يحتوي الدماغ البشري على المليارات من خلايا الأعصاب مرتبة في فئات تتولى كل منها وظيفة محددة. ويرتبط الدماغ مع بقية أعضاء الجسم المختلفة بواسطة نظام دقيق من الطرق السريعة والمعقدة، لذلك يمكن ان يحدث التواصل خلال أجزاء من الثوان، ويشكل الدماغ ما نسبته 2% من وزن أجسامنا، إلا أنه يستهلك 20% من الأكسجين الذي نتنفسه. وقد اثبتت العديد من الأبحاث ان استخدام الإنسان لـ10% من دماغه فقط وان 90% من باقي طاقة الدملغ غير مستخدم، ما هو الا مجرد أسطورة علقت في أذهاننا منذ زمن بعيد، واننا غير قادرين او راغبين على تغييرها. وتوصلت الدراسات الكثيرة حول الدماغ البشري ان كل جزء من الدماغ يتم استخدامه، وان موضوع استخدام 10% من الدماغ فقط ما هي الا أسطورة قديمة. حيث تعمل كل أجزاء الدماغ في جميع الاوقات، لكن نسبة نشاط بعض المناطق يختلف عن الاخرى وذلك ارتباطا بالامر الذي يقوم به الشخص. وحتى يومنا هذا لا نستطيع ان نحدد سبب شيوع هذه الأسطورة، لكن يرجح انها تعود الى ان 10% من خلايا دماغنا عبارة عن خلايا عصبية ، اما الباقي فتدعى الخلايا الدبقية التي تقوم بمهام كثيرة مختلفة، مثل الحفاظ على كيمياء الدماغ لمساعدة تنظيم الاتصالات بين الخلايا العصبية الكثيرة.
ولو كانت هذه الأسطورة صحيحة، كان بالإمكان ان نستأصل الـ 90% المتبقية من الدماغ وممارسة حياتنا بشكل طبيعي، لكن هذا الامر من المستحيل ان يحدث، الا بالافلام ، وهو مارأته هوليوود موضوعا مثيرا للجدل فطرحته في فيلم " Lucy " .

لوسي (Lucy) : هو فيلم اكشن وخيال علمي فرنسي - أميركي ، من إخراج وسيناريو الفرنسي لوك بيسون، الذي تغير مجرى حياته بعد سن الـ17 عندما تعرض لحادث غوص ، وقرر التنازل عن حلم عالم الأحياء البحرية ليتجه إلى الكتابة والتصوير، وقد بدأ بكتابة القصص القصيرة ، وحولت إحداها فيما بعد إلى فيلمه السينمائي الشهير " The Fifth Element" بطولة النجم الكبير بروس ويلز .
اشتهر بالعديد من الأفلام التى لاقت نجاحا جماهيريا واسعا منها سلاسل أفلام "
Taxi " ، " The Transporter " ، " Léon:The Professional " .

يقوم ببطولة الفيلم النجمة الحسناء سكارليت جوهانسن في دور " لوسي " ، جوهانسن التي بدأت مشوارها السينمائي من خلال فيلم " North" سنة 1994 ، وهي مغنية وعارضة ازياء ذات اصول دنماركية . واشتهرت بالعديد من ادوارها المتنوعة والتى يغلب عليها الطابع الحركي الذي ابرز رشاقتها ومنها : " Captain America: The Winter Soldier " – " The Avengers " وغيرها من الافلام العالمية التى لاقت اشادات جيدة ورواجا واسعا ، يشاركها البطولة الفنان العالمي مورجان فريمان ويجسد دور البروفيسور " نورمان " و الفنان المصري المميز عمرو واكد في دور الشرطي الفرنسي " بييرديل ريو" ، واكد سبق وان شارك في 5 اعمال عالمية أولهم كان " Syriana " في 2005 مع الممثل العالمي جورج كلوني، ثم في 2008 شارك في المسلسل الأميركي – البريطاني " House Of Saddam " والذي يحكي قصة صعود ثم انهيار عائلة صدام حسين ، ثم كانت مشاركته في 2010 بالفيلم الإيطالي " The Father and the Foreigner " وفي 2011 في فيلم " Contagion " مع ماريون كوتيار وكيت وينسلت، فيما شارك في 2012 بالفيلم الرومانسي والكوميدي "Salmon Fishing in the Yemen" .
تميز الفيلم ببراعة حركات الكاميرا واللقطات المأخوذة من قرب في اجواء الحركة والاثارة . في حين استخدم المبدع لوك بيسون الكثير من الصور والألوان والحيل البصرية التي تجعلك متعلقاً بالفيلم بجانب القصة وما صاحبها من عنصر التشويق .

