الرستاق ـ من منى بنت منصور الخروصية :
تقع قرية قصرى في محافظة جنوب الباطنة وبالتحديد ولاية الرستاق ﻓﻲ قلب ولاية ﺍﻟﺮﺳﺘﺎﻕ ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﻗﻠﻌﺔ ﺍﻟﺮﺳﺘﺎﻕ ﻳﺤﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﻭﺍﺩﻱ ﻗﺼﺮﻯ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺍﻟﻌﻼ‌ﻳﺔ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ محلة ﺍﻟﻤﺤﺎﺿﺮ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﺑﻤﻌﺎﻟﻤﻬﺎ الأثرية ﻭﻣﻦ ﺃﻫﻤﺎ ﻣﺴﺠﺪ ﻗﺼﺮﻯ ﻭﺍﻟﺒﻴﻮﺕ الاثرية، ﻭﻗﺪ ﻧﺸﺄ ﻓﻴﻬﺎ الإمام ﻧﺎﺻﺮ ﺑﻦ ﻣﺮﺷﺪ ﺍﻟﻴﻌﺮﺑﻲ ﻭﺍﻟﻌﻼ‌ﻣﺔ ﺧﻤﻴﺲ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺸﻘﺼﻲ وغيرهم.

مكانة قصرى التاريخية
قصرى مكانة عبر التاريخ تنبع من مكانة الرستاق بشكل عام والتي شكلت أهم المدن العمانية كما كانت عاصمة لعمان في بعض فترات التاريخ، ولما كان موقع قصرى في قلب مدينة الرستاق فقد انعكست تلك المكانة لها فقد كانت مركزا علميا وثقافيا وتاريخيا، ويشهد على ذلك ما بقي لهذه المحلة من مبان تاريخية وبيوت أثرية لا تزال باقية إلى هذا الزمان. ولقد تعاقب على حكم الرستاق حكام وسادة اشتهروا بالفضل والصلاح وحب العلم، من أمثال السيد فيصل بن حمود بن عزان البوسعيدي، ولقد أصبح يتردد على الرستاق علماء أفاضل من أمثال الشيخ جميل بن خميس السعدي صاحب كتاب قاموس الشريعة وهو من أهالي محلة القرط بولاية المصنعة، والشيخ ماجد بن خميس العبري (ولد1252هـ/1863م وتوفي في 1346هـ/1927م) والذي هاجر من ولاية الحمراء إلى الرستاق لطلب العلم وكان يلقب ب (شيخ المسلمين)، والشيخ خميس بن سعيد الشقصي صاحب كتاب منهج الطالبين وبلاغ الراغبين، والشيخ راشد بن سيف اللمكي الذي كان يوصف بلقب (قاضي القضاة) وكان مدار الفتيا في الديار الرستاقية وقد كان له دور بارز في الحركة العلمية في الرستاق في نهاية القرن الثالث عشر الهجري ونهاية القرن الرابع عشر.

