[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
في واحدة من القصص القصيرة الممتعة التي يتصدى المؤلف من خلالها لقضية سياسية دولية بأسلوب قصصي سلسل وممتع جدا، يبحر القارئ مع رؤى وأفكار الكاتب الفرنسي جان كريستوف روفان في قصته المنشورة بعنوان (شغف فرانكوفوني)، ولن تجد أي ذكر للسياسة وزواياها وخباياها إلا في مدخل القصة عندما يعطي الكاتب ملمحا ذكيا ليربط القارئ لاحقا بين احداث القصة ومعاناة البطلة، فبينما كان مدير الفندق في غرفته يتابع القناة الفرنسية الأولى التي تنقل في ذلك اليوم زيارة جورباتشوف الرئيس السوفيتي الاسبق إلى الولايات المتحدة، التي يصفها القاص بأنها " قضية الساعة" أي انهيار الاتحاد السوفيتي، وهذا الحدث يعود كما هو معروف إلى بداية تسعينات القرن الماضي، إلى هنا يتوقف الحديث عن السياسة لتبدأ دراما من نوع اخر. من هنا تبدأ احداث القصة المثيرة للمتابعة والاهتمام.
هرولت فرجيني خادمة الغرف مسرعة لتخبر المدير المنشغل بما ينقله التلفاز عن سيدة تسكن الغرفة 224، وقد ثارت ثائرتها وحطمت كل شيء في الغرفة الكبيرة التي تسكن فيها، حطمت المرايا وقلبت الطاولات، تقول فرجيني لديها قوة خارقة، الملاءات مزقتها إلى خيوط، حطمت سطح الطاولة الرخامي، إنها مجزرة.
في لحظة ما اكتشفت السيدة الكيرغستانية أنها عاشت حلما وواقعا في غاية الغرابة، والدها رئيس كرغيستان الشيوعية، كان حلمها منذ الطفولة أن تتعلم اللغة الفرنسية في بلاد منغلقة جدا بسبب سياسة الاتحاد السوفيتي المعروفة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية منتصف اربعينات القرن العشرين والتي ازدادت ضراوة وعزلة إبان الحرب الباردة، وبعد الحاح كبير من الفتاة اليافعة المدللة، يقرر والدها تنفيذ رغبتها لكن بطريقته الخاصة، إذ طلب جلب احد السجناء لينتقل من الزنازين وأقبية السجون إلى قصر الحاكم، تم اختيار هذا المسجون بتهمة التهريب وقضايا اخرى ليدرس الفتاة اللغة الفرنسية، وخلال فترة قصيرة بدأت ابنة الحاكم رحلتها الممتعة مع اللغة التي تعشقها، ومع كل درس جديد بهذه اللغة الزاخرة بالشعر والموسيقى تتقرب اكثر إلى معلمها، الذي يمتلك شخصية جذابة ومع تداخل اللغة بالثقافة وامتزاجها بمشاعر الوله والحب، اصبح المعلم المثقف المتخصص باللغة الفرنسية كل حياتها.
بعد عدة سنوات اقترحت عليه أن يسافر إلى فرنسا بعد أن اخبرته بأن لديها مبلغا من المال يكفي لشراء بيت ويؤمن حياة هانئة لهما هناك، رفض الرجل المحبوب بشدة لكنه وافق بسبب الحاحها الشديد، بعد سفره انقطع تماما، وعندما اخبرها والدها أنه مسجون في جنوب افريقيا وأنه مهرب ونصاب ولديه عدة زوجات لم تصدق والدها على الاطلاق.
قررت السفر إلى باريس للبحث عن الرجل الفرنسي الذي علمها اللغة التي تعشق والذي احببته حد الوله، لكنها اكتشفت في ذلك الفندق الراقي وسط باريس أنه ليس هناك من يفهم لغتها الفرنسية، لتثور ثائرتها، وتكتشف أن اللغة التي تعلمتها من الرجل النصاب إنما هي لغة بلغارية محلية لا يتحدث بها إلا القلة من الناس.
تهشم الحلم وضاعت الجهود وتناثرت صورة الرجل الذي احبت طيلة سنوات. إنه الشغف الفرانكوفوني.