[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/aliaklahersan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي عقلة عرسان[/author]
” إنه ليصعب على المتابع استيعاب الجُرَع السياسية التي تقدمها البيانات وتخالفها النيات والتصرفات، ويصعب عليه هضمها، فضلاً عن الوهم الذي يكتنف البناء عليها.. ويصعب عليه أكثر وأكثر تفسير هذين "القول والفعل"في عدم انسجامهما أو حتى في تضادهما، حين ينظر إليهما من زاوية صدورهما عن حلفاء، أو عن متعاونين ملتزمين بمسارات مثل:"آستانا وسوتشي "وأخواتهما،”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بناء على دعوة من روسيا الاتحادية، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة لمناقشة الوضع في إدلب، على ضوء بيان الدول الثلاث "روسيا وتركيا وطهران"الذي عُقد في طهران يوم الجمعة ٧/٩/٢٠١٨ حول ادلب. وفي هذا البيان توافق ظاهري، على موقف يُرجّح العمل السياسي على العمل العسكري، وفيه "شبه التزام"بعدم شن حرب يدفع عشرات آلاف المدنيون السوريون حياتهم من جراء كوارثها، وينزحون ويهجَّرون إلى أرض ودول ضاقت بهم، ولا تريد المَزيد منهم.. وفي البيان توجه أو سعي نحو استيعاب المُسلحين المعارضين السوريين الذين شملتهم اتفاقات سابقة، أو الذين يمكن أن تشملهم اتفاقات لاحقة.. وعزل لهذا القطاع المُسلح عن "النُّصرة وتنظيم الدولة، وعما صنفه مجلس الأمن الدولي منظماتٍ إرهابية"، لتكون حرب المصنفين إرهابيين، ولتكون توافقات سياسية حول وضع الذين لا ينضوون تحت لواء أولئك ولا يوالونهم.
وفي نص البيان "وضوحٌ نَصِّيٌّ"، ظاهراتيٍّ، حول هذه المَواقف والتوجهات، حيث جاء فيه بالنص، أن الزعماء الثلاثة:
١ -أكدوا عزمهم على مواصلة التعاون للقضاء النهائي على تنظيمي داعش وجبهة النّصرة وغيرهما من المجموعات والتشكيلات والشخصيات ذات الصلة بالقاعدة أو داعش ومصنفة كتنظيمات إرهابية من قبل مجلس الأمن الدولي".
٢ -فصل التنظيمات الإرهابية المذكورة أعلاه عن فصائل المعارضة المسلحة التي انضمت أو ستنضم إلى نظام وقف الأعمال القتالية، ستكون له أهمية حاسمة، وذلك لتجنيب وقوع ضحايا بين السكان المدنيين".
٣ -تصميمهم على مواصلة التعاون النشط لدفع العملية السياسية إلى الأمام، بما يتوافق مع قرارات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254"..