المسجد ودوره في الحياة العلمية:
يعد (مسجد قصرى) من أقدم المساجد في الرستاق وجاء في كتاب الرستاق على صفحات التاريخ وصف المسجد كما يلي:( شهد دورا هاما من أدوار التعليم، حيث درس فيه الأثر الشريف والفقه الجليل الشيخ خميس بن سعيد الشقصي، الذي تولى زعامة الأمر للبيعة بالإمامة للإمام ناصر بن مرشد اليعربي وكان العقد عليه بمحلة قصرى داخل صحن المسجد.ويعد مسجد قصرى مدرسة تخالفت عليه رجال العلم والأدب على مر التاريخ، إلى عصر الشيخ العلامة/ راشد بن سيف بن سعيد اللمكي، الذي ازدهرت أيامه بتدريس العلم ونشره، وتخرج عنه فطاحل العلماء وكبار الفقهاء، بحسب طبقاتهم ودرجاتهم في العلم والأدب، ولو لم يكن ممن تخرج من هذه المدرسة في ذلك العصر إلا الشيخ نور الدين السالمي لكفى، حيث بزغت أنوار العلم على مشكاته من صرح هذا المسجد الشريف المبارك، فكانت هجرة الشيخ نور الدين السالمي إلى هذا المسجد هي أول خطوة تشع فيها أنوار العلم عليه رحمة الله، ومنه نشأت دوحة العلم في عمان أبان ذلك الأوان.ولقد ازدهر هذا المسجد بشكل خاص في نهاية القرن الثالث عشر الهجري وبداية القرن الرابع عشر الهجري حيث كان منارة علم ومركز إشعاع، وكانت تلقى فيه الدروس صباح مساء في مختلف الفنون كالنحو وأصول الدين وأصول الفقه والفرائض والحديث والتفسير، وقد جاء في كتاب نهضة الأعيان الوصف التالي: (كانت الرستاق في ذلك الوقت معدن العلماء ومجمعهم بقصرى، وهي حارة من حوايرها، فلا تسل عما هنالك من الأفاضل وكشفهم لمعضلات المسائل)
ولقد اشتهر المسجد بكثرة طلابه حيث كان يسرج لهم في وقت الليل سبعة مصابيح، ولقد تخرج من هذا المسجد في عهد الشيخ راشد بن سيف اللمكي فقط أكثر من خمسين عالما منهم الشيخ الفقيه وفي مقدمتهم الإمام نور الدين السالمي والشيخ محمد بن أحمد السلامي النخلي والشيخ الورع عبدالله بن محمد بن علي بن ناصر الذهلي والشيخ مسعود بن ناصر المنذري والشيخ الفقيه سالم بن سيف بن سعيد اللمكي والشيخ العلامة محمد بن شامس الرواحي والشيخ حمد بن مهنا اللمكي والشيخ الورع محمد بن حمود بن حميد الهنائي والشيخ الفقيه محمد بن سعيد الكندي والشيخ الورع محمد بن سعيد العرفاتي والشيخ حامد بن ناصر بن وجد.

البيوت الأثرية
ويعد بيت الإمام ناصر بن مرشد اليعربي أحد البيوت الأثرية في الرستاق، ويقع شرقي مسجد قصرى شمالا على زاوية المحلة عن يسار الداخل من الباب الغربي للمحلة، وهو الذي فيه البرج المطابق للبيت المسمى ( بيت الرحبة )، ومنها بيت الشيخ (خميس بن سعيد الشقصي) الذي يقع في الزاوية الجنوبية من جنوب محلة قصرى والموضع يقال له حارة الجناه من قرية قصرى وبابه متجه شمالا وهو الذي تمر أمامه ساقية فلج أبو ثعلب النافذة إلى مسجد قصرى وهو من البيوت الرفيعة العالية أثريا ومعنويا، ويبعد عن مسجد قصرى بخمسين مترا.
ومما قيل في قصرى:
ألا حيا الغمام ربوع قصرى.. فضاحك روضها صبحا وعصر
ربوعا طالما ابتهجت عيوني .. لرؤيتهم وعين الخصم حسرى
غنيت بأهلها دهرا طويلا .. يساقوني كؤوس العلم تترى
لهم خلق يفوح المسك نشرا .. ومن برد النسيم أرق مسرى
ميامين إذا نزلوا بأرض .. تتيه على البقاع علا وقدرا
فإن عقدوا الحبا فحبال علم .. وإن نطقوا حشوا أذنيك درا
وفي عز ازدهار الحركة العلمية والثقافية في الرستاق كان لهؤلاء العلماء دور بارز في دعم العلم ونشره، ولعل ذلك يبرر وجود العديد من الأوقاف الباقية إلى زماننا هذا والمخصصة لدعم العلم والمتعلمين، بل ولقد أفردت أوقاف بعينها – وهي لا تزال باقة إلى يومنا هذا – للمتعلمين وأوقاف أخرى منفصلة لدعم الكتب فقد تسمى (أوقاف الكتب)ويبقى (بيت الكتب) أحد البيوت الأثرية الباقية في محلة قصرى.