[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” تنوعت مهن وأنشطة الحضور بين أطباء وصيادلة ومهندسين ورجال صناعة وتجار , معظمهم قضى فترة من حياته المهنية في الخليج , وكانوا يتقاضون مرتبات مجزية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وقت الطفرة الاقتصادية البترولية, وعادوا إلى مصر في سن مناسبة, يحملون خبرات مهنية وإدارية حصلوها من عملهم بالشركات العالمية التي كانوا ينشطون بها, واستطاعوا تكوين قدر معقول من المدخرات أتاحت لهم امتلاك منزل في منطقة راقية؛ ”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مازلت في رحاب مارينا والساحل الشمالي , فقد جمعتني جلسات من السمر والسهر مع عدد من ملاك الفيلل وأصحاب الشاليهات "الأكسلنسات" الذين يدخنون السيجار "هافانا" ويركبون أحدث السيارات ويرتدون الملابس "الكاجوال" التي يعلوها "اللوجوهات" التي تشير لأسعارها الغالية ـ في حديقة منزل مضيفي الأنيقة المليئة بالخضرة والمحاطة بالنخيل والأشجار الوارفة الموزعة بعناية على زواياها الأربعة, مع إضاءة مريحة زادت المكان سحرا وفتحت الشهية للحوار والنقاش مع وصول نسمات الهواء الباردة ورائحة اليود القادمة من أعماق البحر مع حلول ساعات الليل المتأخرة ؛ حيث تمتد الجلسات في الغالب إلى ساعات النهار التالي.
تنوعت مهن وأنشطة الحضور بين أطباء وصيادلة ومهندسين ورجال صناعة وتجار , معظمهم قضى فترة من حياته المهنية في الخليج , وكانوا يتقاضون مرتبات مجزية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وقت الطفرة الاقتصادية البترولية, وعادوا إلى مصر في سن مناسبة, يحملون خبرات مهنية وإدارية حصلوها من عملهم بالشركات العالمية التي كانوا ينشطون بها, واستطاعوا تكوين قدر معقول من المدخرات أتاحت لهم امتلاك منزل في منطقة راقية؛ فيما يطلق عليه "كمبوند" في القاهرة وضواحيها ووحدة مصيفية في الساحل الشمالي.
بعضهم أكمل مسيرته الوظيفية وتولى مناصب قيادية في شركات متعددة الجنسيات التي اتخذت من مصر مقرا لإدارة عملياتها في الشرق الأوسط, نظرا للموقع المتميز وتكاليف التشغيل المنخفضة مقارنة بالدول الأخرى, خصوصا بعد تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار الأميركي, وتوافر الكوادر البشرية المؤهلة برواتب منخفضة, وسوق كبير يتسع لأكثر من مائة مليون مستهلك.
تناول الحديث مجمل القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها مصر والمنطقة العربية, وامتد حتما إلى القضايا السياسية؛ حيث أجمع الحضور على انحيازهم لاقتصاد السوق والانفتاح الاقتصادي على العالم, ورغم تضرر أعمالهم من قرار تحرير سعر الصرف في البداية, ولكنهم استطاعوا تحمل الصدمة واستيعاب آثار القرار ومع الوقت تحول لشيء إيجابي, حيث جعل المنتج المحلي أسعاره منافسة والسوق المصري جاذبا للاستثمار الأجنبي.
ورغم ارتفاع أسعار السلع المستوردة في السوق المصري, لم يتأثر حجم المبيعات, لوجود شريحة واسعة من المصريين لديهم قدرة شرائية عالية, وعن تحليل هذه الظاهرة, ذكر أحد الحاضرين ويعمل في شركة أدوية عالمية شهيرة أن سياسة التسويق التي تنهجها الشركة والتي تلقنها لموظفي التسويق والمبيعات, هي أن يعتبروا عدد سكان مصر 10 ملايين نسمة فقط وهم الطبقة الغنية وفوق المتوسطة التي لديها قدرة على شراء المنتجات والسلع المستوردة ولا يلقون بالا للتسعين مليونا الباقين الذين لا يملكون القدرات الشرائية العالية, وليس أمامهم إلا المنتج المحلي وانتظار الدعم الحكومي والسلع المربوطة على بطاقة التموين.