وهذا كلام مقبول ومسؤول يستحق التوقف عنده، والتمسك به.. ويشير إلى الذي جاء في البيان الختامي لقمة طهران، "الجمعة ٧ أيلول/سبتمبر ٢٠١٨، من التزامات وأقوال وتوافقات سياسية، تعبّر عن توجهات قادة في اجتماع، وعن شعورهم بمسؤوليات حيال: دولة تريد بسط سيطرتها على جغرافيتها العامة "سورية"، وحيال ملايين من المدنيين السوريين الذين سيتعرضون للقصف، والنزوح والتهجير، إذا ما عولجت الأمور بالقوة العسكرية وفق منطقها المَحْض، وعن شعورهم أيضاً بالمسؤولية السياسية حيال وضع قد يتفجر ويتشظَّى ويصعب التحكم به، نتيجة الأوضاع في سورية والمنطقة، ومواقف دول كبرى تعلن عن تحديد مواقع في سورية لتقصفها بذرائع استخدام سلاح كيمياوي:"الولايات المتحدة الأميركية وبريطاني وفرنسا"، وتوجه دول أخرى لها سياساتها ورؤاها ومخاوفها، تتهيأ للتدخل المُباشر، ولانتشار عسكري في سورية:"المُشاورات الألمانية الأوروبية"..؟!وستكون تلك كوارث على سورية الدولة والشعب والقضية/الأزمة/الحرب. وقد حذَّرت الأمم المتحدة على لسان مارك لوكوك، منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في الأمم المتحدة، الذي قال في جنيف:"يجب أن تكون هناك سبل للتعامل مع هذه المشكلة بحيث لا تتحول الأشهر القليلة المقبلة في إدلب إلى أسوأ كارثة إنسانية مع أكبر خسائر للأرواح في القرن الحادي والعشرين". وفي استشعار لحجم الحدَث المتوقع ولنتائجه الكارثية، دعت مفوضة حقوق الإنسان ميشيل باشليه "VerónicaMichelleBacheletJeriaيوم الاثنين ١٠/٩/٢٠١٨ في جنيف في افتتاح الدورة التاسعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (HRO)، دعت المجتمع الدولي لاتخاذ تدابير عاجلة لحماية المدنيين.. وقالت:"أشعر بقلق عميق إزاء الأزمة الوشيكة في إدلب. معاناة الناس في سوريا لا حصر لها وفظيعة. أنا أدعو جميع الدول لاتخاذ جميع التدابير اللازمة والعاجلة لضمان حمايتهم".
لكن.. وكم هي مرَّة، ومضحكة مبكية"ولكن".. ما الذي ننتظره ونتوقعه من مجلس الأمن الدولي، ومن الأمم المتحدة ومنظماتها ومؤسساتها المحكومة أصلاً بقوى سياسية ومالية وعنصرية وصهيونية، معادية للإنسان والعدالة والحرية والحق، ومهووسة بالحروب والنهب والقتل والفساد والإفساد؟!ما الذي ننتظره من عالَم يهدِّد فيه المُجرمُ العدالة ومؤسساتها وقضاتها ويقمعها ويعاقبها، إن هي اقتربت من ساحته، أو من ساحة فريقه من المُجرمين المحترفين، ويمنع المُعتدَى عليه والمظلوم من اللجوء إلى العدالة؟! وما الذي ننتظره من عالم، يعلن فيه العنصري الصهيوني البغيض سطوة قوته وعدوانه الدموي على الأبرياء، فيقتل ويحرق وينهب و.. مدعياً "الدفاع عن النفس" وهو القاتل الذي يكتب سطور "عدالته" بدم الأطفال منذ عقود من الزمن، ولا يلقى هذا المجرم الوحش إلا تشجيعاً وتأييداً ودعماً غير متناه، من عصابة الإجرام المساة "قيادة أميركية؟!"، حاكمة ومتحكمة بمجلس الأمن ومؤسسات دولية أخرى؟! وماذا ننتظر من قادة على نمط "دونالد ترامب" يتباهون بتهورهم وقوتهم، وبقدرتهم على تهديد العالم وابتزازه، وعلى قهر دول وشعوب فيه؟! وما الذي ننتظره من قوى في هذا العالم، يُفْتَرَض فيها أن توقف الزحف الهمجي للإجرام والعنصرية والجنون، فلا تفعل إلا ما يُسفر عن تعزيز ذلك الزحف الهمجي على جغرافيا العالم، وعلى القيم الإنسانية فيه، وعلى العدالة وحقوق البشر في العيش بأمن من جوع وخوف؟! مجلس الأمن صيغة خبرناها وخبرنا انحيازها، وهي صيغة فاشلة للأداء الدولي العادل الناجح الناجع الذي يهدف إلى حفظ الأمن وبسط السلم وحماية الانسان والحق والعدالة.. إنه بئر معطَّلة وقصرٌ مشيد، وكما قال تعالى:﴿ فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ﴿٤٥﴾ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَـكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴿٤٦﴾ -سورة الحج.
