يسبر «صراع الحب والسلطة .. السلطانة جُومبيه فاطمة» أغوار وأسرار التواجد العماني في جزر القمر» ويعكس عمق العلاقات العمانية ـ القمرية في ظل التنافس العماني الفرنسي على جزيرة موهيلي إحدى الجزر القمرية من خلال تولي السلطانة جومبيه فاطمة بنت عبد الرحمن رئاسة هذه الجزيرة، إذ يصفها معاصروها بـ»غريبة الأطوار» و»حالة مرضية متقلبة المزاج» تنافس على كسب ودها وخطبة يدها أطراف دولية وإقليمية ومحلية تنافساً محموماً.
يقع كتاب «صراع الحب والسلطة .. السلطانة جومبيه فاطمة» في 350 صحفة للمؤلف الدكتور حامد كرهيلا الذي أثرى المكتبة العربية بأبحاثه المهمة عن جزر القمر، ككتابه «أثر الإسلام في تشكيل السلوك الاجتماعي في جزر القمر»، وكتاب «العلاقات التاريخية بين الدولة البوسعيدية وجزر القمر»، وكتاب «صراع الحب والسلطة: السلطانة جومبيه فاطمة 1841 ـ 1878م» وهذا الأخير يستعرض سيرة السلطانة جومبيه القمرية، فإلى جانب الوجود العماني كان المستعمر الفرنسي منافسا على جزر القمر، ولا تزال ملامح الوجود العماني في تلك الحقبة حاضرة في هذه الجزر، وفي تلك الفترة هناك عنصر ثالث طالما تداخل بحكم الجغرافيا في مجريات الأحداث بجزر القمر، ألا وهو العنصر الملجاشي، فأقرب يابسة إلى الجزر هي جزيرة مدغشقر، وأطماع سلاطين مدغشقر في الجزر قديمة قدم التاريخ .. والسلطانة فاطمة مثال جيد على ذلك النفوذ الملجاشي، فأبوها السلطان «رامنتاكا» ملجاشي الأصل، هرب من بلاده بسبب صراعات على السلطة هناك، واستولى عنوة على الحكم في جزيرة موهيلي الوادعة في عام 1832م، وتسمى باسم عبدالرحمن، وأعلن إسلامه، وتحالف مع السلطان سعيد بن سلطان.
ودخل السلطان سعيد بن سلطان بثقله فأبدى رغبته في الزواج من هذه الأميرة، تتويجا لعلاقة أبيها عبدالرحمن بالسلطان سعيد، ثم كان أن حالت مشاغل السلطان دون إتمام ذلك، فأرسل قريبه سعيد بن محمد بن ناصر البوسعيدي الملقب بـ»مكدارا» عام 1864م وكان أن ظفر رسول السلطان سعيد بالزواج، وضمن بالتالي تبعية موهيلي لزنجبار.
جومبيه فاطمة بنت عبدالرحمن «1841 ـ 1878م» هذه المرأة الغريبة الأطوار التي وصفها معاصروها بأنها «حالة مرضية متقلبة المزاج» والتي تنافست على كسب ودها وخطبة يدها أطراف دولية وإقليمية ومحلية وتنافست عليها تنافسا محموما، لا يقل وطأة من تنافسها وتنازعها على بسط النفوذ والسيطرة والهيمنة على المضايق والدول والشعوب.
لقد أخذت المطامع الفرنسية في بسط النفوذ والسيطرة على موهيلي تتكشف بصورة أوضح منذ وفاة السلطان عبدالرحمن «1832 ـ 1841م» الحليف الاستراتيجي لسلطان عمان وزنجبار السيد سعيد بن سلطان «1806 ـ 1856م» فقد ترك هذا الغياب فراغا هائلا في مؤسسة الحكم بالجزيرة، حيث إن الوريث الشرعي للحكم وهو ابنته فاطمة لم تتجاوز عمرها خمس سنوات، الأمر الذي أدى إلى أن تتولى أرملته والدة فاطمة الوصاية إلى أن تدرك فاطمة البلوغ .. وفي هذه الأثناء بدأت فرنسا، إنطلاقاً من مايوت التي جثمت عليها تخطط وتشرئب إلى فرض الهيمنة والنفوذ على الجزر القمرية الأخرى، فوجدت أن الفرصة مواتية جدا أمامها في موهيلي، لشغور كرسي الحكم، وصغر وأنوثة سلطانتها .. بيد أن النفوذ العماني في الجزيرة وتبعيتها ـ بشكل أو بآخر ـ لسيادة السلطان سعيد، الذي كان له علاقات مميزة مع حكومة الجزيرة، إلى درجة أن علمه الأحمر كان يرفرف في سماء الجزيرة، ومن على قصرها السلطاني، ترك الانطباع عن أن الجزيرة تدخل ضمن نطاق الإمبراطورية العمانية، ومن ثم ليس من السهولة بمكان أن يتم لفرنسا ما تريد دون مخاض عسير، وإزالة كل ما يعترض الطريق أمام تنفيذ أجندتها التوسعية.
