القاهرة ـ وكالات:
توفي مساء الثلاثاء الشاعر الفلسطيني سميح القاسم بعد صراع مع سرطان الكبد الذي أصيب به قبل ثلاث سنوات.والقاسم أحد أهم الشعراء العرب والفلسطينيين المعاصرين وهو من شعراء المقاومة الفلسطينية من داخل إسرائيل. ومؤسس صحيفة (كل العرب) ورئيس تحريرها الفخري.
ولد القاسم في مدينة الزرقاء الأردنية في 11 مايو 1939 قبل تسع سنوات من إعلان دولة إسرائيل لعائلة فلسطينية من قرية الرامة القريبة من مدينة عكا في شمال فلسطين التاريخية تحت الانتداب البريطاني.
وأصدر القاسم في مدينة الناصرة عام 1958 ديوانه الأول (مواكب الشمس) ويضم قصائده الأولى ومعظمها موزون ومقفى ويغلب عليها الطابع الحماسي. ويبدأ الديوان بالقصيدة التي جعلها القاسم عنوانا للديوان وتقول أبياتها الثلاثة.."فجر الشعوب أطل اليوم مبتسما-فسوف نغسل عن آفاقنا الظلما. مواكب الشمس قد مارت محطمة-ظلام ليل على أيامنا جثما. ونحن سرنا بها والحق رائدنا-والشمس أضحت لنا في زحفنا علما".
وسجن القاسم أكثر من مرة كما وضع رهن الإقامة الجبرية وتعرض للكثير من التضييق بسبب قصائده الشعرية ومنها (تقدموا) التي اعتبرت تحريضا ضد الاحتلال وتسببت في أزمة داخل إسرائيل بعد تحولها إلى ما يشبه البيان الشعري-السياسي. ويقول في بعض سطورها.."تقدموا.. تقدموا-كل سماء فوقكم جهنم-وكل أرض تحتكم جهنم. تقدموا.. يموت منا الشيخ والطفل ولا يستسلم-وتسقط الأم على أبنائها القتلى-ولا تستسلم. تقدموا.. بناقلات جندكم-وراجمات حقدكم- وهددوا.. وشردوا.. ويتموا.. وهدموا.. لن تكسروا أعماقنا-لن تهزموا أشواقنا-نحن قضاء مبرم".
وللقاسم قصائد حظيت بشهرة في عموم العالم العربي ومنها (منتصب القامة أمشي) التي غناها الفنان اللبناني مرسيل خليفة وتحولت إلى ما يشبه النشيد الشعبي الفلسطيني حيث يقول فيها.."منتصب القامة أمشي-مرفوع الهامة أمشي-في كفي قصفة زيتون¬-وعلى كتفي نعشي-وأنا أمشي وأنا أمشي. قلبي قمر أحمر-قلبي بستان فيه العوسج-فيه الريحان. شفتاي سماء تمطر نارا حينا-حبا أحيان. في كفي قصفة زيتون وعلى كتفي نعشي-وأنا أمشي وأنا أمشي".وزاوج القاسم في كثير من قصائده بين جماليات الشعر ودور الشاعر المحرض ومنها قصيدة (بيان عن واقع الحال مع الغزاة الذين لا يقرأون) ويقول في بعض سطورها.."يا أيها الآتون من عذابكم- لا. لا تعدو العشرة-وغازلوا قاذفة-وعاشروا مدمرة... خذوا دمي حبرا لكم-ودبجوا قصائد المديح في المذابح المظفرة-وسمموا السنابل-وهدموا المنازل-وأطبقوا النار على فراشة السلام-وكسروا العظام-وكسروا العظام-لا بأس أن تصير مزهرية عظامنا المكسرة... من أوصد السحر على قلوبكم؟ من كدس الألغاز في دروبكم؟ من أرشد النصل إلى دمائنا؟ من دل أشباح الأساطير على أسمائنا؟.وحظي القاسم بتقدير المثقفين في العالم العربي وخارجه ونال كثيرا من الجوائز من إسبانيا وفرنسا وفلسطين وآخر تكريماته حصوله عام 2006 من القاهرة على جائزة نجيب محفوظ التي يمنحها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب. والقاسم درزي قاوم التجنيد الذي فرضته إسرائيل على طائفته.
ونعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس الشاعر الراحل. ونقلت عنه الوكالة الفلسطينية قوله "الشاعر القاسم صاحب الصوت الوطني الشامخ رحل بعد مسيرة حافلة بالعطاء والذي كرس جل حياته مدافعا عن الحق والعدل والأرض."
