يرى أن صدمات ما بعد الربيع العربي أصابت الكاتب بالخيبة والإحباط

ما نشر من روايات خلال الألفية الجديدة في السودان يفوق ما نشر خلال القرن العشرين كله بدأت المرأة السودانية في أن تكون كاتبة، وليست مكتوبة وأن تكتب بالأصالة وليس بالوكالة

أجرى اللقاء ـ وحيد تاجا :
اعتبر الناقد السوداني عز الدين ميرغني ان النقد هو الحارس لبوابة الإبداع.. بل هو البوصلة التي تقود الموهوب الذي لا يعرف مسارات الكتابة الصحيحة. وأضاف في حديث مطول مع "أشرعة" أن الناقد ليس وصياً على الكاتب، ولكنه وصي على معايير الكتابة وحارسها من غير الموهوبين. وقال إن من أهم القضايا المطروحة للنقاش في الساحة الثقافية السودانية في هذه الأيام، هي مشاكل الكتابة عند الشباب، ثم ارتفاع تكلفة النشر. وحول الانفجار الروائي أشار الى ان ما نشر من روايات خلال الألفية الجديدة في السودان يفوق ما نشر خلال القرن العشرين كله. في الوقت الذي تشهد حركة الشعر في السودان تعثرا واضحا يتجلى بطغيان اللغة العامية. ويعتبر عزالدين ميرغني من أهم وأبرز الأقلام النقدية السودانية المعاصرة. وله إسهامات واضحة في المشهد الثقافي، سواء عن طريق النقد أو الترجمة، ويكتب في عدة دوريات، كما يدير البرامج الثقافية في قناة أم درمان. صدر له: «البنية الشخصية في أدب الطيب صالح دراسة في روايتي موسم الهجرة إلى الشمال وعرس الزين»."موسوعية المعرفة وجماليات اللغة في ديوان حاج الماحي".

* بداية ما هو تعريفك للنقد .. هل هو مهنة أو حرفة أكاديمية أم موقف وتوجه رؤيوي في الحياة؟
النقد هو الحارس لبوابة الإبداع، في الأدب المكتوب وحتى المرئي والمسموع. فهو الذي قنن وأصل للمدارس الأدبية والتي بموجبها قامت معايير الكتابة الأدبية منذ أرسطو وحتى الآن. ولولا هذا النقد لأصبحت الكتابة فوضى دون ضبط ودون تجويد. بل هو البوصلة التي تقود الموهوب الذي لا يعرف مسارات الكتابة الصحيحة. . وبالتالي، فهو ليس مهنة بمعنى صنعة للتكسب، وإنما هو موقف وتوجه يقود صاحبه بإحساسه وتذوقه الجمالي الخاص، ليكتشف جمال الإبداع في شتى أنواعه، وقطعاً فإن هذه الرؤيوية، تتطلب قراءات عميقة ومتنوعة وموسوعية شاملة حتى تتضح رؤية الناقد ليكون كشافه قوياً لاكتشاف الجيد والمفيد في الكتابة وحتى في التشكيل والرسم، ومن هنا يمكن أن تأتي الاحترافية دون صنعة ولا تكلف.

*وهل يمكن القول ان النقد قضية أساسية في عملية الانتاج، أم هو حالة استدراكية على الإبداع؟
النقد هو موهبة إبداعية مثله ومثل الكتابات والأجناس الإبداعية الأخرى. لذا فهو يكمل دائرة الإبداع ويكون جزءا أساسياً في المنتج الإبداعي. وأحياناً تكون الكتابة أو النص في مجال النقد. نصاً موازياً للنص المنقود. وقد يكتشف زوايا جديدة وقد يملك المتلقي مفاتيحاً جديدة. بل قد يفتح باباً جديداً وتياراً يمكن أن يقود الآخرين. لذا فهو جزء أصيل في العملية الإبداعية. هذا إذا كان النقد مواكباً ومسايراً لزمن الكتابة وليس متخلفاً عنها. ولعل هذا العصر خاصة ونحن في زمن العولمة وفضاء الإبداع العالمي لا تقبل بطاقة النقد ولا تعطى إلا لمن هو مواكباً لهذه التحولات والتطورات التي تطرأ على كل أنواع الإبداع في شتى مجالاته ومساراته.

