[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
".. وكلما اتسعت دوائر وصيغ المشاركة ومارس الإعلام دوره ومهامه واختصاصاته استنادا إلى تلك القيم, وكلما تطورت الأدوات والوسائل الناقلة والراصدة لرأي المجتمع ممثلا في أفراده وتم تفعيل دور المؤسسات البرلمانية والمدنية تمكن المواطن من ممارسة دوره كاملا في مناقشة تلك القضايا وفي التعبير عن ملاحظاته وهمومه وآرائه بجرأة وقوة وعمق ودونما حساسية أو خوف أو ترقب أو تحسب وهو ما نراه ماثلا للعيان في المجتمعات الديمقراطية".
التعامل مع قضايا الوطن وملفاته والتعاطي مع هموم المجتمع ومشاكله المتعددة وشؤونه المختلفة, المتشابكة منها مع مجتمعات ودول أخرى, أو تلك المنفصلة والمستقلة عنها التي تتمتع بالخصوصية والمحلية. وفي هذا العصر الكوني الذي تلاقت فيه الأفكار والثقافات وتقاربت الأمكنة والمسافات وتداخلت المصالح وتلاشت الحواجز والعقبات بفضل الثورة التكنولوجية, ومع هذا التلاقي والتقارب والتداخل والتشابك تنتقل المشاكل والمثالب والظواهر ونتائج وآثار الصراعات والحروب والأفكار والمذاهب المنحرفة من موقع إلى آخر، ومن مجتمع إلى مجتمع بسرعة غير متوقعة وغير محسوبة فتظل الكثير من الشعوب والمجتمعات المتخلفة خاصة عرضة لتلك الموجات من المشاكل والأفكار والآثار غير قادرة على صدها ومواجهتها بحكم تخلف الوسائل والأدوات التي تمتلكها, وضعف أجهزتها ومؤسساتها السياسية والتعليمية والأمنية والإعلامية, ولأنها تعتمد على الآخرين كلية في تلبية احتياجاتها من السلع والمنتجات والبضائع المختلفة بل وحتى في الدفاع عن نفسها في مواجهة المخاطر, ويأتي التعامل والتعاطي مع قضايا الوطن في أعلى درجات المسؤولية التي ينبغي أن يضطلع بها الفرد في مجتمعه والتي في المقابل ومن أجل أن تستقيم المعادلة لا يعذر عن القيام بها المجتمع في عمومه فهي ضرورة ولها الأولوية على ما عداها اهتماما وإخلاصا, ففي ذلك إعلاء لمصالح الوطن والمجتمع في شموليتها وسعتها ونتائجها الإيجابية على مصالح الفرد في محدوديتها وضيقها وآثارها السالبة إذا خرجت عن المنطق, وبذلك الإعلاء يتحقق الاستقرار وتستقر الأحوال وتضبط الأمور وتهدأ النفوس وتعالج المشاكل ويتقدم المجتمع وتضيق الفجوة بين شرائحه ويتعمق التلاحم بين فئات وشرائح هذا المجتمع وتسود أجواء من الطمأنينة والرضا والراحة .. ويتم هذا التعامل وفق أوجه وصور متعددة, تعتمد في بطئها أو سرعتها, فاعليتها أو ترهلها على طبيعة الأفراد وثقافتهم ووعيهم وفي مدى تأثرهم وارتباطهم بتلك القضايا والملفات والمشاكل وقربهم أو بعدهم من موقع اتخاذ القرار ومساحة الحرية المتاحة وطبيعة النظام السياسي, وكلما ترسخت قيم الحرية والعدل والشفافية في المجتمع وشعر الفرد فيه بأن حقوقه مكفولة بقوة القانون, وكان للقانون سلطته المطلقة, وكلما اتسعت دوائر وصيغ المشاركة ومارس الإعلام دوره ومهامه واختصاصاته استنادا إلى تلك القيم, وكلما تطورت الأدوات والوسائل الناقلة والراصدة لرأي المجتمع ممثلا في أفراده وتم تفعيل دور المؤسسات البرلمانية والمدنية تمكن المواطن من ممارسة دوره كاملا في مناقشة تلك القضايا وفي التعبير عن ملاحظاته وهمومه وآرائه بجرأة وقوة وعمق ودونما حساسية أو خوف أو ترقب أو تحسب وهو ما نراه ماثلا للعيان في المجتمعات الديمقراطية, حيث يستطيع كل مواطن أن يبدي وجهة نظره وأن يعبر عن رأيه في قضاياه وقضايا مجتمعه عبر وسائل الإعلام والتظاهر ومن خلال مؤسسات المجتمع المدني والبرلمان وغيرها من أدوات وصيغ الاتصال والنقل الصحية والتي كثيرا ما تؤدي إلى التشخيص السليم والتحليل الصائب وإلى محاسبة المتسبب في المشاكل وفي الفساد وإلى إقالته أو استقالته وفي معالجة القضايا ورفع الضرر, وفي مثل هذه البيئة الصحية ستتمكن المؤسسات المتخصصة من إعداد الدراسات والبحوث وتحديث البيانات والأرقام ووضع المؤشرات الدقيقة ذات العلاقة بالمجتمع ونوع المشاكل وآثارها, مستويات الدخل, درجة الرضا, ومدى تطور القطاعات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها والتي تقوم عليها عمليات التقييم والمراجعة والتطوير والإصلاح والتصحيح .. أما في بلداننا العربية التي تغيب عن بيئتها السياسية والاجتماعية مظاهر الديمقراطية والشفافية وتضيق مساحة الحرية، وتعطل الكثير من النصوص الدستورية والقانونية خاصة تلك المرتبطة بحرية التعبير وبحقوق المجتمع, فإنه دائما ما يرافق عمليات الممارسة المرتبطة بالنقد وطرح الملاحظات والتعامل مع قضايا الوطن والمجتمع، وهي بالمناسبة مرتبطة ارتباطا وثيقا يصعب فصل جزء منها عن الآخر, يرافقها إشكالات واسعة, فسوء النية وانعدام الثقة والعمل بمبدأ أن النقد الموجه إلى مؤسسة أو فرد في السلطة إنما هو موجه إلى رأس السلطة, وعمليات التعسف الممارسة تجاه المواطن الذي يمارس حقه في النقد والأخطاء الكثيرة التي يرتكبها النظام السياسي جميعها أدت إلى تغييب دور المواطن العربي وإبعاده عن المشاركة في هموم وطنه والمساهمة في تشخيص ومعالجة المشاكل التي يعاني منها المجتمع العربي, والذي أفضى بدوره إلى نتائج خطيرة للغاية تمثلت في تراكم المشاكل, واستعصائها على الحل, وفي تعمق تلك المشاكل وفي سخط المواطن من نظامه السياسي وقلقه وخوفه من المستقبل وجنوح البعض إلى وسائل وطرق غير سلمية في التعامل مع الوضع وفي غياب الاستقرار وارتفاع مستويات ودرجات الجهل والفقر والتخلف وانتشار ظاهرة الإشاعة التي سيطرت على الوضع في مقابل غياب المعلومة الصحيحة, وإن ظل المواطن العربي مغيبا عن هموم وطنه وعن مشاكله الكثيرة التي تتفاقم يوما بعد آخر وغير قادر على التعبير وعن النقد بوسائل وأدوات تكفل له حقه بقوة القانون فسوف نشهد في المستقبل المزيد من النتائج والآثار الكارثية.