[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/abdellatifmhna.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عبداللطيف مهنا[/author]
من على منبر الأمم المتحدة أطلق ترامب بامتياز بداية لها ما بعدها من حرب استقطاب كونية غير معهودة منذ أن وضعت الحرب الباردة أوزارها بعيد تفرُّد الولايات المتحدة بآحادية القطبية بانهيار الاتحاد السوفيتي، والتي بدأت الآن تفقدها شيئا فشيئا، وما ترامب والترامبوية إلا بعض نتاج إحساسها بهذا الفقدان...بدا ترامب غير راضٍ في عالمه إلا عن إسرائيله، وربما بعض عربه.


من على منبر الأمم المتحدة خاطبت الترامبية الأميركية العالم كله. كان ترامب هو ترامب، وكان المعبّر بأمانة عن أميركا الترامبوية، كان النسخة الأوضح والأخيرة لهذه الأميركا. تضمن خطابه بلا لبس ما عنى أن هذه الولايات المتحدة التي انتخبته وتتحدث إدارته الآن باسمها، لم تعد تعترف بذاك الذي كان وإلى حينه "النظام الدولي"، هذا الذي كانت هي من بين من أنشأوه وفرضوه خلال الثلاثة أرباع قرن المنصرمة والآن لم يعد يناسبها. وبالتالي لكم أن تقولوا إنه من الآن فصاعدا يمكنها سحب هذا العدم اعتراف انتقائيا على كل ما لا يلائمها من مترتبات ذاك النظام البائد، أو أيٍّ من مضامين تلك المصطلحات العتيقة التي كانت تدعى الأعراف، والمثل، والمواثيق، والقوانين الدولية.
كان ترامب في خطابه عادلا على طريقته إياها، حين يحرص على توجيه رسائله أولا لقاعدته الانتخابية، لا سيما وأن بلاده مقدمة على انتخاباتها النصفية، وتشهد انقساما غائرا لم تشهد له مثيلا، وثانيا، إلى كل من يهمه الأمر في الخارج. وهو إذ كان في غالب تغريداته يتوجه إلى أميركانه هؤلاء، فهو في خطابه هذا أفاض في الحالين فلم يترك من يعتب عليه لا داخلا ولا خارجا.
لندع جانبا إفاضته في سرد ما يراها منجزاته التي عمت بركاتها بلاده والعالم خلال عامي وصول إدارته للبيت الأبيض، أو ما قوبل بالضحك والهمهمة من قبل من كانوا يستمعون إليه في المحفل الدولي، وسنجد أنه من على منبر الأمم المتحدة قد أعلنها حربا اقتصادية كونيةً في أربع جهات الأرض، بدءا بمن يعتبرهم خصوما، كالصين، وروسيا، وإيران، وحتى حلفائه أوروبيين وأطلسيين وجيرانه في أميركا الشمالية، مرورا بدول الأوبك، والتي أغلبها إن هي ليست خصما ولا حليفا بالنسبة له، فتابعةً أو هي له وليست عليه.
بيد أن الأمم المتحدة، التي يصول ويجول من على منبرها، والتي كانت وما زالت رهينة بلاده مكانا وقرارا، وتبدو أحيانا وكأنما هي دائرةً ملحقةً بوزارة خارجية بلاده، فنالها جزء غير قليل من سهام حربه الضروس على ذاك النظام الذي يستخفه ولم يعد يعترف به. لم يوفّر أغلب وأهم مؤسساتها، اليونيسكو، الأونروا، مجلس حقوق الإنسان، محكمة الجنايات الدولية، ناهيك انسحاب بلاده من اتفاقات دولية، كاتفاقيتي المناخ والملف النووي الإيراني، كما وأعلنها وبالأميركاني الفصيح، لا من مساعدات من بلاده بعد اليوم، إلا لمن يواليها ويؤيد سياساتها ويقدّم فروض التبعية لها، وقبل هذا وذاك، ألا يقترف شبهة إنكار مبدأ عصمة إسرائيله وتنزيهها واعتبارها فوق المساءلة، وإنها مهما ارتكبت فتجل عن الانتقاد.
من على منبر الأمم المتحدة أطلق ترامب بامتياز بداية لها ما بعدها من حرب استقطاب كونية غير معهودة منذ أن وضعت الحرب الباردة أوزارها بعيد تفرُّد الولايات المتحدة بآحادية القطبية بانهيار الاتحاد السوفيتي، والتي بدأت الآن تفقدها شيئا فشيئا، وما ترامب والترامبوية إلا بعض نتاج إحساسها بهذا الفقدان...بدا ترامب غير راضٍ في عالمه إلا عن إسرائيله، وربما بعض عربه.
هنا نأتي إلى ما خص به بلادنا وجوارها، فهو إذ لا يترك مناسبة دون تأكيد عدوانيته المستمرة تجاه سوريا، وسبق وأعلنها حربا اقتصادية على إيران، يعلنها اليوم أيضا حربا سياسية وعسكرية على الأخيرة، فيدعو لناتو عربي قوامه دول لم تسلم سابقا من ابتزازه ولن تسلم لاحقا، وحدد له مهمتين: مواجهة إيران، وكل من يهدد مصالح بلاده في بلادنا. ولم يمنعه هذا من شن حرب على منظمة "الأوبك"، التي من المفترض أن يعتمد هذا الناتو على دول هي من أعضائها، محملا هذه المنظمة مسؤولية زيادة أسعار النفط، ومطالبا إياها بالعمل على خفضها، ويتوعدها بأنه لن يتسامح معها إن لم تفعل.
فلسطينيا، لسنا في حاجة لأن نتحدث عن تباهيه فائق القبح بنقل سفارة بلاده للقدس معتبرا نقلها فعلا داعما للسلام، وقبله الاعتراف بها عاصمةً لمحتليها الغزاة. ولا تصريحاته مع نتنياهو لاحقا المتعلقة بصفقته التي سيعلنها بعد أشهر، فيما بدا منه ردا على إبداء أبي مازن في باريس استعداده لمفاوضات "سرّية وعلنية" مع نتنياهو، وما وازاه وبغير صدفة من حملة شنها الأوسلوستانيون على "وحدات الإرباك الليلي"، مستجد الابتكار النضالي المضاف لإبداعات "مسيرات العودة"، باعتبارها تضر بصولة أبي مازن في حلبة الأمم المتحدة، هذه المتمثلةً في خطابه الذي سمعناه لاحقا...أمن جديد؟؟!!
تكفينا الإشارة إلى البهجة التي عمت الكيان الاحتلالي لتبني ترامب كليا الرؤية الصهيونية للصراع وكيفية حله، مقرونا بالشماتة بمن شهد له أولمرت، بأنه "لم يقل لا مطلقا".
...في تحليل تعقيبي لصحيفة "هآرتس" على الخطاب الترامبوي عددت كيله مدائحه لإسرائيله، ومنه خلصت إلى ما يلي:
 إن "الزعيم الفلسطيني كان الأكثر مسكينا من أي زعيم في القاعة" ممن كانوا يستمعون إلى خطاب ترامب، إذ إن الرئيس الأميركي "لم يذكر الشعب الفلسطيني ولو بكلمة واحدة، وعوضا عن ذلك استخدم نقل السفارة إلى القدس كأداة للهجوم على المجتمع الدولي".