[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]


”... يلاحظ ان العديد من المواقف والسلوك الذي تسير عليه السياسة الخارجية الاميركية في عهد الرئيس ترامب يعود الى دوافع ومحركات يغلب عليها قوة واندفاع شخصية الرئيس ترامب في مواجهة الكادر العامل في البيت الأبيض أو السلطة التنفيذية التي تساعده على رسم السياسات والمواقف الاميركية الخارجية. ولكن لا يمكن ان نصفها في الغالب بالمزاجية غير المدروسة أو محسوبة.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لماذا يصر الرئيس الاميركي دونالد ترامب على توسيع دائرة الخلافات السياسية والعداء الاقتصادي بين الولايات المتحدة الاميركية والقوى الدولية الكبرى كروسيا والصين, وبعض القوى الفاعلة في الشرق الاوسط كتركيا وايران؟. ولماذا تصر الادارة الاميركية الحالية على رهان خضوع تلك القوى لاتجاهات السياسة الخارجية الاميركية عبر اغضاب روسيا والضغط على الصين والتضييق على تركيا والتعامل بعنجهية مع ايران؟!.
وهل حقا ان هذا الاتجاه يمكن ان يحقق للولايات المتحدة الاميركية اهدافها الجيوسياسية على رقعة الشطرنج العالمية بوجه عام وفي الشرق الاوسط على وجه الخصوص في ظل تراجع قوتها المركزية ونفوذها السياسي في العديد من مناطق العالم؟
السياسة الخارجية الاميركية تعيش اليوم اشد ايامها اضطرابا, ولكن ليس بفوضوية كما يدعي بعض المحللين ولهم مني فائق التقدير والاحترام بكل تأكيد, فليس من العقل والمنطق ان دولة بحجم الولايات المتحدة الاميركية يمكن ان تعمل بعيدا عن عقلانية العمل السياسي وموضوعية المنهج والتخطيط الاستراتيجي الهادف إلى اعادة مكانتها السياسية وتحقيق مصالحها الجيوسياسية الدولية.
ولكن يمكن القول ان الولايات المتحدة الاميركية في الوقت الراهن أشبه: بالرجل القوي الذي بدأ يشعر بالتعب جراء تراكم متطلبات بقاء قوته ونفوذه وسلطته وتوسع حجم جغرافية مصالحه الاستراتيجية في ظل نظام عالمي متهالك يتجه الى التشظي والانقسام بعيدا عنه, ونظام تشريعي شديد الانقسام على كيفية ادارة تلك الصراعات والتهديدات الدولية نتيجة سيطرة بعض القوى على منافذ صنع القرار السياسي الخارجي والتأثير عليه, وسلطة تنفيذية تتجاذبها المصالح الداخلية واطماع الخارج.
لذا يلاحظ على قرارات السياسة الخارجية الاميركية الاتجاه المعاكس لمصالح العديد من الفاعلين الدوليين كروسيا والصين وهذا الأمر طبيعي جدا, اذا ما اخذنا في الاعتبار مخاوف الولايات المتحدة الاميركية من فلتان عقال هذه القوى بسرعة من المركز الاميركي, الأمر الذي سيؤثر على الكثير من المصالح السياسية والجيوسياسية الاميركية في الخارج , وسيشجع قوى اخرى كتركيا وايران على محاولة سد فجوة التراجع الاميركي في اكثر مناطق العالم اضراب وفوضى , اقصد منطقة الشرق الاوسط. وبمعنى اخر: ان الولايات المتحدة الاميركية اليوم تواجه لحظات مبكرة من وجهة نظرها لنهاية قوتها الامبراطورية, لذا تعمل جاهدة وبكلمة ادق مضطرة إلى اللجوء لكل اشكال السياسات المتاحة لها للمحافظة على مكانتها العالمية, او على اقل تقدير المحافظة على ما تبقى منها .
قد يقول قائل: ان تصرفات الولايات المتحدة الاميركية هي من تدفع تلك القوى إلى هذا الاتجاه وتزيد من عمق هذه الفجوة وتلك التهديدات والمخاطر عليها. وهنا نقول: ان هذا الأمر صحيح, ولكن بكل تأكيد وبتصوري الشخصي ان الولايات المتحدة الاميركية تقوم بهذه التصرفات مضطرة ومدفوعة بمتطلبات قوتها وتأكيد سلطتها وهيمنتها ونفوذها الدولي, وستستمر بذلك وبشكل اكثر تشدد وقوة في ما تبقى من سنوات العقد الثاني من القرن 21, الأمر الذي سيواجه بقوة مقابلة وتحالفات دولية تهدف إلى كبح جماح المركزية الاميركية.
وباختصار: ان ابرز ما يوجه السياسية الخارجية الاميركية اليوم هو خليط من عوامل داخلية واخرى خارجية يقع على رأسها تشظي النظام العالمي حيث وجدت الولايات المتحدة نفسها منذ مطلع القرن الحادي والعشرين في مواجهة صعبة مع قوى دولية واخرى اقليمية رافضة لسياسة القطب الواحد, في ظل نظام دولي يتجه شيئا فشيئا إلى التشظي والابتعاد عن المركزية الاميركية نحو عالم متعدد الاقطاب او الفاعلين الدوليين. وضغط قوة اللوبي الاسرائيلي المتمثلة في اللجنة الاميركية الاسرائيلية للشؤون العامة (ايباك) حيث ان لهذه المنظمة من النفوذ والقوة الكبيرة في الداخل الاميركي, خصوصا عندما يتعلق الأمر بالقضايا التي تلامس المصالح او التوجهات الإسرائيلية في الشرق الاوسط, لذا لا يمكن نكران التأثير الطاغي لمؤيدي اسرائيل في البيت الأبيض على السياسة الخارجية.
يضاف الى ذلك الشخصية الرئاسية, حيث يلاحظ ان العديد من المواقف والسلوك الذي تسير عليه السياسة الخارجية الاميركية في عهد الرئيس ترامب يعود الى دوافع ومحركات يغلب عليها قوة واندفاع شخصية الرئيس ترامب في مواجهة الكادر العامل في البيت الأبيض أو السلطة التنفيذية التي تساعده على رسم السياسات والمواقف الاميركية الخارجية. ولكن لا يمكن ان نصفها في الغالب بالمزاجية غير المدروسة او محسوبة .
واخيرا كما يقول هنري كيسنجر في كتاب , هل تحتاج اميركا الى سياسة خارجية , ص 17-18 ان (السياسات المحلية تدفع بدورها كذلك السياسة الخارجية الاميركية في الاتجاه المعاكس لسوء الحظ, فالكونغرس لا يشرع لتكتيكات السياسة الخارجية فحسب, لكنه يسعى ايضا الى فرض قانون سلوك على الامم الاخرى بواسطة العقوبات, وتجد كثير من الامم نفسها الآن خاضعة لمثل هذه العقوبات, وقد سلمت بذلك الادارات المتعاقبة كجزء من تسوية لكسب الموافقة على برامج اخرى من جانب, ولأن غياب الخطر الخارجي المباشر من جانب آخر, جعل السياسة المحلية اكثر اهمية للبقاء السياسي من التعاطي مع السياسة الخارجية).