[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
ستبقى أزمة المياه وتداعياتها وارتداداتها حاضرة في منطقتنا طالما بقيت الصراعات السياسية والخلافات التي قد تصل حد إشعال الحروب، وهذا يؤكد صعوبة التنبؤ بالآماد التي تسير فيها هذه الأزمة.
وقبل سنوات من دخول القرن الحادي والعشرين، رسم الخبراء صورة قاتمة لأوضاع المياه في القرن الحالي، وخلصت البحوث والدراسات إلى أن المياه قد تكون سببا رئيسا لنزاعات مسلحة في الشرق الأوسط، وكلما تراجع الحديث عن مشاكل المياه، سرعان ما تثار هذه القضية، وبدون شك يصاحب ذلك قرع طبول الحرب في أكثر من مكان ومن جهات عدة، وفي عام 1989 أطلقFalken Mark اصطلاح (Water Stress) على موضوع المياه معتبرا أن منطقة الشرق الأوسط تشهد أعلى درجات الصراع السياسي الذي يرتبط بقوة بأهمية المياه وضروراتها الملحة.
وتم تطوير نظريات معقدة بخصوص الحاجة المائية خصوصا بين العرب والإسرائيليين على اعتبار أن المياه المحفز الأساس لاستراتيجية عسكرية. هذا ما ذهب إليه الكثير من الخبراء والمراقبين.
كما توصل Aaron.T.Wolf في بحث ألقاه في المؤتمر الذي عقد في Bloomington , Indiana - آذار/مارس 1996 بعنوان (المياه: السبب في النزاع والتعاون) إلى أن موضوع المياه ليس قضية نزاع تاريخي مسلح فقط، بل إنه السبب الذي يقف وراء احتمالات نشوب القتال في القرن الحادي والعشرين. وقد تناولنا هذه القضية في كتابنا (نيران على ضفاف الأنهر الأبعاد السياسية لأزمة المياه).
ونظرا لارتباط المياه بكافة مفاصل حياة الشعوب والدول، فقد أصبح الحديث عن أزمة المياه مرتبطا بقوة بالجوانب السياسية، حيث تُعد الأبعاد السياسية الزاوية الأكثر حساسية في موضوع المياه، التي لا بد من تأملها بدقة في أية محاولة لاستقراء أبعاد الأزمة ومحاولة الدخول في تفاصيلها الدقيقة والمهمة.
يرى (روجر هاردي) المحلل البريطاني، أن المياه تعتبر أثمن مصدر في الشرق الأوسط، وهو أثمن حتى من النفط، وقد ساهمت ندرة المياه في التوترات الإقليمية، لهذا تعتبر من العوامل المهمة في تفاقم الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
ومع ازدياد الحاجة إلى المياه، واهتمام الدول بهذا الموضوع واتجاه الكثير من البلدان المسيطرة على مصادر المياه إلى بناء السدود والتركيز على الخزن وتوسيع رقع الأراضي الزراعية، فقد انعكس ذلك على الاهتمامات السياسية، ومع الوقت أصبح هذا الموضوع يحتل الأولوية في المحادثات بين الدول المعنية بالأمر، ويشير(Peter Gleic) إلى أنه خلال النصف الثاني من القرن العشرين وبالأخص العقد الأخير منه، احتلت الحاجة لتنظيم المياه والمحافظة على استعمال أحواض الأنهار الدولية مكان الصدارة في الاهتمامات الدولية، وسيطرت المسائل السياسية لمدة طويلة على المحادثات التي جرت بين الدول وأصبحت في السنوات الأخيرة أكثر وضوحا مما كانت عليه في الماضي، كما أنه من المؤكد أن مصادر المياه سوف تتأثر مباشرة بالتغيرات البيئية وعلى المستوى العالمي.
ولأن مصادر المياه محدودة، وموزعة بصورة غير عادلة في أنحاء العالم وغالبا ما تقتسمها عدة دول فإن المياه، كما يرى (Bertrand Charrier) قد تكون سببا للنزاع، كما يمكن أن تكون في الوقت نفسه سببا للتعاون أيضا، وذلك إذا ما قامت الدول في الأقاليم النادرة المياه بالاشتراك معا لإدارة هذا المصدر الحساس.
ويمكن أن تصبح المياه وأنظمة تجهيزها أدوات في المواجهات السياسية وأهدافا للعمليات العسكرية، ويعتبر الوضع مروعا في الشرق الأوسط على وجه التحديد وبين مصر والسودان وإثيوبيا.
وتسبب موارد المياه المقتسمة توترات دولية خصوصا في المناطق الجافة أو شبه الجافة، حيث تكون موارد المياه نادرة، وهنا يتصدر موضوع الأمن الغذائي الواجهة نظرا لأهميته وحساسيته الكبيرة.
إن السياسة تتدخل في أعماق المياه لتسخينها وبث التيارات القوية التي قد تنذر بأعاصير وفيضانات مدمرة، ولكل ذلك أبعاده الواضحة والخطيرة والتي تحتاج إلى دراسة متأنية دقيقة وشاملة.