*بالتالي كيف ترى ثنائية العلاقة بين الناقد والمتلقي من جهة، والناقد والأديب من جهة أخرى؟
هي ثنائية أقرب إلى العقد والاتفاق غير المكتوب والموقع. لأن الأدب لا يعرف التأطير القانوني الملزم. فالناقد هو قارئ في المقام الأول، وإن كان قارئاً مختلفاً ومميزاً، فمهمته أن يكشف كقارئ لمن يشاركه في مهمة التلقي، الجوانب الخفية في النص، وأن يملكه مفاتيح الدخول إليه منذ عتباته الأولى وحتى لحظة التنوير الكبرى في السرد وحتى الختام في القصيدة أو المسرحية الخ. وصحيح أن القارئ العادي ليس ملزماً برأي الناقد الإيجابي، أو السلبي، ولكن كثيراً ما أعاد هذا القارئ قراءته للنص واكتشف ما كان خفياً عنه فهي علاقة توصيل وتمليك لرؤية جديدة. أما علاقة الناقد بالكاتب، فهي علاقة كاتب بكاتب لأن النقد كما قلت سابقاً هو موهبة وهو قراءات عميقة ومقارنات مضنية وصعبة، وليس الناقد هو وصياً على الكاتب، ولكنه وصياً على معايير الكتابة وحارسها من غير الموهوبين ومن غير من اكتوى بجمر المعاناة وخوض بحارها العميقة.

* ما هي أهم القضايا المطروحة للنقاش حالياً في الساحة الثقافية السودانية، وهل ترى أن مسألة الهوية والانتماء الثقافي قد حسمت في السودان بشكل ما؟
من أهم القضايا المطروحة للنقاش في الساحة الثقافية السودانية في هذه الأيام، هي مشاكل الكتابة عند الشباب، ثم ارتفاع تكلفة النشر التي أصبحت من معوقات الكتابة خاصة وأن أغلب الكتاب والمبدعين لا تمكنهم أحوال المعيشة والضائقة الاقتصادية من النشر فتبقى الكثير من ابداعاتهم مخطوطات حبيسة في الأدراج الخاصة. أما مسألة الهوية والانتماء الثقافي فهي مواضيع ما تزال تشغل النقاش والجدل حولها، بل أثارت العديد من المسائل المخبوءة والكامنة والتي ما كنا نتذكرها أو نثيرها. ولعل أهم ما ينادي به الكثيرون هو أننا أمة ذات ثقافات متعددة ومتلاقحة ومتأصلة منذ قديم الزمان ويحق لنا المحافظة عليها وتوثيقها وحتى الاعتزاز بها لأنها نابعة من البيئة والتاريخ السوداني القديم والأصيل.

* هل يمكن أن نطل من خلالك على تجليات المشهد الثقافي السوداني ...؟
المشهد الثقافي السوداني يموج بحركة كبيرة وخاصة وسط المبدعين الشباب في مجال القصة والشعر والرواية، ولعل الرواية هي الأكثر حظاً في النشر والكتابة وسط هؤلاء الشباب هنالك، ولعل ما نشر منها في العشرين عاماً الماضية يساوي كل ما نشر في السودان منذ الاستقلال وحتى الآن. هنالك الوعي المتزايد بثقافة تدشين الكتب والاحتفال بالإصدارات الجديدة والمشاركة في المسابقات والجوائز العربية مثل كتارا والبوكر وجائزة الطيب صالح العالمية. ثم ازدياد النشر الالكتروني وكتابة النصوص المتفاعلة مع الآخرين.

* تأكيدا لكلامك حول الرواية، اذكر قولا للناقد نبيل غالي، يقول فيه إن ما نشر من روايات خلال الألفية الجديدة في السودان يفوق ما نشر خلال القرن العشرين كله، والسؤال كيف تقرأ هذا الانفجار الروائي مقروناً مع الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في السودان؟
صحيح ما قاله الأستاذ نبيل غالي، ولعلي قد ذكرت ذلك أيضاً في ورقة قدمتها عن الانفجار الروائي في السودان في فعاليات معرض الخرطوم الدولي للكتاب في العام الماضي. وذكرت فيها أن من أهم أسباب هذا الانفجار الروائي وخاصة وسط الشباب، هو حمى الجوائز والبحث عن الظهور والشهرة حتى ولو انعدمت الموهبة ومعرفة معايير الكتابة الروائية. وهو نوع من التقليد الأعمى للآخرين والبعض قد استسهل كتابة الرواية واعتبر أن أي حكاية واقعية طويلة يمكن أن تتحول إلى رواية. وقد ظهرت روايات كثيرة لا ترقى لمستوى النشر لضعفها، رغم ظهور القليل من الكتابات الجيدة والعميقة خاصة عند بعض الكاتبات من الجيل الجديد ومن حسنات هذا الكم الهائل من الروايات هو انتشارها ومشاركتها في العديد من المعارض العربية للكتب وفوزها في المسابقات العربية. وهذه محمدة كبيرة.