كانت أولى الخطوات التي قامت بها فرنسا لتحقيق أهدافها في الجزيرة هي التأثير على الفتاة السلطانة عقديا وفكريا وثقافيا وخلقيا من خلال تربيتها، فأرسلت إليها مربية فرنسية لتقوم بمهمة مزدوجة «القيام من جهة بحضانة فاطمة وأختها غير الشقيقة سلمى، وتربيتهما وتعليمهما اللغة الفرنسية، والسلوك الأوروبي، والديانة المسيحية، ولزرع البغض والكراهية فيهما لكل ما هو عربي وإسلامي، ومن جهة أخرى رصد ومتابعة تحركات ونشاطات الدولة البوسعيدية في الجزيرة والإبلاغ عن ذلك إلى السلطات الفرنسية في جزيرة مايوت، وإلى الجانب العنصرين العماني والفرنسي اللذين تنافسا على جزر القمر في تلك الفترة هناك عنصر ثالث طالما تداخل بحكم الجغرافيا في مجريات الأحداث بجزر القمر، ألا وهو العنصر الملجاشي، فأقرب يابسة إلى الجزر هي جزيرة مدغشقر، وأطماع سلاطين مدغشقر في الجزر قديمة قدم التاريخ.
وبحسب علمي المؤلف لا توجد امرأة ذات منصب وجمال تنافس عليها ملوك وأمراء ودول ومراكز قوى، مثل السلطانة جومبيه فاطمة، فهل السر يكمن في جمالها ونسبها وحسبها ومالها ودينها أم أن السر يكمن في جزيرتها؟ وهل تصارع الناس قديماً وحديثاً إلا على واحد من هذا الثالوث الحب والمال والسلطة؟! كم ضحية سقطت بسبب الحب والظفر بمحبوبة؟! كم أرواح أزهقت بسبب المال؟! وكم دماء سالت وـ ستظل ـ تسيل، وحروب قمت ـ وستقوم إلى الأبد ـ من أجل السلطة والحكم والنفوذ؟! سيرة السلطانة جومبيه فاطمة كأنها من وحي قصص ألف ليله وليله، إذ يقود امرأة دولتها في زمن لم تصل فيه المرأة في الغرب إلى مثل هذه المناصب.
اعتمد الدكتور كرهيلا في كتابه الذي صدرت الطبعة الأولى منه في 2012 عن دار الفرقد، ضمن البرنامج الوطني لدعم الكاتب الذي يتبنّاه النّادي الثقافي على جمع المعلومات والنصوص من مظانها الأصلية، والاستعانة بالكتب التي اعتمدت في مادتها على المصادر والوثائق المتصلة بموضوع البحث، بعد القراءة والتحليل والنقد كون أغلب المراجع المعتمد عليها فرنسيّة.
ويحتوي الكتاب على سبعة فصول إذ يركز الفصل الأول على ولادة جومبيه فاطمة وتوليها الحكم ووصية السلطان عبدالرحمن بتولي ابنته الحكم بعد وفاته، والإصرار الفرنسي على القضاء على نفوذ السلطان سعيد بن سلطان في الجزيرة، أما الفصل الثاني فيتطرق إلى الاهتمام الفرنسي بتربية جومبيه فاطمة وتتويجها وتداعيات ذلك، فيما يستعرض الفصل الثالث التقلبات العاطفية للسلطان جومبيه فاطمة وزواجها الأول من سعيد بن محمد بن ناصر البوسعيدي ووضع الجزيرة بعد الزواج، ويتطرق الفصل الرابع إلى علاقة العاطفية بين جومبيه فاطمة وجوزيف لامبير والمشاريع الاقتصادية وأهداف الاستعمار الفرنسي، ووقعت السلطانة في شرك الاستعمار والاستغلال من قبل لامبير الفرنسي الذي يسلط الكتاب في فصله الخامس عليها وتنحي السلطانة من منصبها، والفصل السادس يتطرق لجولة السلطانة الخارجية للدفاع عن مصالحها والوضع في الجزيرة بعد عودتها إليها، ويختتم الكتاب بفضله السابع الذي يعرض عودة جومبيه فاطمة إلى الحكم وبداية الهيمنة الفرنسية على موهيلي.

✽ من أسرة تحرير «الوطن»
يوسف الحبسي