جولتنا بين أعمال الفنانين التشكيليين تنوخ بركبها على فنان ملهم ومبدع متجدد في مسيرته الفنية الطويلة ، سار على طريق الفن مع رفقته القليلة منذ بدايات السبعينيات بينما كان الفن التشكيلي في عُمان غافياً يكتنفه الهدوء وتغمره السكينة ، حتى ظهر هذا الرائد ليعلن مع أصحابه عن قدوم فجر جديد يطل بألوان ذات أطياف من فيض الدر وسيل الضياء على سطوح اللوحات كشفت عن الجمال وتوغلت النفوس بحبه وعشق ترنيماته ، إنه الفنان أنور سونيا صاحب الريشة العُمانية المتألقة عطاءً وسحرا ، الذي برع شغفاً في تسجيل الطبيعة العُمانية وتراثها الخصب العريق وكلما تقادم عليه العهد ازداد ولهاً واشتعل قلبه هياماً بها وبتنوعها الذي لا حد له ، واستطاع بفهمه الواسع لماهية الفن التشكيلي ان يقدم أجمل اللوحات التي تشف عن قدرات المبدع الحقيقي في مجال استخدام الألوان وتوظيف العناصر الفنية واللجوء الى عالم الرمز والأسطورة الذي يشير الى مخزون نفيس لدى الفنان من تراثه البيئي المحلي من حكايات وأساطير وأشعار أو عبر الحياة وتطورها في مختلف جوانبها، مسجلاً في مشهد الحركة التشكيلية أثراً عميقاً وتوثيقاً فنياً للموروث العُماني. عموماً نحن عندما نتحدث عن الفنان أنور سونيا فإن حديثنا سيطول وسيتشعب إلى أماكن بعيدة ربما تأخذنا لسنوات عمره التي عاشها وقضاها في الفن التشكيلي وفي توثيق البيئة العُمانية وما قدم فيها من الإنجازات والخطوات الكبيرة التي ساهمت في انطلاق الحركة التشكيلية لدينا ووضعها على مسارها الصحيح وجعلها تدهش وتذهل الكثيرين من متتبعيها الذين أشادوا بما كانت عليه من تطور وإبهار .
ومن بين الإبداعات العديدة لهذا الفنان المتوهجة بالحيوية الغنية بالمعاني والخيال المتفاعلة بشكل واضح مع ملامح تجاربه المتواصلة اخترت هذا العمل (تدشين السفينة) بولاية صور ، وكعادة هذا الفنان في الكثير من أعماله التي يوثق فيها اللحظات الأكثر إثارة في موروث بلده فإنه هنا يقدم لنا بأسلوبه الفني المميز اللحظة التي يتم فيها جر السفينة من مكان تشييدها إلى البحر لتمخر عبابه وقد استشعر هذا الفنان هيبة هذه اللحظة وأهميتها في حياة الإنسان العماني عموماً والصوري على وجه الخصوص الذي تفنن وأبدع في صناعة السفن لدرجة تثير المتأمل عند المقارنة بين نوع وحجم السفن التي كانت تصنع في ذلك الوقت من جهة وبدائية أدوات وأساليب الصناعة من جهة أخرى فبفضل هذه السفن تميزت عمان بثراء تاريخي بحري نسج على عباءة التاريخ أمجاد بحرية سطرتها الأشرعة والسواعد المخلصة التي رفعت مجد عمان مع تدشين كل سفينة ، وقد تفنن سونيا في رسم هذا المشهد المهيب ـ من الأشخاص الذي يكاد يجمع كل أبناء صور ليساهموا في إدخال السفينة إلى الخدمة ـ بأداء تشكيلي مذهل وعدد محدود من الخيارات اللونية التي انعكست من السماء بزرقتها المتنوعة وشعاع شمسها الوضاء على الأرض وعلى أجساد الساعين في تدشينها مباركة إياهم على هذا العمل الكبير بعد أشهر قد تمتد لعام أو أكثر من الجهد المضني في تشييد هذه السفينة . وهناك بعض الطقوس التي كان تمارس في مثل هذا الحدث لدى أهل صور تصاحب تدشين السفينة حيث كانوا يذبحون (عنزة) عند بداية الإنشاء وعند الاقتراب من نهاية العمل تقام احتفالات الفن الشعبي المتميز لأبناء حرفة الصيد ومحترفي ركوب البحر وهي فنون تقليدية يشارك فيها الرجال والنساء كما تقوم النسوة بعمل قلادة حبال تسلمها للرجال لتثبيتها بين المسامير منعاً لتسرب المياه إلى داخل السفينة في حالة الخطر.
عموماً إن من وقف على تجربة الفنان أنور سونيا الكبيرة سيلمس في زخم أعماله الكثيرة أسلوبه الفني الجميل في الإنتاج التشكيلي وما أسبغ عليه من ألوانه الحلوة وأضوائه الخلاقة وصدقه الفني وحبه للحقيقة .

عبدالكريم الميمني
[email protected]