[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
”لقد تم تأسيس وكالة (أونروا) في عام 1949 من أجل تقديم المساعدة وحماية حقوق لاجئي فلسطين، إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم. لقد كان ذلك ـ ولا يزال راسخا ـ تعبيرا عن الإرادة الجماعية للمجتمع الدولي ، ولطالما أشادت الجمعية العامة للأمم المتحدة وبشكل مستمر بالنتائج التي تحققها الوكالة على صعيد التنمية البشرية وعملت على تمديد مهام ولايتها.”

"لن نخذل لاجئي فلسطين والوكالة ستستمر"، هي الجملة التي وردت على لسان المفوض العام لوكالة (أونروا)، بل هي الصفعة القوية التي تلقتها الإدارة الأميركية من المفوض العام للوكالة (بيير كرينبول) بعد إعلان الإدارة الأميركية عن تحللها من التزاماتها تجاه الوكالة بشكل نهائي. فالمفوض العام رد على الموقف الأميركي ببيان رسمي وزعته الوكالة مساء اليوم الأول من أيلول/سبتمبر 2018، حيث قال المفوض العام، وبالحرف الواحد: "أقول مرة أخرى لكافة لاجئي فلسطين: لن نخذلكم. إن شراكتنا معكم أقوى من أي وقت مضى. إن كرامتكم لا تقدر بثمن، إنَّ عملياتنا ستستمر وبأن وكالتنا ستبقى".
المفوض العام رد على الموقف الأميركي، ومن جملة ما ورد على لسانه في بيان الوكالة الذي تم توزيعه ونشره على نطاق واسع: "أعرب عن عميق أسفي وخيبة أملي لطبيعة هذا القرار الأميركي، الذي يؤثر على واحدة من أقوى وأجدى الشراكات في المجالات الإنسانية والتنموية، مثلما أرفض وبلا تحفظ النص المصاحب لذلك القرار". وأضاف "وعندما قمنا ببدء السنة الدراسية في موعدها هذا الأسبوع، وبدعم رائع من شركائنا، عاد 526,000 تلميذ وتلميذة إلى غرفهم الصفية في (711) مدرسة تابعة لنا في مناطق عمليات الوكالة الخمس، فقد كانت تلك اللحظة مدعاة للاحتفال والفخر والأمل".
الشيء الجميل والطيب، والنبيل في تصريح المفوض العام للوكالة ما قاله بشأن إصراره على استمرار عمل الوكالة، وقيامها بمهامها تجاه مجتمع لاجئي فلسطين في مناطق عملياتها الخمس (سوريا + لبنان + الضفة الغربية والقدس + قطاع غزة + الأردن)، حين قال "أود أن أنقل ـ بثقة وبتصميم راسخ ـ للاجئي فلسطين في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وفي غزة والأردن ولبنان وسوريا، بأن عملياتنا ستستمر وبأن وكالتنا ستبقى. إن في صميم مهمتنا تقبع كرامة وحقوق مجتمع شديد الضيق وغير مستقر بشكل كبير. إن قرار التمويل من دولة واحدة عضوة ـ على الرغم من أنها تاريخيا الأكثر سخاء وثباتا ـ لن يقوم بتعديل أو بالتأثير على الطاقة والشغف اللتين نتعامل بهما مع دورنا ومسؤوليتنا تجاه لاجئي فلسطين. إنها لن تؤدي إلا إلى تعزيز عزيمتنا".
لقد تم تأسيس وكالة (أونروا) في عام 1949 من أجل تقديم المساعدة وحماية حقوق لاجئي فلسطين، إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم. لقد كان ذلك ـ ولا يزال راسخا ـ تعبيرا عن الإرادة الجماعية للمجتمع الدولي، ولطالما أشادت الجمعية العامة للأمم المتحدة وبشكل مستمر بالنتائج التي تحققها الوكالة على صعيد التنمية البشرية وعملت على تمديد مهام ولايتها.
في حقية الأمر، إنَّ أزمة وكالة الأونروا المالية، أزمة سياسية مُفتعلة تقف وراءها الولايات المتحدة بشكل رئيسي، فالمنظمة الدولية لا تعاني أزمة مالية بقدر محاولات إخضاعها لقرارات سياسية هدفها تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتقليص خدمات الأونروا المقدمة لهم، حيث تدور وراء الكواليس جهود أميركية حثيثية، ومنذ وقت طويل لإنهاء عمل الوكالة وتحويل عملها للدول المضيفة، لكن الأمر بات الآن على نار ساخنة بعد الفجاجة الصارخة في سياسات الرئيس ترامب وانحيازه للمواقف "الإسرائيلية" ومحاولة إدارته تمرير "صفقة القرن" التي تمس وبالصميم قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة.
