[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/aliaklahersan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي عقلة عرسان[/author]
” لا يوجد بين البشر، على امتداد تاريخهم الطويل، أمم متخلفة بالمطلق، ومحكومة بالعجز الحضاري أو بالدونية وبنوع من الجمود.. فلننظر إلى توالي الأمم على الأداء في المدارات والمجالات:"الحَضَرية والمدنية، العمرانية والعسكرية، الثقافية والحضارية، العلمية والتقنية.. إلخ، وسنجد أداء بشرياً تراكمياً شاركت فيه الأقوام والأمم، كل بدور ودورة حضارية، وسنجد ذلك في تداول دول في أمم وبلدان.. ”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليكن اعتقادك كما تشاء أن يكون، كما أملته الولادة، أو بحكم الوعي والإرادة، كن:"يهودياً، بوذياً، مسيحياً، كونفشيوسياً، مسلماً، ملحداً.. إلخ، كن ما شئت، وخذ بما شئت من اعتقاد وتفكير وتنظير وتنظيم.. فهذا شأنك، ومن حقك أن تكون ما تريد.. لكنك، من حيث الماهية، أنت بشر، وشريك لبني البشر في تلك المَاهيَّة التي تعلن اختلافك عن أنواع الأحياء الأخرى .. وصنْوك في هذا الانتماء للنوع هو "الآخر"من البشر، أياً كان لونه، وعرقه، وقامته، وقوميته، ووطنه، وثقافته.. أمَّا من حيث الهُويَّة، فأنت متمايز عن ذاك "الآخر"المطلق، صِنوك في الماهية.. إذ لك:"لغتك، ودينك، واعتقادك، وقوميتك، وثقافتك، وتقاليدك، وعاداتك، ونمط عيشك، وطراز ملبسك، وأسلوب تعبيرك عن الفرح والحزن، وعن تفاعل ذاتك مع الكون والطبيعة والكائنات والذوات الأخرى، وكل ما يدخل في تحديد الهُوية من مقومات. ومن حيث الشخصية، أنت متمايز عن شريكك في الهُوية، فأنت أنت، "فلان بن فلان"، لك اسم، وقوام، وهيئة، وانتماء، وموطن، وقبيلة، وعشيرة، وأسرة، ولك خصوصيات وحقوق وحريات في إطار الانتماء والمواطَنة.. ولك روح وعقل وضمير وقيم وسلوك خاص بك، ولك حرية أن تختار.. فكن ما شئت، وكيفما تشاء.. لكن لا تكن عُنصرياً مأفوناً بالتّفوق الخَلْقي أو العرقي، أو مسكوناً باعتقاد يجعلك فوق شركائك في الماهية والهُوية، أو تَوهّم أو ادعاء بأن الله رفعك فوق الآخرين، واختارك لنفسه أنت وفصيلك من البشر، ومن ثمَّ لم يجعل الآخرين أنداداً لك، بل خَلقاً تستبيحهم، أو تملكهم وما يملكون، وأنه سخَّرهم ليخدموك، بوصفك أعلى منهم "تكويناً خَلْقياً"من فصيلة دمٍ أرقى، ونوع أرقى، تملك ما لا يملكون من تكوين بشري، يجعلك ذا تميُّز بَدئي، وأنهم من جنس أدنى من جنسك، أو أن الله اختارك، فقرَّبك ونبذ الآخرين، وقرر هذا بشأنك وشأنهم، وجعلك ممثله على الأرض، وأعطاك الحق في أن تُصدر أحكاماً باسمه.. إنك حينما تعتقد وتفكر وتتصرف على هذا النحو التمييزي، إنما تختار أن تكون الأدنى، أنت وكل من يعتقدون اعتقادك ذاك، ويفكرون ويتصرفون مثلك، إنكم الأدنى "إنسانياً وخُلُقياً ومنطقياً".. إذ بادعائكم التعالي والتميُّز العِرقي، أو الكذب، باسم الله وعليه، بأنه رفعكم وخفض الآخرين، قرَّبكم وأبعد الآخرين.. إنما اخترتم عنصرية بغيضة ومدمرة، ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يقرها عقل، ولا يقبلها ذو علم.. وبهذا الادعاء أو الافتراء، اخترتم الانحطاط عن جهل مطبق، وتنكرتم لماهية البشر، وكذبتم على الله والناس، وتجاوزتم الطبيعة التي فيها جوهر كينونة البشر كافة، ويكمن فيها ما يكون إنسانية الإنسان وقيمه.