وفي هذا الإطار أصدر بيت فلسطين للشعر بيانا له جاء فيه: بمزيد من الحزن والأسى وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره ينعي بيت فلسطين للشعر بمجلس إدارته ومشرفيه الشاعر الوطني الكبير سميح القاسم أحد أهم وأشهر الشعراء العرب والفلسطينيين المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر المقاومة ومؤسس صحيفة كل العرب ورئيس تحريرها الفخري الذي توفي الثلاثاء 19/8/2014 بعد صراع مع المرض ، وبيت فلسطين للشعر إذ ينعي بيتا شامخا من قصيدة الوطن جعل من صوته الشعرى صرخة في المدى تحمل همّ قضيته الوطنية، و رسالة حق لكل الشرفاء في العالم، تضع أيديهم على جراح شعب عظيم لا زال يسعى لنيل حريته وكرامته فإن عزاءنا في إرثه الوطني ثقافيا وشعريا ، هذا الإرث الذي كان في خدمة قضية فلسطين، وسيظل نبراسا للأجيال يضيء لها الطريق"
وكان القاسم يشكل مع مواطنه محمود درويش جناحي طائر ووصفا بأنهما شطرا البرتقالة. وفي منتصف الثمانينيات تبودلت بينهما رسائل نشرت أسبوعيا ثم جمعت في كتاب (الرسائل) الذي يعد من عيون النثر العربي. كان القاسم في فلسطين ودرويش في باريس وكتب له في في ختام إحدى الرسائل "أرى وجها للحرية محاطا بغصني زيتون... أراه طالعا من حجر. أخوك محمود درويش – باريس 5 أغسطس 1986".وخاطبه درويش في قصيدة يقول في بعض سطورها "أما زلت تؤمن أن القصائد أقوى من الطائرات؟ إذن كيف لم يستطع إمرؤ القيس فينا مواجهة المذبحة؟ سؤالي غلط-لأن جروحي صحيحة-ونطقي صحيح-وحبري صحيح-وروحي فضيحة. أما كان من حقنا أن نكرس للخيل بعض القصائد قبل انتحار القريحة؟ سؤالي غلط-لأني نمط-وبعد دقائق أشرب نخبي ونخبك من أجل عام سعيد جديد جديد".
ومثلما كان الشاعر سميح القاسم الذي غيبه الموت ليل الثلاثاء مقاوما للحكم العسكري والاحتلال الإسرائيلي كان مقاوما للمرض ولم يخف الموت الذي خاطبه خلال صراعه مع المرض قائلا "انا لا احبك يا موت ..انا لا اخافك .. وادرك ان سريرك جسدي.. وروحي لحافك، ..انا لا احبك يا موت.. ولا اخافك". توفي الشاعر الكبير سميح القاسم اثر معاناة مع مرض السرطان بدأت قبل ثلاثة اعوام. وفي نعيها له، قالت الرئاسة الفلسطينية في رام الله "سميح القاسم هو احد اهم الشعراء العرب والفلسطينيين المعاصرين الذي ارتبط اسمه بشعر الثورة والمقاومة". ولد سميح القاسم في مدينة الزرقاء عندما كان يعمل والده ضابطا هناك، وهو اصلا من بلدة الرامة في الجليل من عائلة درزية. رفض سميح الانتماء الطائفي او الديني وقال "سأعيش على دينك ...وأموت على دينك .. يا وطني ..سأرقص حيا ..يا شعبي...سأرقص ميتا ...وسأرقص حرا ...حرا ..حرا في كل ميادينك". درس في الرامة والناصرة واعتقل عدة مرات وفرضت عليه الإقامة الجبرية من القوات الإسرائيلية لمواقفه الوطنية والقومية وقاوم التجنيد الذي فرضته إسرائيل على الطائفة الدرزية. كان سميح القاسم ومحمود درويش من "مؤسسي أدب المقاومة" ولقد أطلق عليه لقب "شاعر المقاومة وشاعر العروبة". تغنى في شعره بعروبته وقوميته كمثل قوله "أنا ذا الفلسطيني شد جراحه ..وطنا يضيء عتمة الأوطان ...وانا شامي وانا مصري... ومن شغف وصلت جزائري بعمان ...وغسلت من ظهر الفرات خطيئتي ...