* وهل صحيح ان الرواية السودانية المعاصرة مازالت متأثرة بالرواية المصرية؟
لا شك بأن الرواية السودانية في بداياتها في أربعينات القرن الماضي قد تأثرت بالرواية المصرية لسبقها وريادتها في المنطقة وخاصة روايات نجيب محفوظ والتي تأثر بها العالم العربي كله ونحن في السودان لعل القرب الجغرافي وقوة تأثير الإعلام المصري من صحف ومجلات ومعارض للكتب، هي التي جعلت الرواية المصرية معروفة ومقروءة حتى عند المواطن العادي. وهذه فترة أو مد ثقافي أفل وانتهى فقد تنوعت مصادر الرواية السودانية بالانفتاح الثقافي على كل المنطقة وحتى الرواية العالمية المترجمة وغير المترجمة. وأصبحت معايير الرواية وتقنياتها شبه عالمية لذا انفتحت الرواية السودانية على كل المدارس العالمية.

* وإلى أي مدى ما يزال الطيب صالح يشكل سقفاً على المستوى الروائي في السودان؟ وما هو دور النقاد في ترسيخ هذه المقولة؟
هذه المقولة صدرت عن القاص السوداني عيسى الحلو، قبل أن يكتب الرواية في فترة لاحقة وقريبة من حياته الأدبية. وبعد أن كتب الرواية تراجع عن ذلك. ولم ينادي بها أي من النقاد في السودان. وحتى الطيب صالح نفسه ماكان يرضى بأنه وصي أو سقف للرواية في السودان. في كتابي (البنية الشخصية في أدب الطيب صالح دراسة في روايتي موسم الهجرة إلى الشمال وعرس الزين) ذكرت عبقرية وذكاء الطيب صالح في تجسيد الشخصية الروائية وهي شخصيات سودانية متجذرة في المكان السوداني. والعبقرية والابداع لا يقبل ولا يقبل الوصاية ولا السقفية لأن الخيال نعمة لا حدود ولا انتهاء له فحواء الكتابة في كل مكان لن تعقم أبداً طالما هنالك خيال ولغة يكتب ويدون بها هذا الخيال. وهنالك الكثير من الروايات الجديدة على قلتها لا يستطيع أن يكتبها غير صاحبها.

* يرى أحد النقاد أن اللغة عبر الخطاب الروائي السوداني تبدو وكأنها تعاني تعسراً حاداً في ولادتها. ما رأيك؟
الجيل القديم من رواد الأدب في السودان اهتموا بالشعر أكثر من الكتابة السردية. وهنالك الكثير من العوامل التي جعلت الخطاب الروائي السوداني يتعسر خاصة عند الأجيال الجديدة منها طغيان العامية كلغة التعامل اليومي والتي صار أغلب الشباب يكتبون الشعر بها، ثم ضعف مناهج تعليم اللغة العربية في مدارسنا ثم أن الرواية والقصة القصيرة لا تدرس في المدارس ولا في الجامعات، فالروائي السوداني شخص عصامي المعرفة بفن الرواية والذي له معاييره الخاصة. والكثير من الذين يكتبون الرواية من الشباب يضطروا لنقل الحوار الدائر بين الشخصيات كما هو باللغة العامية وهي مشكلة كبيرة حيث لا توجد ورش ولا سمنارات لتعليم فنون السرد بكل أنواعه رغم أن هنالك من يكتب الرواية بلغة سردية رائعة ولكنهم قلة.

* ما مدى صحة القول إن جائزتي الرواية في السودان الهادفة إلي ربط الرواية السودانية بالعالم لم تقدر على تغيير المشهد الروائي سواء في حراكه الداخلي أو في علاقته بالعالم؟
الجوائز السودانية في الرواية هما أحدثا بعض الحراك في جنس الرواية لقد شب جيل جديد بدأ يسأل عنها ويتابع إصداراتها في السودان بشكل خاص وفي العالم العربي بشكل عام، وهنالك من اكتشف موهبتها عنده ولم يكن يعرف ذلك. صحيح أن المبتدئ يتعثر دائماً، ولكن الموهوب والمجتهد سيصل غالباً رغم العقبات والموانع. الجوائز لا تزال لضعف الإمكانات تدور في فلك المحلية فالأعمال الفائزة تصبح حبيسة رفوف المكتبات أو المخازن ولا تنتشر ولا نجيد تسويقها ونادراً ما نشارك بها في معارض الكتب العربية ولضيق الإمكانات لا نستطيع ترجمتها لغير اللغة العربية كما تفعل بقية الجوائز العربية والتي تقام في دول تملك المقدرة في ذلك.

