أكثر من (70%) اقتصادي، وقد وعد الأتراك بأن يحتل اقتصاد بلادهم العاشر عالميا عام 2023، وأن تحتل اسطنبول أحد أهم عشرة مراكز اقتصادية في العالم، وحاليا تحتل المرتبة (السابعة العشرين) وأن يصبح المعدل السنوي للدخل الفردي (25) الف دولار، وأن تتجه تركيا الى النظام الرئاسي بدلا من النظام البرلماني،إذن، اردوجان كسب شعبه من خلال الاقتصاد أولا، ولن ننسى مقولته التاريخية الشهيرة عندما سألوه عن سر قدرته في تصفير المديونية التركية ،، إنني لم أسرق ،، وماذا ينبغي أن يعني ذلك للأنظمة في منطقتنا العربية؟ يعني أن رهاناتها على ديمومة الاستقرار داخل مجتمعاتها قد أصبح مرتبطا بمستوى معيشة أفرادها، ومرتبطا ارتباطا عضويا بتوظف الاقتصاد لصالح هذه المجتمعات، ومرتبطا بالبحث عن نخب وفاعلين نزيهين وأمناء لخدمة مجتمعاتهم لا الجلوس فوق رؤوسهم والتعالي عليهم، فنجاح اردوجان السريع وغير المتوقع في اختراق العلمانية المتجذرة كان وراءه إحداث فارق ،،ثوري،، في حياة الناس ومعيشتهم بعد حكمين، الأول، علماني أورث تركيا الفساد واقتصاد ضعيف وصراعات داخلية، الثاني، إسلامي يؤسس الدولة التركية على النزاهة والأمانة لغايات كبرى داخلية وخارجية، وهنا ينبغي أن يطرح تساؤلا استراتيجيا بعيد المدى، وهو، هل تشكل تركيا في عهد الرئيس اردوجان تحديا كبيرا لكل دول المنطقة؟ دون شك، فإن ذلك يشكل كبرى التحديات بل الاكراهات الكونية وليس الإقليمية فقط، فلغز أنقرة ودورها الإقليمي في عهد اردوجان قد تفاقم مع العديد من المبادرات الاردوجانية الايجابية نحو غزة الصامدة والمنتصرة بعون الله والعراق وايران بالاتجاه الى تأسيس شراكات إستراتيجية مع أنظمة أو جماعات، وبالاتجاه كذلك الى تشكيل تحالفات إقليمية جديدة على أسس إيديولوجية لا مصلحية فقط، ولا ينبغي أن ننسى أو حتى نتناسى أن اللغز التركي الجديد قد تفاقم بعد أن وصف وزير الخارجية التركي أوجلو الفريق الحاكم في أنقرة باسم ،، العثمانيون الجدد،، بكل ما يحمله المسمى أو التوصيف من دلالات وإسقاطات تاريخية وثقافية تعطي لتركيا الجديدة وزنها الإقليمي والعالمي، وهذا لا ينبغي أن يقلق الدول المتصالحة مع شعوبها والمتصالحة في علاقاتها الخارجية، وإن لم تكن كذلك، فعليها الإسراع في ذلك فورا ..
إن فوز اردوجان التاريخي يشكل انتصارا عالميا للفكر السياسي الإسلامي المعتدل، ويشعر به أنصاره في كل مكان من العالم.