ولن يكون اللجوء إليه إلا للمماحكة السياسية، وإشغال الرأي العام بما يشبه الانتصارات الكبرى في "الأحلام"..
إن ما تبع صدور البيان الختامي لقمة طهران، يوم الجمعة ٧/٩/٢٠١٨ في تصريحات وأقوال وأفعال، مما حَمل تلميحاً أو توضيحاً، أو تلويحاً.. كشف ما تُجِنُّه القُلوب، وأظهر الخلاف الذي كان في الجلسات المُغلَقة، وخالف ما جاء في البيان بصورة مُقارِبة أو مُوارِبَة.. وبدا كل ذلك بمثابة تفسير خاص، أو رؤية خاصة، أو موقف خاص لكل من الزعماء الثلاثة، يُبنى عليه ما يُبنَى، وقد يشفُّ وقد لا يشف.. لكن تظهره الأفعال اللاحقة، والهوامش التي تُلحق بالمُتون، بصفة تصريحات لمسؤولين أدنى رُتبة..
وقد ظهرت الخلافات مباشرة في المؤتمر الصحفي للرؤساء الذي عُقد بعد صدور البيان في طهران، حيث أكَّد الرئيس بوتين على حق الحكومة السورية في بسط سيطرتها على أراضيها، وهو مَتن وضحه هامش على المَتن، قاله نائب وزير الخارجية الروسي، أوليغ سيرومولوتوف ، بعد القمة، ونشرته"آر تي"يوم ١٠/٩/٢٠١٨، قال:"إن التحضير للعملية العسكرية المُحتملة من أجل تحرير إدلب من الإرهابيين يجري بعناية وسرية، مع مراعاة الجوانب الإنسانية. وأوضح سيرومولوتوف في تصريحه لوكالة "سبوتنيك"أنه "فيما يتعلق بمعايير عمليات مكافحة الإرهاب في إدلب، كقاعدة عامة، يجري تحضير هذه العمليات بعناية وسرية بمشاركة جميع الأطراف، لا الجيش ولا الدبلوماسيون يعلنون عن شيء يتعلق بهذه الأمور" . وبدا الاختلاف، أكثر ما بدا، في افتتاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لكلامه، بقول الشاعر الفارسي سعدي الشيرازي "١٢١٩ -١٢٩٤"، ذاك القول المَنقوش على مَدخل مقر الأمم المتحدة في نيويورك:"أبناء آدم بعضهم من بعض، في أصلهم خُلقوا من جوهر واحد.. إن أصاب الدهرُ أحد الأعضاء بألم، استجابت له باقي الأعضاء بالاضطراب.. إن كنت لا تبالي بمحن الآخرين، فأنت لا تستحق أن تُسمى آدمياً".. وقول سعدي هذا، مُستلهَم بفهم وعمق واستشراف إنساني شامل، من حديث مشهور للرسول محمد صلَّى الله عليه وسلم، وهو ينسجم تماماً مع رسالة الإسلام وروحه وشموله، بوصفه "رحمة للعالمين، ودعوة للناس كافة"، حيث جاء ذاك الحديث الشريف برواية النعمان بن بشير، وورد في صحيح مسلم برقم:(2586)، وفي البخاري برقم:(6011).. ونصُّه: (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.))".. ومثلُه في المَعنى حديث الرسول "ص"الذي جاء في صحيح مسلم برقم:(67)، ونصُّه: "المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينُه اشتكى كلُّه، وإن اشتكى رأسُه اشتكى كلُّه.".