* وماذا عن المشهد الشعري وأين هو من مقولة نزار قباني بأن "السودانيين إما شعراء أو عاطلون عن العمل"؟
حركة الشعر في السودان تعثرت قليلاً كما قلت بطغيان اللغة العامية والتي جاءت نتيجة لضعف مناهج اللغة العربية وطغيان ثقافة الصورة ولغة التواصل الاجتماعي الركيكة والضعيفة في الواتساب والفيس بوك والتي يتبادل فيها اهل التواصل خاصة من الشباب فيستنسخون ويكررون أخطاء بعضهم البعض اللغوية. وقد قلت القراءات الشعرية الجادة التي كانت عند الأجيال السابقة والشعر موهبة تصقلها القراءات الجادة والعميقة. ثم انشغال الشباب بحمى كتابة الرواية. صحيح أن السوداني يحب الشعر ويحب كتابته ولكن ما ذكرته من عوامل قللت من الاهتمام به وحتى الوراقين ما عادوا يهتمون بشراء دواوين الشعر وما عادت دور النشر تتحمس لطباعة أي ديوان جديد إلا نادراً.

* استوقفني كتابك "موسوعية المعرفة وجماليات اللغة في ديوان حاج الماحي".. لماذا اخترت هذا الشاعر بالتحديد الآن ؟
الشاعر حاج الماحي كما نقول بعاميتنا السودانية، هو شاعر كرس حياته لمديح الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد مضى على وفاته أكثر من قرن. وشعره لا يزال محفوظاً وملحناً ومقبولاً من كل طبقات الشعب السوداني ، هذا القبول هو الذي استوقفني وحفزني لدراسة شعره وتطبيق بعض من نظريات القبول الجماهيري للتلقي، فوجدت أنه يملك عدة صفات وميزات تؤهله لكي تنطبق عليه حتى الدراسات النقدية الحديثة منها سلاسة لغته ووجود الكثير من الفصحى في شعره رغم أنه كان يكتب بالعامية , واستفادته من ميزة التعدد الثقافي للمكان السوداني خاصة في شمال السودان حيث كان مهد حضارات قديمة ذات تراث انساني قديم قبل دخول العرب السودان ثم معرفته بالسيرة والجغرافية السودانية والفولكلور القديم كل ذلك وغيره ما شجعني للكتابة عنه .

* اشرت في حديثك عن الرواية الى ظهور القليل من الكتابات الجيدة والعميقة خاصة عند بعض الكاتبات من الجيل الجديد. والسؤال كيف تقيم الحضور النسائي المتزايد في المشهد الثقافي السوداني (رواية وقصة وشعرا). وحتى أنها اقتحمت ميدان تدوين السيرة الذاتية سردا؟
فعلا هذه ظاهرة ثقافية ملاحظة وهي ظاهرة تفرح ولا تحزن وتفيد بالتأكيد ولا تضر. فقد بدأت المرأة السودانية في أن تكون كاتبة، وليست مكتوبة. وأن تكتب بالأصالة وليس بالوكالة. فقد تركت هذا المجال زمناً طويلاً للكاتب الرجل، أصبحت تكتب شعراً تخاطب فيه الحبيب علناً وظهرت روائيات وقاصات جدد يكتبن الجسد الأنثوي بكل حرمانه وأشواقه. رغم بعض الموانع والتابوهات التي ما تزال عقبة في الكتابة النسائية ولكن الباب قد فتح واسعاً لها. ونالت الكثير من الحرية في الكتابة وظهرت مبدعات في المجالات التي ذكرتها بل منهن من فزن ونافسن الرجال في حصد الجوائز في كل المنافسات الأدبية .