ورغم النظرة الطبقية, إلاّ أن رجال الأعمال ينظرون للأمر بطريقة "براجماتية" ويرون أن نسبة الـ 10 % من المصريين القادرين تفوق تعداد كثير من الدول المحيطة, وأكدوا على نجاح هذه السياسة بعد أن حققت الشركات مبيعات في السوق المصري تفوق مثيلاتها في الأسواق المحيطة التي تصنف دولها على أنها الأغنى والأكثر دخلا على مستوى العالم.
معظم الحضور كانوا من أشد المؤيدين للرئيس عبدالفتاح السيسي , ويؤمنون بأن سياساته الاقتصادية والاجتماعية الجريئة, ستؤتي ثمارها على المدى المتوسط والبعيد رغم قسوتها على الطبقات الفقيرة, ولكنها دواء مر لابد من تجرعه للخلاص من العلل والأمراض التي أصابت الاقتصاد المصري على مدى عشرات السنين.
ويرون أن الرجل معذور ولم يكن أمامه سبيل للخروج من دائرة نقص الموارد وتراجع السياحة وحصيلة "العملات الصعبة" اللازمة لإدارة شؤون البلاد التي كانت على حافة الإفلاس عند توليه السلطة في 2014م وتلبية الاحتياجات الأساسية لمائة مليون مصري, فضلا عن توفير الموارد اللازمة لإنشاء المشاريع القومية في مجالات الكهرباء والطاقة والطرق واستصلاح الأراضي وإقامة المجتمعات الجديدة, التي تولد فرص العمل لملايين الشباب وأنه نجح بالفعل في تقليل معدلات البطالة لتصل إلى 11% بفضل هذه المشروعات.
كما أشادوا بالتشريعات والقوانين الجديدة التي يسرت إقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة , وجهود الحكومة في إزالة العقبات أمام المستثمرين الجادين ومساعدتهم في تنفيذ مشروعاتهم في أقصر وقت ممكن , وإتاحة التمويل الميسر الذي ساعد في إقامة عشرات المصانع التي بدأت إنتاجها بالفعل, وأعانت الأنشطة الزراعية والإنتاج الحيواني والمزارع السمكية على معاودة إنتاجها من جديد .
انتهت الإجازة وعدت إلى القاهرة ورغم شوقي للسير في شوارعها العتيقة والتمشية في حاراتها ودروبها القديمة التي شهدت أيام الصبا وسني الشباب واجترار ذكريات الماضي والأحداث السعيدة والمريرة التي ارتبطت بالقاهرة؛ المكان والزمان.
ولكن للأسف القاهرة القديمة تعاني من التلوث والإهمال, والازدحام حتى أنها وضعت مؤخرا على قمة أكثر المدن تلوثا في العالم رغم رفض الحكومة المصرية الاعتراف بذلك.
ويبدو أن الحكومة قررت النظر إلى المستقبل ووجدت أن الاشتباك مع مشاكل مصر القديمة سيشل قدرتها على العمل وسيمنعها من الإنجاز وأن من الأجدى الاهتمام بالمشروعات التي تخلو من العقبات التي تعيق العمل و"توقف الحال", وتأجيل النظر لمشاكل القاهرة المزمنة؛ من تراكم القمامة وتهالك شبكات مياه الشرب وسوء حالة الصرف الصحي, والطرق والشوارع المليئة بالحفر والمطبات التي تجعل السير على الأقدام أو السياقة في شوارع القاهرة القديمة نوعا من المغامرة .
ربما تكون هناك خطة حكومية للتعامل مع مشاكل العاصمة القديمة, متى ما توافرت الموارد اللازمة, حيث هناك رسوم تحصل مقابل المرور بالطرق الجديدة وهناك مبالغ يدفعها سكان المدن الجديدة مقابل الصيانة والخدمات, بينما تشكو الحكومة من عدم وجود ميزانيات كافية لإعادة رصف الشوارع القديمة أوتجديد شبكات الصرف ومياه الشرب المتهالكة ووضع منظومة حديثة للتخلص من القمامة.