[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
تلك النقرات للآلات النحاسية في اغنية محمد عبد الوهاب الوطنية " كل اخ عربي أخي " تدغدغ فيّ ماتبقى من امل بأمة تقهر ذاتها وتقوى على حاضرها وتتقدم لتفتح طريقا تم اغلاقه وهما وهو العروبة.
جزء من يومياتي العودة الى عالم من الوطنيات المغناة التي مازالت الى اليوم تجدد فيّ خلايا ترفض ان تقهر او تموت. اسمعها كي لاادخل في المعادلة الصعبة بين تلك الايام الجميلة وبين اليوم .. انهم القادة العمالقة يصنعون التحدي ويصارعون كل جبروت ويقيمون وزنا للامة ويحلمون.
احتاج لحلم وخيال عندما تغلق الابواب بوجهنا، فنحن في النهاية ابناء لهذا التفكير الذي لابد منه في لحظات ذروة الصراع كما نعيشه. فلماذا لاتعيدنا الاذاعات ومحطات التلفزة الى تلك الوطنيات المغناة التي التهبت يوم سمعناها أكفنا ومازالت قلوبنا تعيش حرارتها.
يالها من وطنيات مقسمة بين نضالات مصر وسورية، ومن اجل فلسطين دون ان ننسى عملها الفدائي، وحرب الجزائر التحريرية والنضال العالمي، والوحدة العربية ... ثم تلك الشاميات التي تتوج الشام سيدة عصور الارض بلا منازع.
لاتليق بهذه الايام سوى ان نعود الى التاريخ، لعله يبصر لنا شيئا من معادلة الامن الذاتي، على الرغم من ان سورية تقدم لنا انتصارات متتابعة، وفلسطين مازالت مصانة بسواعد ابنائها وشعوب عربها، وان العراق يداعب ماكان له من تاريخ لايمكن حذفه برغبة من أي آخر يريد لشعبه ان ينسى ..
أمة انتجت كل هذا الزهم من الوطنيات التي رتبت زمنها بما يليق بصناعه، لايمكنها اليوم ان تفتش عن الكلمة واللحن والصوت. تلك المفارقة عجيبة .. اليوم لاوطنيات مسموعة بكل اسف لأن لارمز يحاكى، ولا دورة حياة تدوي، ولا فكرا ينسج آمال شعوب. ذهب ذلك الوقت الذي كانت فيه الاغنية الوطنية تضج بالمسميات وتتحول الى تراكم من التعبير النضالي.
يوم استقال جمال عبد الناصر اثر هزيمة يونيو 67 ، كانت السيدة ام كلثوم واحدة من ملايين لم تقبل الاستقالة، فراحت الى الاذاعة فيما كان الشارع مليئا بالصراخ والهتاف، وغنت : " قم واسمعها من اعماقي فانا الشعب... ابق فانت السد الواقي لمنى الشعب " .. امتزجت الاصوات الهادرة بصوتها " ابق ابق " .. كان امرا سجلته الاغنية وهتفه الشعب وردده التاريخ.
من المؤسف ان تاريخا طوي كانت فيه الكلمة شعاعه واللحن مداه والصوت فاعله .. اليوم انبهر وانا استمع الى هذا الكم الذي تحضر فيه الامة، واكاد امسك بالكلمات كي تعيدني الى لحظاتها التي كتبت فيها، والى ورشة التحضير في الاستوديو، ثم الى بثها التي تترك اثرا كبيرا في عقول واعصاب وعواطف الناس.
كم رجمنا في فترة ما تلك الوطنيات، فاذا بنا اليوم نجدها متعا من زمان يرفض ان يسقط الا بذهابنا الى القبور. من المؤكد اننا آخر جيل يستمع الى تل الكنوز الوطنية، يبكي احيانا، ويتألم، ويبتسم فرحا في بعض الاحيان.
لقد مررنا بكل هذا واكثر، اذا كان ثمة من يريد معرفة ذلك التاريخ فعليه ان يذهب الى تلك الوطنيات ويستمع، واذا اراد ان يزيد، فليقرأه ايضا قراءة، لعله يعرف حقيقة ماجرى. ثم ان ثمة شعرا عايش المرحلة الذهبية ويملك من وصفها الكلام الكثير.