* كنا نلاحظ توجه الشعراء الحداثيين إلي الشعر الصوفي، الملفت الآن هو توجه بعض الروائيين لأحياء التراث الصوفي واستخدامه في السرد، وما رأيك بهذه الظاهرة وكيف نفهمها ؟
فعلا لعلها ظاهرة بدأت تعم الكتابة السردية في الكثير من الدول العربية والرواية طاقتها تتحمل مثل هذا التوجه أكثر من القصة القصيرة . لعل المجتمعات العربية قد تربى الكثير من أفرادها ترية صوفية وهو علم له جمالياته ولغته ونفحاته وليس غريباً أن تستفيد الرواية من هذه الجمالية ومن هذه اللغة الخاصة ذات الرمزية العالية والدلالات العميقة بل أن لغة تيار الوعي التي جاء بها السرد الغربي موجودة في لغة المتصوف المسلم منذ عرف التصوف في الإسلام. وما يزال التصوف قادراً على أن يفيد ويضخ في الرواية العديد من التجارب ومن الشخصيات الهائمة والمحبة للخالق وعظمته اللا متناهية . رغم أنها كتابة صعبة ولكن كما تقول مدرسة الرواية الجديدة في فرنسا الرواية الجيدة هي مغامرة كتابة ، وليست كتابة مغامرة . والرواية التي تختار التصوف هي أكبر مغامرة كتابية .

* أيضاً لجوء الكثير من الروائيين إلي استخدام اللغة الشعرية في السرد ما رأيك بهذا الأمر وكيف تنظر بالتالي إلي تلاشي الحدود بين الأجناس الأدبية ؟
هذه ظاهرة موجودة أكثر عند الروائيين وكتاب القصة الشباب، لعله نوع من التجريب والتجديد، أو نوع من الثورة على الخطاب السردي التقليدي . وبعض هذه الشعرية المناسبة والمعتدلة أفادت الرواية جداً وحركت جمود اللغة السردية باللغة المدرسية التقليدية. وهذه الشعرية هي التي تجعل للكاتب بصمته الأسلوبية المميزة له عن غيره. ولكن هنالك من طغت شعريته على الأحداث وحركة الشخوص، بما ينطبق عليه (طغيان اللغة في النص) . والذي يجعل البطولة للغة وهنالك من يتقبلها ويجعلها حافزاً له لقراءة النص بل لقراءة الكاتب في أكثر من عمل (التحفيز اللغوي). واعتقد بأن الشعرية إذا زادت فإنها تحمل النص أكثر من طاقته وتحد من خيال الكاتب في خلق شخصيات مميزة جديدة وليست كائنات لغوية ثرثارة وبلغة غامضة غير مفهومة.
أما تلاشي الحدود بين الأجناس الأدبية ، فقد استفادت منه الرواية أكثر من غيرها , فأخذت من السينما الرجوع والاستباق , ومن الشعر اللغة الوصفية الجميلة ومن المسرح مسرحة الأحداث ومن التشكيل تجسيد الشخصية وجعلها حية ومتحركة . ولكن يجب أن لا يستغل غير الموهوب في تخطى معايير الكتابة المميزة لكل جنس أدبي عن غيره.

* كيف ترى انعكاس (الربيع العربي) على مستوى الابداع العربي نثراً وشعراً وبالتالي كيف ترى طبيعة العلاقة بين السياسي والمثقف؟
هذا سؤال كبير بالطبع، ولكن الكتابات الأدبية العربية العميقة تنبأت بهذا الربيع العربي، وهو ما يسمى الكتابة الاستشرافية إن صح التعبير ولعل تأثيره ما يزال بطيئاً على الكتابة بكل أنواعها في العالم العربي لأن المعاصرة حجاب كما يقولون وكذلك صدمات ما بعد الربيع العربي أصابت الكاتب بالخيبة والاحباط. ولكن من محاسنه هي القليل من الحرية التي وجدها الكاتب والانفكاك قليلاً من قبضة السلطة وقيودها ساعدت هذه الحرية أو القليل منها في كتابة المسكوت عنه والممنوع الكتابة فيه بحذر طبعاً. ولعلها أتاحت الفرصة أكثر للكاتبة العربية والتي تختلف كتابتها الآن عن ما قبل ثورات الربيع العربي ولعل الكاتب العربي عرف أن الكثير من الهموم المشتركة تجمعنا ولا تفرقنا. أما العلاقة بين السياسي والمثقف، في العالم العربي والعالم الثالث كله، هي علاقة حذر وتوجس وخوف من الآخر، فالسياسي يخاف من المثقف لأنه يعريه يعري جهله وحبه الأعمى للسلطة والتسلط، والمثقف يخاف من السياسي لأنه يعري عدم مقدرته على الفعل وتنفيذ أفكاره التي هي أقرب للتنظير والتهويم. وهذا اللا تصالح هو سبب مشاكلنا السياسية والاقتصادية والفكرية. حيث لا يوجد هذا في العالم الغربي، فالسياسي مثقف والمثقف يعرف دوره والذي يؤديه ولا يطمع في دور السياسي والذي لا يجيده.