[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” شهدت مصر مؤخرا معركة حامية الوطيس على مواقع التواصل الاجتماعي, بسبب عودة الممثلة "حلا شيحة" للتمثيل وخلعها النقاب, بعد ثلاث عشرة سنة من الاعتزال؛ بين المؤيدين لسفورها ومثمنين عودتها للفن وعدوا ذلك انتصارا للحرية والليبرالية وحقوق المرأة وهزيمة للرجعية والتطرف والظلامية, بينما شن الرافضون هجوما على الفنانة واتهموها بالردة والاستجابة لوسوسة الشيطان والوقوع في براثن الفتنة والخضوع للضغوط الأمنية, ”

مثلما تلقي التغيرات السياسية العنيفة بظلالها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية, تؤثر أيضا على الثقافة وأسلوب حياة الأفراد والمجتمعات وتغير قناعاتهم وطريقة تفكيرهم, ويمكن أن تغير حتى معتقداتهم, فظهور النازية والفاشية في أوروبا في ثلاثينيات القرن الماضي, أدى لتغير في السلوك والمزاج العام وصولا للزي وتسريحة الشعر وانتشار حركات موسيليني وإشارات هتلر بيديه وصياحه "هايل هتلر" وقصة شعره وشاربه الصغير في جميع أنحاء العالم.
وصلت هذه الصرعات الفاشية إلى مصر وظهرت جماعات القمصان الزرق التي شكلها حزب الوفد لتأديب خصومه ومعارضيه, وأصحاب القمصان الخضر التي شكلها أحمد حسين مؤسس "مصر الفتاة" الذي رفع شعار مصر للمصريين استلهاما لشعارات الفاشية الأوروبية المتصاعدة, كما ظهرت جماعة القمصان السود في سوريا التابعة للحزب السوري القومي الاجتماعي.
مع هزيمة هتلر والنازية وموسوليني والفاشية في الحرب العالمية الثانية على يد الحلفاء, اختفت هذه الجماعات و"الموضات" , وحل محلها ثقافة وأسلوب حياة الأميركي المنتصر في الأزياء "الجينز" والمأكولات السريعة وطغت سينما هوليوود الأميركية وسيطرت على الذوق العام في معظم دول العالم.
هذا شبيه بما يحدث الآن فصعود الإسلام السياسي وظهور "داعش" والجماعات المتطرفة ونجاحها في إقامة دولة لها في العراق وسوريا , عقب أحداث ما سمي بالربيع العربي, أثر في كثير من الشباب حول العالم فشاهدنا شبابا من آسيا وأوروبا وإفريقيا يطلقون لحاهم ويرتدون الزي الذي ابتدعته هذه التنظيمات وأطلقوا عليه الزي الإسلامي.
كما انتشر النقاب بأشكاله المتعددة بين الفتيات وتوافد على سوريا والعراق آلاف الشباب والشابات الذين افتتنوا بأسلوب حياة "داعش" وتأثروا بالدعاية التي بثها التنظيم على "الإنترنت", ووجدوا في المشاهد الوحشية وسفك الدماء إثارة مماثلة لما يشاهدونه في أفلام الرعب و"الأكشن" , وألعاب الفيديو جيم التي أفرزت جيلا يعشق المخاطرة ويهوى العنف والمغامرة , ووجدوا ضالتهم في "داعش".
ومع صعود التيار المحافظ في العقود الأخيرة في مصر شاهدنا فنانين يعتزلون الفن معلنين أنه حرام وارتدوا الجلباب القصير وأعفوا اللحى, وفنانات يعتزلن ويرتدين النقاب , بل كثير منهم تحول إلى داعية يبصر الناس بأمور دينهم, وناصروا مرشحي الإسلام السياسي في الانتخابات النيابية والرئاسية التي جرت عقب "25يناير" .
وعندما تراجع الإسلام السياسي في مصر وهُزم تنظيم "داعش" في العراق وسوريا, شاهدنا ردة فعل عكسية فعاد كثير من الشباب الأوروبي إلى ديارهم, وتخلصوا من آثار "داعش" بالتخلي عن الزي والشكل الذي يربطهم بالتنظيم, بل بالغ بعضهم في البعد ؛ بصبغ شعره وارتداء السراويل المقطعة , وغناء "الراب" ووصل الأمر ببعضهم لإعلان الإلحاد.
