[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
من يتصور أن مشاريع المياه والخلافات بشأنها حديثة جدا يقع في خطأ فادح، لكن تطور الأحداث وزيادة الحاجة للمياه في العقود الأخيرة والتحذيرات من شح متوقع في مصادر المياه ساهم في تفجير خلافات واسعة وعميقة ومتشعبة.
أما المشاريع المائية الحيوية فقد بدأت منذ أكثر من قرنين تقريبا، بدأها الرحالة في المشرق العربي وفي إفريقيا، الذين تتبعوا مصادر المياه في دجلة والفرات والنيل، ومن المشاريع المائية المهمة التي رسمها ثيودور هرتزل معتمدا على الدراسات والبحوث التي أمضى العديد من الباحثين والمهندسين العقود الطويلة خلال القرن التاسع عشر في البحث والاستقصاء، هو مشروع ما يسمى بقناة البحرين التي تربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الميت والتي قال عنها (دان دارين) وهو مهندس معماري في معهد المركز الدولي لدراسات سياسة الأراضي في إسرائيل: إن هذه القناة (قناة البحرين) كانت حلما مستحيلا، رآه ثيودور هرتزل عام (1902) وكانت هذه القناة التي وصفها هرتزل في كتابه (التنويلاند) (الأراضي القديمة الجديدة) الذي تنبأ فيه بولادة دولة جديدة، تستهدف توليد الطاقة الهيدروكهربائية وإقامة بحيرات الاستجمام، والمساهمة في استصلاح النقب وجعل إسرائيل (بلدا) ذا استقلالية في إنتاج الطاقة.
وتؤكد صحيفة (عل همشمار) الصهيونية في مقال كتبه (ف.سيفر) أن قناة البحرين هي جزء من رسالة ثيودور هرتزل التي قرأ فيها المستقبل، وبالتالي فهي جزء من المشروع الصهيوني الكبير، وأمامنا مزيج من الأساطير التي تبعث الدفء في أكثر القلوب برودة، ويوقد النار في أكثر العقول نبوغا.
يجد الباحث والمتتبع أن الخيط لم ينقطع بين طروحات وأفكار هرتزل ومن جاء بعده، وأن الاستراتيجية المائية، أو مسألة التعامل مع قضية المياه، لم تكن سطحية أو قضية مكملة للأفكار الصهيونية، بل إنها تدخل في جوهر المخططات الصهيونية ونشاطاتهم، فعلى سبيل المثال، أن هرتزل قد حدد عام 1923 موعدا لتنفيذ هذا المشروع، وأن عدم تحقيق ذلك لم يوقف التفكير الصهيوني به، ففي 13 يونيو عام 1990 قاد (يوفال نيئمان) وزير العلوم والطاقة في كيان الاحتلال حملة لتنفيذ مشروع القناة التي تربط بين البحر المتوسط والبحر الميت.
وكانت لجنة نيئمان قد رفعت تقريرا إلى حكومة إسرائيل في يوليو عام 1980 أوصت فيه باعتماد الخط الجنوبي، أي حفر قناة ونفق من موقع تل القطيفة في قطاع غزة إلى معاليه يائير في جوار قلعة مسعدة، وقد تم اختيار هذا الخط لأنه (يثير مشكلات سياسية أقل من الخط الشمالي) على حد قول نيئمان نفسه.
وجاء في تقرير نيئمان أن القناة ستعزز إمكانات إقامة محطة قوى نووية في إسرائيل، كما تحدث عن إمكان بناء مصنع لتحلية مياه البحر في النقب، وتطوير برك شمسية لإنتاج المزيد من الطاقة.
وظل الحافز المعلن للبحث عن قضية المياه، هو موضوع تأمين الحاجات الأساسية من المياه للزراعة في فلسطين، التي تحركت الصهيونية وعلى كل الجبهات في سبيل جذب اليهود من مختلف أرجاء العالم للهجرة إليها.
وقبل حصول اليهود على وعد بلفور، يمكن ملاحظة اهتمامهم المتزايد بمسألة المياه، ففي مؤتمر بال الذي عقد عام 1917، قدمت خريطة الوطن القومي اليهودي وكانت تضم كافة مصادر المياه العربية.
وفي عام 1918 أطلق بن جوريون تصريحه الذي كشف فيه أبعاد السياسة الصهيونية في المنطقة، عند قال (إن أرض إسرائيل لن تصبح لنا حين يوافق الأتراك والإنجليز أو مؤتمر السلم المقبل ويوقعون معاهدة بذلك، إنما تصبح لنا أرض إسرائيل حين نبنيها نحن اليهود بأنفسنا، والوطن إنما يشاد بفضل الرواد والطلائع، إن الهجرات الكثيفة لا تستقر بفضل التاريخ لكنها تثبت وتستقر وتزدهر حيث تتوافر لها شروط البقاء والتقدم).