وفي سياق تلك الجهود الأميركية الدؤوبة لإنهاء الأونروا، أعلن عضو مجلس النواب الأميركي داغ لمبورن عن الحزب الجمهوري، إنه يسعى لسن قانون جديد يعتبر عدد اللاجئين الفلسطينيين أربعين ألفا فقط، وبالتالي خفض الدعم الأميركي للوكالة عن طريق حصر تعريف اللاجئ الفلسطيني بمن تشردوا خلال النكبة فقط، ومن بقي منهم على قيد الحياة، واستثناء نسلهم. وكشفت بعض المصادر الموثوقة من أنَّ صهر الرئيس ترامب ومستشاره جاريد كوشنر يعمل على إلغاء وضعية مليوني لاجئ فلسطيني في الأمم المتحدة لإسقاط قضية اللاجئين عن طاولة المفاوضات وإلغاء وكالة الأونروا، معتبرا أن الوكالة "تديم الستاتيكو القائم ولا تساعد في عملية السلام". وكشفت المصادر إياها مدى عداء كوشنر لوكالة الأونروا، فقد ورد في إحدى رسائله إلى كبار المسؤولين في البيت الأبيض ومبعوث السلام في الشرق الأوسط، جرينبلات أنه "من المهم أن يكون هناك جهد صادق ومخلص لتعطيل الأونروا".
إنَّ سجلات وكالة الأونروا، تُقرر بأن أعداد اللاجئين الفلسطينيين الأصليين وأبنائهم وأحفادهم في العالم هي خمسة ملايين ومئتا ألف لاجئ، فيما يقول داغ لمبورن عضو مجلس النواب الأميركي وبكل فجاجة "إن تعريف اللاجئ من ينحصر فقط في الجيل الأول".
وتُعرّف الأونروا اللاجئ الفلسطيني بأنه الشخص الذي كانت فلسطين مكان إقامته الطبيعي خلال الفترة ما بين 1 حزيران/يونيو عام 1946 وحتى 15 أيار/مايو 1948 والذي فقد منزله ومورد رزقه نتيجة الصراع الذي دار عام 1948، وأن لاجئي فلسطين هم الأشخاص الذين ينطبق عليهم التعريف أعلاه وأولئك المنحدرون من صلب الآباء الذين ينطبق عليهم ذلك التعريف.
وحقيقة الأمر، أن الجهود الأميركية تأتي في إطار هدف واضح، لإسقاط قضية اللاجئين عن طاولة المفاوضات، وكذلك إلغاء وكالة الأونروا بوصفها السبب الأساسي في استمرار قضية اللاجئين. كما تأتي في إطار حملة أوسع نطاقا من جانب إدارة ترامب وحلفائها في الكونجرس لتجريد الفلسطينيين من وضعهم كلاجئين في المنطقة وإخراج قضيتهم من المفاوضات. فإدارة ترامب تعمل لإعادة صياغة شروط قضية اللاجئين الفلسطينيين لصالح إسرائيل كما فعلت في قضية نقل السفارة إلى القدس، عبر سحب اعتراف واشنطن بوكالة الأونروا، على أن تعترف بالوكالة بأنها مفوضية شؤون لاجئين بشكل عام، والخطوة التي تليها، ستعلن واشنطن عن وقف تمويل نشاطات الوكالة في الضفة الغربية، مع الطلب من إسرائيل بإعادة النظر في التفويض الذي تمنحه لوكالة الأونروا للنشاط في الضفة الغربية، وذلك بهدف منع الدول العربية من تمويل الأونروا بعدما تقوم الإدارة الأميركية بوقف تمويل المفوضية.
وبالطبع، إنَّ إسرائيل تنظر إلى الخطوات الأميركية المرتقبة بشأن الأونروا وتعريف اللاجئ الفلسطيني بأنها "خطوة تاريخية ثانية من قبل الرئيس ترامب وفريقه، الذين يستمرون في إدراك الحقيقة كما هي، وبعد أن تم الانتهاء من ملف القدس ونقل السفارة الأميركية إليها، الآن يقومون بإلغاء حق العودة، وهي عقبة رئيسية في المفاوضات، وباتت الولايات المتحدة تتبنى الموقف الإسرائيلي كاملا" وفق ما جاء على صفحات بعض المطبوعات الإسرائيلية.