ولأن أوروبا اكتوت بنيران الإرهاب, وتورط بعض شبابها في حروب "داعش" , استنفرت كل إمكانياتها ومؤسساتها لمحاربة التطرف ؛ خصوصا بعد صعود الأحزاب اليمينية ووصولها للسلطة في إيطاليا والنمسا والمجر.
وللأسف لم تفرق هذه الحكومات بين "داعش" وبين الإسلام , ودفع ثمن ذلك الجاليات المسلمة في أوروبا, سواء المهاجرين الأوائل أو المهاجرين الجدد, فبجانب رفض استقبال لاجئين من الدول الإسلامية, تم التضييق على المسلمين حاملي الجنسية أوالمقيمين على الأراضي الأوروبية, بمنع إقامة مساجد وهدم مساجد ومنع صوت الأذان, وانتهاء بحظر النقاب كما حدث مؤخرا في الدنمارك.
ومؤخرا أثار وزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون الجدل, بعدما وصف المسلمات المنقبات بأنهن أشبه بصناديق البريد ولصوص البنوك, وقال "الشيخ جونسون" إنه لا يجد أي سند شرعي في القرآن يبرر ارتداء النقاب.
يشفع لجونسون الحديث عن الإسلام أن جدوده مسلمون أتراك شراكسة, فجده الأكبر علي كمال آخر وزير للداخلية قبل سقوط الخلافة العثمانية على يد كمال الدين أتاتورك في عشرينيات القرن الماضي وكان صحفيا وناشرا وشاعرا, تزوج من إنجليزية أنجب منها ولدا وحيدا هو جد بوريس الذي عاش في لندن مع أمه الإنجليزية بعدما خطف الثوار أباه علي كمال من محل الحلاقة أثناء قص شعره في أسطنبول ومضوا به إلى أنقره ليمثل أمام المحكمة بتهمة الخيانة والتحالف مع الإنجليز ضد الثورة وأعدموه وعلقوه على شجرة, وربما هذه الذكريات الأليمة دفعت عائلة جونسون لتغيير اسمها والخروج من الإسلام واعتناق المسيحية, ومعاناة جونسون حتى اليوم من مرض الإسلامفوبيا.
كما شهدت مصر مؤخرا معركة حامية الوطيس على مواقع التواصل الاجتماعي, بسبب عودة الممثلة "حلا شيحة" للتمثيل وخلعها النقاب, بعد ثلاث عشرة سنة من الاعتزال؛ بين المؤيدين لسفورها ومثمنين عودتها للفن وعدوا ذلك انتصارا للحرية والليبرالية وحقوق المرأة وهزيمة للرجعية والتطرف والظلامية, بينما شن الرافضون هجوما على الفنانة واتهموها بالردة والاستجابة لوسوسة الشيطان والوقوع في براثن الفتنة والخضوع للضغوط الأمنية, وناشدوها الرجوع عن غيها والاستغفار والاستتابة والعودة إلى الطريق المستقيم.
هذا الجدال العبثي انعكاس لحالة الاستقطاب السياسي التي تعيشها مصر منذ "25يناير" , ولا علاقة له بالدين والإسلام فغالبية الشعب المصري متدينون ويتمسك معظمهم بثوابت الدين وأداء الفرائض والمناسك وتكتظ المساجد بالمصلين خاصة أيام الجمع وصلاة التراويح ويتسابق المصريون في أداء الزكاة وأعمال الخير ولولا ذلك ما استطاعت مصر عبور الأزمات والمحن المتلاحقة التي مرت بها.
وارتداء النقاب يجب أن يظل اختيارا عن قناعة وحرية شخصية واعتزال ممثلة أو ارتداؤها الحجاب لن يضيف للإسلام الشيء الكثير, وخلعها النقاب لن ينتقص من الإسلام "والله متم نوره ولو كره الكافرون " , فالإسلام ينتصر بالإخلاق والعمل والإنتاج لما فيه خير المجتمع ورفعة الوطن .