وبالرغم من ان الفيلم يذخر بالمؤثرات العديدة الخاصة الا كلفته الإنتاجية قدرت بنحو 40 مليون دولار أميركي ، في حين بلغت إيرادته حتى اعداد المقال نحو 44 مليون دولار .
...................................
أحداث

تبدأ أحداث الفيلم في جزيرة تايوان، وبداخل أحد الفنادق الضخمة التي يمتلكها جانج احد كبار تجار المخدرات والعقاقير ، حيث يتم توريط لوسي من قبل صديقها ريتشارد الذي يعمل وسيطا ، في تسليم حقيبة مليئة بأحد انواع العقاقير القوية الى جانج ، حينها يستغلها جانج ويخضعها لإجراء عملية تتلخص بوضع عبوة تحوي كمية من تلك العقاقير التى تدعى " cph4" داخل امعائها ، لتهريبها الى اوروبا دون ان تكتشف السلطات المختصة ، وهي طريقة حديثة يتم تداولها من قبل المنظمات الكبيرة التي تعمل في تلك الأنشطة المحظورة .
...................................
تحول

في تلك الأثناء ، نلتقي بالبروفيسور نورمان الذي بدوره يشرح لجمهوره طريقة استخدام الإنسان لـ 10 % من القدرة الدماغية لديه، وان 90 % منها غير مستخدم ، بحسب ماجاء في الفيلم من نظرية تداولها العلماء منذ القرن التاسع عشر .
وعلى الجانب الآخر، وبداخل المحبس الذي جمع لوسي و المُستخدمين في تهريب العقاقير لاوروبا ، يعتدي احد الحراس عليها ويضربها بعنف في معدتها ما يؤدي الى تسرب العقار مختلطا بدمائها ، لتفيق بعدها وتكتشف انها تمتلك طاقة هائلة تجعلها لاتشعر بالرصاصة التي تتلقاها من الحراس عند هروبها خارجا الى المدينة .
تتجه لوسي الى احد المستشفيات ، وتأمر الطبيب بالقوة ، اخراج ما تبقى من العبوة من داخل امعائها دون استخدام المخدر، وتطلعه على اسم العقار وما يحدث لها من شعور غريب وقدرة فائقة بعد امتصاص جسدها العقار، بداية من الوصول الى ابعد الاماكن داخل عقلها وعقل من حولها ، مرورا بالذكريات، وصولا الى الشعور والتنبؤ بالاشياء قبل حدوثها والتحكم بها ، بدوره يخبرها الطبيب انه عقار حاول العلماء صنعه، وهو في الاصل تنتجه الام بكميات صغيرة اثناء فترة الحمل وهو ما يؤدي لتكوين الجنين بداية من الشهر السادس، ويبدي تعجبه من بقائها حية بعد سريان نسبة كبيرة منه داخل جسدها.
...................................
تحكم كامل

تتمكن لوسي من قطع طريق دخول حاملي العقاقير الى باريس ، وذلك بعد الوصول لجانج والسيطرة على عقله ، ومعرفة هوية من استخدمهم واماكن توجههم ، وتخبر احد المسؤولين في مطار باريس للقبض عليهم وهو الشرطي ديل ريو ، وذلك قبيل سفرها الى البروفيسور نورمان الذي اطلعت على ابحاثه المتعلقة بحالتها، وشعرت أنه سوف يساعدها في استقرار حالتها التي تستمر بالتطور كل بضع ساعات، حيث استمع لها بعد ان اثبتت قدرتها في التحكم بالعديد من الاشياء داخل غرفته برغم آلاف الكيلومترات التى تفصلهما عن بعض .
وفي باريس ، تلتقي لوسي بريو وتصطحبه معها خلال مداهمة جانج ورجاله الذين قدموا لحماية عقاقيرهم ، حيث يُذهل من قدرتها في التحكم بالاشياء والبشر من حوله ، وبعد ان يتمكنا من العثور على عبوات العقاقير، يلتقيا مع نورمان، حينها تخبره برغبتها في زيادة تطورها ، ويتم حقنها بجرعة اضافية من الـ cph4 ، وبعد اكتمال قدرتها في استخدام عقلها بنسبة 100 % ، تبدأ بالتسلل عبر انظمة الاتصالات العالمية والتنقل عبر الازمنة المختلفة ، وقتها يسأل الشرطي ريو ، نورمان عن مكان تواجدها ليجد الرد على هاتفه الخلوي " انا في اي مكان " .
قد لا تكون حبكة الفيلم متقنة، فتارةً هو يشابه فيلم خيال علمي، وتارةً فيلم أكشن أميركي، وتارةً فيلم مصري! لكن، ماتميزبه هو مناقشة موضوع مازال يثير جدل في بعض الاوساط العلمية ، لكنه يؤمن بحقيقة القوة التي تكمن داخل الدماغ البشري .
تميز ايضا بموسيقى تصويرية جيدة ، واحداث سريعة ، تجعله يستحق المشاهدة. فخلال ساعة ونصف، سيتركك لتفكّر في عدد من الأشياء التى يمتلكها عقلك، وحتما الاداء القوي لكل من جوهانسون التي تعد جزءا أساسيا من الفيلم، يجعل من بطولة غيرها له، تفقد المشاهد الحماسة على المتابعة ، وواكد الذي اثبت براعة حقيقة في دور الشرطي ، واخيرا وليس اخرا المخضرم فريمان في دور مساعد وقوي .

رؤية : طارق علي سرحان
[email protected]