أمام المشهد المثير للدمار الهائل في قطاع غزة، يرى خبراء عايشوا الاعتداءات الإسرائيلية على العرب، أن العدوان الأخير على غزة الذي لا تزال ذيوله قائمة، هو أكثر عدوان همجي لم يجرِ أن ارتكبت إسرائيل مثيلا له قبلا، مما يعني أن هنالك خططا إسرائيلية كانت تنوي من ورائها بتفريغ القطاع من أهله بعد تدميره على رؤوس ساكنيه.
هذا الواقع المرير حدا الأمم المتحدة إلى إنشاء لجنة لتقصي الحقائق سوف تزور القطاع خلال الشهر المقبل، مؤلفة من ثلاثة أعضاء على رأسها شخصية معترف لها بدفاعها عن حقوق الإنسان، وهو المحقق شاباس الذي من المفترض أن يقدم تقريره على الهواء.
لكن الإسرائيلي كالعادة رفض استقبال اللجنة، كما رفض في الوقت نفسه انتقالها إلى الضفة الغربية .. ومع ذلك لا يبدو أنها ستتراجع عن الغاية التي أنشئت من أجلها، وبالاعتقاد، فإنها لن تجري طويل بحث كي تخرج بتقاريرها، فأمامها دمار لا مثيل له، وبحوزة غزة كل الأشرطة التي تقدم عداد الشهداء والاختيارات التي قامت بها إسرائيل قتلا وتدميرا، ناهيك عن المستشفيات التي استقبلت الآلاف من الشهداء والجرحى والذين ما زال قسم كبير منهم بين أحضانه.
كل الاعتقاد أن المحقق المذكور ومن معه سيقفون مذهولين أمام الحالة التدميرية المنهجية التي اعتمدها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأمام القتل المتعمد الذي أوصل عدد الشهداء إلى ألفين تقريبا والجرحى إلى أكثر من عشرة آلاف. وكيف قصفت مؤسسات دولية مثل الأونروا، ومستشفيات أيضا ومساجد بالجملة ومدارس وغيره مما لا يمكن قبوله.
لن يتعب المحقق ومن معه ومن سيساعده في دورته على أهم مفاصل غزة من رؤية الحقيقة التي كان رآها قبله جولدستون في العام 2011م والذي قدم يومها شهادة صارخة على عدوانية إسرائيل عبر تقرير شامل، لكنه عاد وعدل من موقفه بعدما مورست عليه ضغوط كثيرة لم يستطع الصمود في وجهها. فهل يتمكن المحقق الحالي من الخروج بتقرير إدانة حقيقية، وأن يتمكن من مقاومة الضغوط التي بدأت تمارس عليه قبل أن يتحرك من مكان إقامته؟ وهي ضغوط يبدو كما يتم التعريف بهذا المحقق أنه مصر على أن يكون على رأس عمله من أجل الحقيقة.
إن تقريرا مما نعتقد، سوف يضع حكومة نتنياهو في مهب الريح، خصوصا إذا ما أضيف إليه تلك التظاهرات التي بدأت أمس في تل أبيب مطالبة بإسقاط حكومة نتنياهو، مع علمنا أن ليس هنالك فروق بين المسؤولين الإسرائيليين من حيث نظرتهم للعرب وللفلسطينيين خصوصا، فهم بين السيء والأسوأ، إن لم يكن بين الأسوأ والأسوأ منه.
من هنا، لا بد أن تنتصر العدالة لغزة، إذا ما أكملت دورة التحقيقات، وصولا إلى الدعوى التي ستقدم إلى محكمة الجنايات الدولية والتي من خلالها سيتم معاقبة إسرائيل جزائيا أيضا.
لا يمكن لجرائم إسرائيل المتكررة وخصوصا تلك الأخيرة بكل أشكالها الوحشية من أن تمر دون عقاب إنساني، ثم إلهي. فدماء الشهداء لن تذهب هدرا، ودم الأطفال الذين تجاوز عددهم أكثر من أربعمئة شهيد ستسجل نتنياهو ومجموعته من السفاحين والقتلة الذين لم يرف لهم جفن وهم يتفرجون على عذابات شعب بأكمله تعرض للإبادة الجماعية.