[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
كل ما جرى من ظواهر في الخريفيات الماضية، وما استجد على القديم المستمر والجديد غير المتوقع في خريف 2014م الحالي، كلها تحملنا إلى نتيجة واحدة فقط، وهي أنه لا بد أن يتدخل معالي السيد وزير الدولة ومحافظ ظفار بصفته السياسية لا الإدارية عاجلا وليس آجلا لتغيير نمط التعاطي التنموي عامة والسياحي خاصة في محافظة ظفار، وإذا لم يتدخل بتلك الصفة، فإن الظواهر سوف تتجدد وتتكاثر، والأزمات ستخرج عن نطاق السيطرة مما قد ندخل في إشكاليات داخلية وخارجية، فأزمتي انقطاع الكهرباء عن ظفار يوم الخميس الماضي والمياه عن الكثير من المنازل والشقق والعمارات السياحية، والظواهر القديمة والجديدة، قد كشفت للكل واقع البنية التحتية في ظفار، من مرافق وخدمات، وكشفت كذلك أن سياحتنا الإقليمية تحتاج إلى فكر سياحي جديد، وكشفت لنا كذلك عن خلفيات تقف عائقا دون تنفيذ توجهات الدولة الاستراتيجية في ظفار، وهذا أم الاكتشافات .. وهذا ما يدعونا نقترح التدخل السياسي في ظرفيته المستعجلة.
ودون تدخله السياسي العاجل، فإن ظفار التي أصبحت وجهة سياحية إقليمية من الطراز الأول، وعالمية في فصل الشتاء وواعدة جدا، سوف تظل "محلك سر" كبير، ومعها سوف ترتد النفسيات الاجتماعية إلى الوراء بعد تلك الانكشافات، وهذه التداعيات آتية لا محالة، وهي تتوقف الآن على ذلك الدور السياسي، وهذا وقته الآن، وإذا لم يكن يكون وقته عاجلا، فمتى سيكون وقته؟ فالكل قد وقف على الانكشافات، وعانى منها، واستشف منها ما نحذر منه في هذا المقال، والمفارقة الغريبة، أن الأزمات والظواهر القديمة رغم حل بعضها إلا أنها قد أصبحت تعيد نفسها الآن كنسخ مكررة، كأزمة انقطاع التيار الكهربائي، فلماذا تخسر الدولة الملايين من الريالات على محطات كهربائية جديدة لحل هذه الأزمة، ونتفاجأ بتجددها بعد سنة أو سنتين من إقامتها؟ فهل حجتهم كالعادة دائما الضغط السياحي الكبير؟ إنها حجة غير مقبولة تماما، وتكشف لنا عن قصور في استشراف الحاجة المستقبلية، وكأزمة انقطاع المياه التي كانت في السنوات السابقة محصورة على مناطق كالسعادة وعوقد، والآن شملت صلالة نفسها .. وحجتهم كذلك الضغط السياحي الكبير، وهذه حجة غير مقبولة كذلك، فأين التخطيط؟ وكأزمة تكدس مياه الأمطار على الشوارع وداخل الأحياء رغم من الانتهاء من مشروع تصريف المياه والإنترلوك التي تخسر عليها الدولة الملايين، كل ذلك يبدو لنا مفارقة كبيرة، وتطرح تساؤلات كبرى؟ إذن، لم تعد قضايا تأجيل المشاريع التنموية والبطء في تنفيذها، وترحيلها، قضايا دائمة ووحيدة تعاني منها ظفار، وإنما أضيف إليها الآن، قضايا تجدد المشاكل رغم حلها بالملايين، فهل وراءها سر خفي؟ نحن نتحدث هنا على محافظة سياحية بامتياز كامل، وأصبح الإقبال السياحي في تزايد متصاعد، وبعض السياح يطلق عليها عاصمة عمان السياحية، لأنها قد تحولت إلى وجهة عُمان الأولى أو الثانية، ليس مهما هنا الترتيب. الأهم، أن هذا الجزء المهم من وطننا الغالي لا بد أن يعكس للسياح ما نريده لبلادنا في عصرها الحديث، فماذا نريده لها من سمعة إقليمية ودولية؟ هل تقدم أم تخلف؟ وهل تنظيم واللاتنظيم؟ وهل مساءلة ومحاسبة عن الملايين أم فتح أبواب جديدة للفساد؟ وهل التفكير للمستقبل أم حصر التفكير في الحاضر؟ الكل سيرجح الإيجابيات من تلك الاحتمالات الثنائية. إذًا، الوضع العام ليس في صالحها، ولا يسير إلى نحوها أبدأ، بل الأسوأ، بشهادة تفجر الأزمات الجديدة، وهنا لا بد من تدخل معالي الوزير فورا، والفورية الزمنية هنا، نقترحها أن تكون بعد فصل الخريف مباشرة، فخير البر عاجله، والاستعجال تحتمه تلك القضايا المثير للجدل، وتوالي الخريفيات السنوية مع استمرار ظواهرها المزمنة ونشوء الجديد منها، وينبغي أن لا يعتقد معاليه أن الحث على سرعة الانتهاء من إقامة الثلاثة جسور وازدواجية شارع الرباط المخطط لها منذ عدة سنوات ستشكل حلا لأزمة الازدحامات .. بل إن صلالة تحتاج فعلا لستة جسور ينبغي إقامتها خلال سنة أو سنة نصف كأقصى حد زمني، قد كانت الجسور المحدودة تشكل حلا في حينها؛ أي منذ عدة سنوات. أما الآن فإن الستة جسور هي مدخل للحل