[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
حدثان يهوديان حصلا مع بداية القرن العشرين، كان لهما الأثر الكبير على أحوال العراق، وشمل ذلك الجالية اليهودية، وهما الانقلاب العثماني الذي اسفر عن الإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني، ونشوب الحرب العالمية الاولى وألقت تلك الأحداث بظلالها على اوضاع يهود العراق، فبالنسبة للإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني والذي نفذته جمعية الاتحاد والترقي في الثالث والعشرين من أبريل سنة 1909م بعد ان اصر على رفض مطالب اليهود باقتطاع ارض فلسطين وتأسيس وطن يهودي هناك، ولهذا فإن اليهود والماسونيين اعتبروا يوم عزل عبد الحميد الثاني، عيداً لهم ابتهجوا به وساروا بتظاهرة كبيرة في مدينة (سلانيك) وطبعوا صورة هذه التظاهرة في بطاقات بريدية لتباع في اسواق تركيا العثمانية ولمدة طويلة. (د.احمد النعيمي، اليهود والدولة العثمانية ص159) ولا شك ان ذلك الفرح الغامر قد وصل الى يهود العراق، الذين كانوا مرتبطين بزعاماتهم في الأستانة ارتباطاً وثيقاً وظلت شبكة اتصالاتهم قوية، كما كانوا يتابعون تحركات هرتزل داخل الدولة العثمانية وخارجها. (زار هرتزل استنبول خمس مرات كانت على التوالي 1896،1898 ومايو 1901 وفبراير 1902 واخيراً يوليو 1902).
ورد وصف لأحوال المدارس اليهودية في العراق في الوثيقة البريطانية 9199 348/371 (F.O) وتضمنت طلباً من الكولونيل رامزي الممثل السياسي في جزيرة العرب الى وزير حكومة الهند في وزارة الخارجية، كلكتا، والمؤرخة، بغداد في الثامن من ديسمبر 1906م. وطلب فيها دعماً مالياً للمدارس اليهودية في بغداد وجاء فيها: ان المدرسة اليهودية، مؤسسة مزدهرة لغاية، وتضم حوالي 500-600 طالب، وسوف تزداد هذه الاعداد بعد ان يتم استكمال الجناح الجديد الذي هو قيد الانشاء حالياً، ويتكون كادر تدريس اللغة الإنجليزية في الوقت الحاضر من سانغر (Sanger) ويساعده بعض الطلاب المعنيين، وسانغر هو بولوني نشأ في انجلترا، وهو على معرفة جيدة باللغة الإنجليزية. وكان قد أرسل من قبل الاتحاد الانجلو-يهودي، اما بالنسبة للادارة العامة للمدرسة فهي بيد الاليانس الإسرائيلي في باريس، ولذلك فإن اللغة الفرنسية هي لغة التعليم، ولكن يبدو ان مطلب تعلم اللغة الإنجليزية في تزايد، الأمر الذي سينعكس لصالح التجارة الإنجليزية ومعروف ان الكثير من مجالات التجارة في بغداد هي بيد اليهود.
يقول الكولونيل رامزي الممثل السياسي في جزيرة العرب التركية والقنصل العام في بغداد لصاحب الجلالة في ان الطائفة اليهودية في بغداد مرفهة وهم يملكون افضل المساكن، وقد رفعت منافساتهم للسكن في المناطق الراقية التي يسكنها الأوروبيون الايجارات بشكل كبير، وكان لانشاء مدرسة جيدة يديرها الاليانس الإسرائيلي دور كبير في رفع المستوى الاجتماعي لليهود، ولا اعتقد بأن لديهم أية مظالم معينة (الوثيقة البريطانية المرقمة 3717 560/371 (F.O) رقم 942 بتاريخ التاسع عشر من أكتوبر 1908 بغداد).
ويذكر الدبلوماسي الإنجليزي، أنه بعد ان قامت جمعية تركيا الفتاة بنشر مواعظها عن المساواة، راح بعض اليهود الاقل ذكاءً يظنون لبعض الوقت، بأنهم يستحقون المعاملة كأنداد من قبل المسلمين، وبدأوا يشعرون بأن لديهم ما يكفيهم من الدعم من تلك الجمعية، ولهذا السبب راح اليهود، او بعض منهم، يُظهرون استقلالية في مواقفهم، وان بعض اليهود اساءوا معاملة المسلمين، بل وأنهم كانوا يقابلون العنف بالعنف، وكانوا في حالات المشاحنات يطالبون بالمساواة المطلقة مع المسلمين، ان مثل هذه الامور لم يكن يحلم بها اليهود في بغداد، مما حدا بالناس المحافظين جداً الى التفكير بأن هيمنة الدين الإسلامي باتت موضع تهديد من قبل تركيا الفتاة.