وجعلت روح النيل من كهاني". كتب قصائد معروفة تغنى في العالم العربي منها قصيدته التي غناها مارسيل خليفة ويغنيها كل أطفال فلسطين وتغنى في كل مناسبة قومية "منتصب القامة أمشي .. مرفوع الهامة أمشي ...في كفي قصفة زيتون... وعلى كتفي نعشي، وانا امشي وانا امشي". تبدا مراسيم تشجيع جثمان القاسم اليوم الخميس عند وصوله من المستشفى الى بيت الشعب في الرامة في الساعة العاشرة صباحا،وستنطلق بعدها مسيرة يطوف بجثمانه في البلدة الى الملعب البلدي ويسجى جثمانه هناك وفي الثانية عشرة والنصف لألقاء نظرة الوداع، وفي الثالثة تبدأ المراسم الرسمية وكلمات التأبين والصلاة عليه وسيوارى الثرى. وخصصت لدفنه قطعة ارض على مكان مرتفع في بلدة الرامة تشرف على جبال الجليل وعلى مدينة حيفا وعلى رأس الناقورة، حولها قطعة قد تصبح حديقة في المستقبل. كان سميح متزوجا وأبا لأربعة أولاد هم وطن ووضاح وعمر وياسر. وقال الوزير الفلسطيني الأسبق يحيى يخلف "سميح اختار منذ اكثر من عشرة أعوام مكان دفنه وضريحه. اختار أرضا على تلة قريبة من بيته وأعدها لتكون قبره وحديقته يطل منها على سهول وتلال فلسطين وطبيعتها الساحرة التي خلقها الله منذ الأزل، سميح يذهب هناك ليموت كما تموت الغزلان، لينام هناك مثل حبة قمح تغفو في باطن الأرض الطيبة والحنونة المجبولة بمسك الشهداء". واضاف"رحل سميح القاسم بعد حياة حافلة بالشعر والكفاح وحب الوطن وحب الحياة، وعلى خطى نبضات ودقات قلب الأرض مشى في دروب الحرية، ونثر على الطريق صرخته وناره ورسائل عشقه وصدى غضبه واشتباكه مع المحتل مقرنا الكلمة بالممارسة، رابطا القول بالعمل، والإبداع بالفعل، محملا الكلمة بأكثر مما تحتمل الحروف". اما وزير الثقافة الفلسطيني السابق انور ابو عيشه فقال "سميح القاسم كان مدرسة شعر. عندما ترجمت مقاطع من أشعاره في سنوات الثمانين الى اللغة الفرنسية ادركت مدى ارتباطه بالأرض... هو رجل قاوم المرض مثلما قاوم الاحتلال، هو رجل حق وعدل، رجل مرح بطبيعته". اما صديقه الكاتب محمد علي طه قال عنه"سميح شاعر فلسطيني عربي عملاق اثرى المكتبة العربية والتراث الإنساني بما قدمه من شعر ونثر ومسرحيات". واضاف "هو شاعر إنساني مناضل قصائده تحفظها الجماهير وتتغنى بها. هو منارة ثقافية للأجيال فإذا قرأت شعره قرأت تاريخ الشعب الفلسطيني من اللجوء الى الاعتقالات الى السجن والحكم العسكري ويوم الأرض والاحتلال والمعاناة".
وعن حداثته قال "تمكن سميح من القصيدة بالأوزان والعروض وعمل على تطوير الحداثة في الشعر وما بعد الحداثة وهذا يظهر جليا في أعماله: كولاج الاول والثاني والثالث". واضاف "هاجم سميح الطائفية والحركات الدينية المتزمتة وكان مع الوحدة العربية، ومع الثورة الفلسطينية، وكان صديقا للرئيس الراحل ياسر عرفات والراحلين ابو جهاد وابو اياد، والرئيس محمود عباس وغيرهم من القادة". تنوعت اعماله بين الشعر والنثر والمسرحيات وبلغت اكثر من سبعين عملا بينها اربع روايات. هو احد مؤسسي اتحاد الكتاب الفلسطينيين عام 1989. وتقلد اوسمة عديدة من اكثر من دولة عربية واجنبية اخرها وسام نجمة القدس، اعلى وسام فلسطيني قلده اياه الرئيس عباس، وقبلها قلده الراحل عرفات وسامي القدس. تنشر قصائده بصوته على القنوات العربية والفلسطينية وخصوصا على اثر الهجوم على غزة مثل قصيدة "تقدموا ..تقدموا براجمات حقدكم وناقلات جندكم فكل سماء فوقكم جهنم... وكل أرض تحتكم جهنم".