على المدى المتوسط، وكذلك نظام الحارتين والثلاث حارات فلن تخدم التطور الذي ينبغي أن يذهب الآن إلى الأربع والست حارات .. تلكم نماذج لخارطة طريق ينبغي للفكر الجديد أن يتجه بها نحو التطوير، وهذا يحتم على معالي الوزير الاتجاه نحو تقييم الوضع العام في ظفار ومن ثم إعادة تخطيط صلالة بفكر جديد يتجاوز التقليدية والنمطية، ويغير من الوضع القائم، ويتجه بنا نحو تنمية سياحية مستدامة، بمشاريع دائمة وليست مؤقتة، ويجعل من محافظة ظفار جاهزة لمواجهة أية أزمة طبيعية وغير طبيعية في أي مجال من مجالات الحياة، وهي غير جاهزة لذلك، ولو قيمنا منحة (15) مليون ريال، فماذا أضافت من مشاريع دائمة على سياحتنا الخريفية مثلا؟ قد ذهبت في مشاريع مؤقتة، هل سيلقى مقترحنا القبول من معاليكم؟ كلنا على تفاؤل كبير بأن سلطتنا المحلية الحالية ستكون مختلفة عن السلط السابقة التي كان بعضها يحقن جسد تنميتنا بحقن المسكنات وتتبع سياسة التراكمات عبر احتواء مفاصل اجتماعية وإغرائها بحقوق فوق حقوقها، ولو كان ذلك على حساب مستقبل الاستقرار المحلي كما انكشف لنا ذلك مؤخرا، فتراكمت المشاكل حتى وجدت سلطتنا المحلية الحالية نفسها أمام مجموعة احتقانات كبيرة، تشعلها ـ للأسف ـ أدواتها الاجتماعية هي صنيعتها، وهذه تبدو لنا مفارقة كبرى كذلك، ورغم ذلك، لا نزال نؤمن بأن المتغير القادم سيكون مختلفا عن الماضي في عهدكم، فهل نتطلع فعلا من سلطتنا المحلية تقييم كامل للوضع في محافظة ظفار وإعادة تخطيط حاضرتها صلالة من جديد؟ وعندما نتكلم عن هذه المحافظة.. "نكرر" فإننا نتكلم عن الوطن بأكمله، فالجزء يمثل الكل، وقد أصبح الجزء في نسخته الظفارية يمس الكل، فدخول نصف مليون سائح خلال أربعين يوما ـ متوقع لخريف 2014م ـ يجعلنا نعيد النظر في الكثير من المفاهيم والسياسات والأفكار والأشخاص .. وقد جاءت أزمتي المياه والكهرباء لتكشف المتحججون بالضغط السياحي خلال فترة زمنية قصيرة، فهم يعتبرون حالات الازدحام الكبيرة وطوابير العربات من الدورات إلى الدورات وداخل المدن وانقطاع المياه ... من الأمور الطبيعية بسبب دخول أكثر من ربع مليون سائح، قائلين بأعلى صوتهم بأن هذا قد يحدث في دول أخرى، وهذه حجتهم في كل سنة، وهذا غير صحيح، وفي كل سنة نتراجع ولا نتقدم، فإحدى الإمارات المجاورة لنا مثلا قد دخلها (مليون وثمانمئة) ألف سائح في شهر واحد فقط، فلماذا لم تهتز مرافقها وتتداعى خدماتها مثلما حدثت في صلالة؟ لسبب بسيط لأن بنيتها التحتية قد خطط لها وفق مدى زمني طويل بتوقعات خمسة ملايين وليس المليونين، ولأنها لم تعانِ من مشكلة الإنفاق على مشاريعها الجاذبة، ولم تعرف ظواهر تأجيل وبطء وإلغاء مشاريعها الكبيرة، (نعم) لقد اهتزت صلالة وبعض الولايات الأخرى، ويقال كل الولايات دون استثناء بسبب انقطاع التيار الكهربائي، فدخلت حركة المرور في كل شوارعها في فوضى وعشوائية، وارتبكت محلاتها التجارية بداخل زبائنها بسبب الظلام، وعانت كذلك بعض مراكزها الصحية كمركزي السعادة وصلالة الجديدة، وارجعنا نعالج المرضى بالأدوات الذاتية، فمثلا، استخدمت الطبية المناوبة في مركز صلالة الجديدة تقنية الضوء المتاحة في نقالها للكشف عن أحد المرضى .. كيف لو استمر الانقطاع إلى حلول الظلام؟ فكيف لو تفجرت أزمة كبيرة ـ لا قدر الله؟ نجزم يقينا أن ظفار ليست جاهزة لمواجهتها حتى في حدودها الدنيا؟ فجغرافتيها الإقليمية محاضرة بالجبال والبحار دون أن يكون لها منفذ جوي دولي، ويراد لها أن تكون بمعزل عن ربط سكة القطار الخليجية، وسيلتها التواصل مع امتدادها الوطني وتعاطيها العالمي، البحار وطريق بري متهالك، لو غضبت البحار، سينقطع عنها الإمداد النفطي، شريان الحياة ـ وقد حدث ـ هذا هو وضع ظفار عامة. إذًا لا بد من التدخل السياسي، والمبادرة المتاحة الآن في الصلاحية السياسية لمعالي السيد وزير الدولة ومحافظ ظفار، فهل معاليه سيتفق معنا بأن المبادرة لها إطار زمني محدد وضاغط وعاجل قبل أن تفقد إطارها، ويدخلنا في البحث عن مبادرات وليس مبادرة واحدة ومن خارج رحم المؤسسات الدستورية؟ فزمن المبادرات التي تخرج من رحم الإكراهات ينبغي أن تكون قد تجاوزناها استفادة من تجربتنا الأخيرة.