وعلى الصعيد العملي، وبعد طي صفحة الكلام في المؤتمر، خالفت الأفعال ظاهر الأقوالِ في البيان، حيث استؤنفت الغارات على قرى وبلدات في ريف محافظة ادلب، وفي ريف حماة الشمالي، ودخلت قوات تركية جديدة إلى محافظة إدلب، لا سيما مواقع المراقبة البالغ عددها إثنا عشر موقعاً، واستُنفِرت قوى، وبدأ النزوح من قرى إلى مخيم "أَطْمَة"وسواه، وذُكِر إن عدد من نزح حتى الآن جاوز الثلاثين ألفاً.. ودلالات كل هذا أوضح من أن توضح.
إنه ليصعب على المتابع استيعاب الجُرَع السياسية التي تقدمها البيانات وتخالفها النيات والتصرفات، ويصعب عليه هضمها، فضلاً عن الوهم الذي يكتنف البناء عليها.. ويصعب عليه أكثر وأكثر تفسير هذين "القول والفعل"في عدم انسجامهما أو حتى في تضادهما، حين ينظر إليهما من زاوية صدورهما عن حلفاء، أو عن متعاونين ملتزمين بمسارات مثل:"آستانا وسوتشي "وأخواتهما، واستيعاب الإعلان عن الإلتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي، والأمم المتحدة، حول الأزمة السورية/الكارثة، وبنتائج مؤتمرات ولقاءات عالية المستوى، واتفاقات مرجعية، لا سيما خطة المرحوم كوفي عنان، أي بيان جنيف ١ بتاريخ ٣٠ يونيو/حزيران ٢٠١٢، والقرار ٢٢٥٤ الصادر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ ١٨ كانون أول/ ديسمبر٢٠١٥..؟!لكن حين ننظر إلى الموضوع من زاوية سياسة تنطوي عادة على "وجوه وأقنعة"، ولا تراعي الأخلاق بل ترى إلى مراعاتها نوعاً من "العَبَط" أو السذاجة والغفلة، ولا ترى سوى المصالح والمطامح الخاصة، ويُبطن أطرافُها ما لا يظهِرون، ويعبرون عن ذواتهم، في حال التوافق والانسجام، بلسانين على الأقل، " أحدهما "استراتيجي"خاص جداً، والثاني "مناوراتي -تكتيكي"، إن صح القول، يعتمد التمويه، ويروَّج للتصدير، ويقوم على مراوغة الآخرين واستدراجهم أو التَّجَمُّل أمام الرأي العام، وحفر الألغام للأعداء والأخصام. الاستراتيجي لا يحمل تناقضاً، وإن كان قابلاً للتغيير والتدوير حسب المُستجدات الكبيرة والمصالح الكثيرة، فالقول في مجاله يترجم في فعل على الأرض .. والتكتيكي حَمَّال أوجه، وينطوي على تناقضات، وتعميات، ومناورات، وينصب فخاً هنا وآخر هناك.؟!.
ولو أن الأمر، في هذه القضية وسواها، على هذا الصعيد أو سواه، لا يتصل بحياة بشر أبرياء، وبمصير شعوب وبلدان، وبمستقبل أجيال ودول .. لقلنا إنه مناورات لساسة، يدفعون من جيوب بلدانهم، لا من جيوبهم"، ثمن مواقفهم وتجاربهم وتجاذباتهم .. ولكن الأمر يتعلق بمغامرات ومقامرات وسياسات وخطط واستراتيجيات، يعود خيرها على أصحابها - إن أدت إلى خير - ويعود ضررها على غيرهم من دول وشعوب وبشر، ويبقون هم في الأحوال كلها، فوق المساءلة وفوق القانون، وربما مكرمين مبجلين، مثل مجرمي الحرب التاريخيين، ومنهم من يعيش اليوم مثل جورج W بوش.. وهذه الموقف السياسية، تشبه مواقف من يقامرون بغيرهم، ويرتفعون على جثث ضحاياهم.. وسيبقى الأبرياء ضحايا.. والمُجرمون أبرياء وطلقاء، إلى ما شاء الله.. وله سبحانه وتعالى في خلقه شؤون وشؤون.