[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
”إن البيئة الحاضنة اللازمة للتعاهد الدولي لا يمكن أن تكون شفافة ونظيفة يحكمها التضامن والمصالح المشروعة إذا لم تكن بعيدة كل البعد عن النزعات الاستعلائية، وأن تتوخى بكل أمانة ما أجمع عليه المجتمع الدولي في سبعينيات القرن الماضي بالعنوان المعروف (مصيرنا المشترك).”

ضئيلة هي فرص تعزيز الإطار التعاهدي الدولي وتدعيمه على الرغم من أن هذا العنوان المهم يتصدر محاور جدول اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة الدورة ٧٣ التي بدأت أعمالها خلال الأيام القليلة الماضية من سبتمبر/أيلول الجاري. أقول ضئيلة تلك الفرص إذا أخذنا بعين الواقع مرثية الأمين العام للمنظمة الدولية بخطاب افتتاح هذه الدورة وحجم الخلل الكبير الذي أحدثته إدارة الرئيس الأميركي ترامب في منظومة العمل الدولي المشترك ضمن قائمة طويلة يتصدرها الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وكذلك من اتفاقية باريس للمناخ والنكايات التجارية المتكررة عبر الأطلسي مع دول الاتحاد الأوروبي في فرض رسوم مجحفة على البضائع الأوروبية المصدرة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وتصديع اتفاقية النافتا مع كندا والمكسيك، وحرب الرسوم الجمركية على البضائع الصينية، وتنصله من الالتزامات بشأن القضية الفلسطينية وهي الالتزامات التي ضمنها أكثر من ٣٠٠ قرار دولي لصالح حقوق الشعب الفلسطيني ابتداء من القرار ١٩٤ الذي نص على عودة اللاجئين الفلسطينيين، وكذلك القرارت اللاحقة لتأسيس الدولة الفلسطينية، وكانت آخر نكايات الإدارة الأميركية الحالية تسويق ما يسمى بصفقة القرن والتمهيد لها بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، المدينة المحتلة حسب التوصيف القانوني الدولي، وتهشيم اللجنة الرباعية على قدر ما كانت منظومة ضعيفة من أجل السلام العادل.
إن البيئة الحاضنة اللازمة للتعاهد الدولي لا يمكن أن تكون شفافة ونظيفة يحكمها التضامن والمصالح المشروعة إذا لم تكن بعيدة كل البعد عن النزعات الاستعلائية، وأن تتوخى بكل أمانة ما أجمع عليه المجتمع الدولي في سبعينيات القرن الماضي بالعنوان المعروف (مصيرنا المشترك).
هكذا أيضا أن البيئة اللازمة لهذا التعاهد تتطلب ترفع الدول عن التهديدات والتلويح باستخدام القوة، وأن تنسجم مع المقاصد النبيلة في ميثاق الأمم المتحدة ضمن مادتيه الثانية والثالثة من تلك المقاصد، وأن تكون مواد الفصل السادس من الميثاق القوة الضاغطة أخلاقيا وقانونيا لحل النزاعات والاستبشار بالسلام العادل.
أمام ذلك، أعني أمام الجموح الأميركي الحالي في مساعيه المعروفة لانتزاع الفرص من أجل (أميركا أولا) يظل الأمل الوحيد في إيقاف التقهقر الذي أصاب العالم خط شروع لجهود المجموعة الدولية من أجل الرهان على سياسات جديدة تلتزم العمل الدولي المشترك طريقا لها.
هناك الاتحاد الأوروبي في محاولاته الجارية لحماية مصالحه المشتركة وتعهداته وشراكاته مع كيانات ودول بعيدا عن المظلة الأميركية، وهناك دول البريكس بما تمثل من مساحة جغرافية ونفوذ ونشوء متقدم، وما تعتمد من شروط التكوين المؤسسي الدولي المشترك فإنها يمكن أن تكون قوة ضاغطة في التعاهد الدولي، وهناك الدول النامية التي تعول على قدراتها الوطنية بعيدا عن الإملاءات الأميركية، وهناك قوى داخل الولايات المتحدة الأميركية تجد في استفحال التخويف وسيلةً غير ناجعة لتكريس النفوذ.
المهمة صعبة جدا ولكنها ليست مستحيلة، وأولى موجباتها إشعار إدارة الرئيس ترامب بالخطأ الذي ترتكبه، وأن الإخلاص لأميركا أولا ليس في تصعيد الخصومات، بل بالامتناع عن فرض الوصاية، وأن تدرك بعض الدول التي تستخدم الحماية الأميركية مظلة لها بأن مفهوم الحماية القائم على الولاءات المطلقة يمثل إخلالا بالسيادة، وإذا كان قد تحقق بعض الاطمئنان في ذلك فإنه سيكون ضعيفا في صحفات مستقبلية مقبلة مع تغير وسائل المصالح.
إن الجمعية العامة للأمم المتحدة ينبغي أن تعطي للإطار التعاهدي الدولي حيزا من التداول للوصول إلى نتائج حاسمة، وعندها سيكون للنفوذ التضامني أثره في المشهد الدولي.