[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
لحاجتي إلى كتابة دراسة عن فلسطين، لم أجد بدا من الاستعانة بأحد الملفات القديمة عنها .. كانت ذاكرتي تحتفظ بعدد من مجلة "الطريق" اللبنانية كان مخصصا عن أدب المقاومة في فلسطين، وهو العدد الذي لولاه لما أطل أي عربي على الإنتاج الفلسطيني المقاوم داخل الأرض المحتلة.
فتشت مكتبتي فلم أجد العدد، وكيف أجده وهو قد صدر في العام 1968، أي منذ خمسين عاما تماما .. أدرت هاتفي في البحث عنه من صديق إلى آخر، ومن مؤسسة إلى أخرى حتى اهتديت إلى عنوان المجلة ذاتها، وكم كان فرحي غامرا حين قالت لي منسقة المكتب إن المجلة موجودة.
ذهبت في اليوم الثاني فإذا به موضوع أمامها .. لا أعرف كيف هتفت وأنا أراه، خمسون عاما مرت كأنها البارحة، شعرت وأنا أمسكه بأنه كتاب مقدس .. أعادني العدد إلى الشباب الغض، والأهم إلى مرحلة وردية كان فيها لبنان على خريطة الهدوء والاطمئنان وراحة البال والنظافة في السلطة والدولة وبقية المؤسسات، وكان العالم العربي يحمل أحلاما لطالما اشتقنا إليها .. فقد كان جمال عبدالناصر حيا، وكان قد بدأ الاستعداد لمعركة تحرير الأرض، وكانت نلمقاومة الفلسطينية قد خرجت إلى النور توا وصار لها حضور مميز وفاعل..
حملت المجلة إلى بيتي وهناك جلست مع فنجان من القهوة أعيد قراءة الزمن أكثر منه قراءة الصفحات التي بهتت واصفرت أوراقها، فيما تبدل شكل صور كتابها الذين رحل معظمهم إن لم يكن أكثرهم.
أعدت اكتشاف مرحلة من فلسطين، فيها الكثير من العواطف النبيلة الطيبة الصادقة غير المركبة، أي العفوية إلى حد بعيد. لفتني مقابلة مع الشاعر محمود درويش بصورته وهو شاب أنيق، وقوله إنه لاجئ فلسطيني في فلسطين .. كما لفتني قول للكاتب الراحل غسان كنفاني من أن لا أحد لم يكن ليعرف أن هنالك أدبا في فلسطين، وأن هنالك أسماء وتجارب ناجحة.
خمسون عاما كانت بين يدي، محتوى من الفلسطينيات التي لم تتكرر، لكن فلسطين سواء قرأناها من جديد، هي مستعادة على مدار الساعة .. يصعب أن يمر يوم إلا وهي الخبر الرئيسي أو مجموعة أخبار، ويندر أن لا نقرأ صحيفة أو مجلة أسبوعية أو فصلية أو شهرية إلا وكان أبرز عناوينها فلسطين .. كأنما هذا الاسم الذي صنعت حروفه من نار، سيظل مشتعلا ويزيد، من الصعب بل من المستحيل أن ينطفئ أو يخمد .. بل على العكس، لقد فرخت فلسطين قضايا من رحم مأساتها، ومن عنوان نكبتها، ومن شرور الصهيونية التي ابتلعتها، ومن وساخة الدول التي آزرتها وصنعتها وصنعت لها كل طرق العيش على حساب شعب وأمة.
لا أتصور أني امتلكت ذلك العدد من المجلة التي شممت فيها رائحة زمن لبسنا فيه قضية لم نخلعها، كبرنا ولم تكبر، ولسوف نموت ولن تموت. لا حل لها سوى أن تعود إلى خريطة العالم دولة بكل مؤسساتها الطبيعية، وأن يعود شعبها من منافي الذل، وأن تتأسس من جديد حكاية الدولة الفلسطينية التي لا بد منها مهما طال فراق أهلها ومهما ولدت من رحمها عذابات محطيها والآخرين.
ما زالت فلسطين في الكتب والصفحات الملونة وحكايا الإعلام، فمتى تخرج من كل هذه لتصبح واقعا في خريطة العالم.