[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
”المفترض في حالة استمرار انتعاش أسعار النفط أن تكون الأولوية لسد العجز في الموازنات ومن ثم تخفيض نسب الدين, وتعزيز الاحتياطي المالي للدولة ليعود لمستوياته الطبيعية, لأنه شرط أساسي لرفع التصنيف الإئتماني للدول الذي تصدره جهات التمويل الدولية, وارتفاع التصنيف ينعكس بالتالي على حركة الأسواق والمال والأعمال وعمليات التصدير والاستيراد ويحسن بيئة العمل, ويرفع نسب النمو الاقتصادي.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما إن قفزت أسعار النفط فوق الثمانين دولارا, وتواترت التوقعات عن تعدي الأسعار عتبة المائة دولار مع دخول العقوبات الأميركية ضد إيران في نوفمبر القادم حيز التنفيذ, حتى انفرجت الأسارير وسادت حالة من التفاؤل بين كثير من المواطنين والمقيمين في دول الخليج التي ما زال معظمها يعتمد على النفط كمصدر أساسي للدخل.
وراح البعض يمني النفس بعودة الأيام الخوالي التي كان يملأ فيها خزان وقود سيارته بأربعة ريالات, وراح الموظفون ينتظرون اليوم الذي تعود فيه الترقيات والمكرمات والمكافآت وبدلات السفر والراحات والجهود الإضافية التي أصابها الشلل وتوقفت منذ أربع سنوات هي عمر الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن هبوط أسعار النفط.
وتنفس أصحاب الأعمال وشركات القطاع الخاص الصعداء على أمل عودة الإنفاق الحكومي لما كان عليه في العام 2014م وإلغاء الضرائب وتخفيف القيود التي فرضت على استقدام الأيدي العاملة الوافدة, وهلل الوافدون آملين استمرار إقامتهم للعمل في دول الخليج النفطية وإلغاء الرسوم الإضافية التي فرضت على تجديد الإقامة والتأشيرات والمرافقين وعودة شكل الحياة لما كانت عليه قبل الأزمة .. لكل هؤلاء أقول تفاءلوا ولكن بحذر, فكما يقول المثل .. "عمر اللي فات ما حيرجع تاني".
فقد جرت مياه كثيرة في النهر, فالأزمة الاقتصادية التي ألمت بدول الخليج طالت هذه المرة وأحدثت أضرارا هيكلية في البنية الاقتصادية لهذه الدول واضطرت معظمها للسحب من احتياطياتها المالية التي كونتها خلال سنوات الطفرة النفطية عندما تخطى سعر برميل النفط 140دولارا, ولجأت دول أخرى للاقتراض الداخلي والخارجي لتغطية العجز في إيراداتها التي تأثرت بشدة بعد وصول سعر النفط إلى 26 دولارا في يناير 2016م. رغم الأزمة الطويلة حافظت الدول الخليجية على التزماتها المالية تجاه مواطنيها الذين تعودوا على مستوى معين من الرفاهية والخدمات الحكومية عالية المستوى في مجالات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية ودعم السلع الأساسية والأجور والمرتبات المجزية وجهاز إداري حكومي مكتظ بالموظفين وأجيال جديدة من الخريجين تضغط لتوفير فرص عمل بأجور لا تقل عن نظرائهم الذين سبقوهم في الالتحاق بالوظيفة الحكومية.
ورغم إطلاق الدول الخليجية الخطط والبرامج لتنويع مصادر الدخل ومحاولة التخلص من آفة الاعتماد على النفط, والبحث عن مصادر جديدة للدخل, مثل السياحة والصناعة والنقل البحري, إلا أن نتائج هذه المحاولات لم تحقق النجاح المأمول والأرقام التي تم إعلانها عند إطلاقها, ولم يتم تنفيذ معظم المشاريع خلال الفترات الزمنية المحددة ولم تمثل عائدات المنفذ منها سوى رقم هزيل في الدخل القومي للدول النفطية.
ربما هذه المشاريع تحتاج إلى الاستمرارية والوقت ليظهر مردودها, والتجارب الدولية تشير إلى أن الاتجاه للتنويع الاقتصادي في زمن الأزمة غير مجدٍ وكان الأولى الاتجاه للتنويع في وقت الرخاء والوفرة النفطية, لأن المشاريع التنموية الجديدة تحتاج تمويلا ورؤوس أموال حكومية تضخ فيها حتى تقف على رجليها وتؤتي ثمارها, ولكن في زمن الأزمة يتعثر التنفيذ نتيجة شح التمويل, كما أن الاستثمار الأجنبي "جبان" لا يأتي إلى دول تعاني العجز والأزمات وعدم اليقين, مهما وفرت هذه الدول من حوافز لجذب المستثمرين وقدمت تسهيلات وخدمات, لذلك نجد الدول الغنية مثل أميركا والصين وألمانيا هي الأكثر استحواذا على الاستثمارات الأجنبية, لثقة المستثمر في قوة الاقتصاد وزيادة فرصته في تحقيق العائد والأرباح.
ويظل السؤال الصعب, هل تمضي دول الخليج قدما في تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي التي شرعت فيها من ضغط للإنفاق الحكومي والتخلص من الدعم وفرض ضرائب على الدخل وتنويع مصادر الدخل مع اقتراب سعر برميل النفط من الـ100 دولار, أم تعود إلى السياسات التوسعية في الإنفاق والرفاهية.
المفترض في حالة استمرار انتعاش أسعار النفط أن تكون الأولوية لسد العجز في الموازنات ومن ثم تخفيض نسب الدين, وتعزيز الاحتياطي المالي للدولة ليعود لمستوياته الطبيعية, لأنه شرط أساسي لرفع التصنيف الإئتماني للدول الذي تصدره جهات التمويل الدولية, وارتفاع التصنيف ينعكس بالتالي على حركة الأسواق والمال والأعمال وعمليات التصدير والاستيراد ويحسن بيئة العمل, ويرفع نسب النمو الاقتصادي.
يجب أن نستوعب الدرس ونتعلم من أخطاء الماضي, ونبحث عن الاستدامة في التنمية والموارد, وأن تكون الأولوية للمشاريع التنموية التي تولد فرص عمل حقيقية, وأن نعطي الأولوية لقضية التوظيف, ونرفع وعي الأجيال الحديثة بقيمة العمل والإنتاج وأن نمحو من قاموس الشباب عبارة "حقي في النفط" وأن نستبدلها بجملة "حقي في فرصة عمل شريفة بأجر مقابل عمل", يجب ألا أن نسرف في حماية وتدليل العامل على حساب صاحب العمل, ولا ننحاز لأصحاب الأعمال على حساب حقوق العمال, ولكن لابد أن يكون هناك توازن بين الحقوق والواجبات والقانون واللوائح هي الضمانة لحفظ حقوق جميع الأطراف.
تعافي أسعار النفط سيدعم خطط توطين الوظائف, دون الاصطدام برغبة القطاع الخاص ورجال الأعمال في استقدام الأيدي العاملة الوافدة المدربة الرخيصة, لتحقيق الجدوى الاقتصادية ما دام هناك فائدة من وجودها بشرط أن تكون إضافة للاقتصاد القومي, وليس عبئا على المرافق والخدمات.