نعم.. هناك فروق بين البشر، لكنها فروق تفرضها البيئة الجغرافية والمناخية، تفرضها ظروف العيش والمحيط الاجتماعي، وتتداخل فيها عوامل مؤثرة كثيرة، منها:"العقيدة، والتربية، والتعليم، والمعطيات الحياتية والحيوية الأخرى.. فيكون هناك تمايز بين البشر في:"الهوية، والمعرفة، ومستويات العيش، والتفكير والتدبير، وفي القيم والسلوك"، وتلك التمايزات ليست من جوهر ماهيتهم، ولا تتصل بتكوينهم الخَلْقي، إنها فروق تسبب اختلافاً بين البشر، وتفرض على الجماعات والأشخاص ما قد يقبلونه وما قد لا يقبلونه أو يطيقونه .. ولكنها ليست معطيات حاكمة بصورة مطلقة وأبدية تجعل من قطاعات بشرية معينة حالة جامدة على نمط، ومحكومة بحكم، وممهورة بختم يتعذر انتزاعه..ولا تعني عنصرية تتأتى من تكوين طبيعي، ومن ثم فإن هذه الحالات والأوضاع لا تسوِّغ لمن لا يعيشون تلك الظروف، ولا يتعرضون لتلك الأوضاع، أن يعلنوا أنفسهم فوق الآخرين خَلقاً وتكويناً بشريين طبيعيين، ولا بأي شكل من الأشكال.. فالحياة حركة، والحركة تحمل التغيير.
فليستيقظ من يستيقظ، وليعلم من يعلم، أننا بشر نشترك في المَاهية، سواء أكنا "ابناء آدم وحواء"، أم جئنا من تطور "السلالات الصاعدة من الماء وطين الأرض ومكونات الحياة فيهما".. نعم إننا نتمايز، ويختلف بعضنا عن بعض من حيث الهوية والانتماء والقدرات الخاصة والتحصيل المعرفي، وتلك قدرات وملكات وطاقات وجهود وظروف مرتبطة بعوامل حياتية، لكنها ليست قدَراً مقدوراً.. إن من مصلحتنا، أفراداً وشعوباً وأمماً، أن ندرك ذلك جيداً، وأن نكون على درجة من الفهم والاحترام والقبول، أحدنا للآخر، ومن ثم نتعايش، وتنمو بيننا العلاقات والقيم الإنسانية التي تجعل من المتفاوتين في القدرات والأفكار والأقوال والأفعال والسلوك، متعاونين وشركاء في الشرط الإنساني والمصير الإنساني، ويحدد مراتبهم وتراتبياتهم معيار قيمة سليم، فيرتفع مقدار الأنفع للناس، فوق مقدار غير النافع، وفوق من يضرهم بطبيعة الحال .. وتلك مَراقٍ في معارج الأداء، والأخلاق، والعطاء الإنساني .. وليست تصنيفات عنصرية..
لا يوجد بين البشر، على امتداد تاريخهم الطويل، أمم متخلفة بالمطلق، ومحكومة بالعجز الحضاري أو بالدونية وبنوع من الجمود.. فلننظر إلى توالي الأمم على الأداء في المدارات والمجالات:"الحَضَرية والمدنية، العمرانية والعسكرية، الثقافية والحضارية، العلمية والتقنية.. إلخ، وسنجد أداء بشرياً تراكمياً شاركت فيه الأقوام والأمم، كل بدور ودورة حضارية، وسنجد ذلك في تداول دول في أمم وبلدان.. يحقق طفرات إبداعية وإنتاجية، ويصب في مجرى النهوض بالإنسان في تلك المدادرات والمجالات، ويغني الحضارة، ويدفع باتجاه الرقي والتقدم.. ويشير إلى إغناء مسيرة البشر في انتقالهم الطويل الطويل المكلف جداً، من الكهوف والمغاور إلى الغابات وضفاف الأنهار، من التنقل الدائب إلى التوطن الساكن، من الصيد والقنص إلى الرعي والزراعة، من العُري إلى الملابس، من القرية إلى المدينة، ومن بيوت الطين إلى ناطحات السحاب.. ومن الظلمة إلى النور، بالمعاني الأشمل للظلمة والنور.. وسنجد أن كل الأمم، على مدار الوجود البشري، وفي أماكن وجودها ونهوضها وجولانها في أرض البشر، منذ ما قبل التاريخ إلى ما بعد الكتابة والأبجدية والتأريخ.. قد سجلت حضوراً من نوع ما، في مدار أو مجال حياتي وحيوي بدرجة ما.. لا يوجد أمة ترسخت فيها عطالة مُطلقة ودائمة، ولا يوجد أمة تكلَّست في العبودية والتخلف والتبعية، كل قدَّم للإنسانية والعلم والحضارة، ما ساهم إغنائها، أو في استفادتها من أداء ودروس وعِبَر مرت بها أمم أخرى أو تسببت بها.. من الفراعنة إلى السومريين والأكديين والكنعانيين، ومن الصينيين إلى الهنود، ومن الفرس إلى اليونانيين، ومن الرومان إلى العرب، ومن المغول إلى البربر، ومن الأفارقة إلى الأوروبيين والأميركيين.. ومن.. ومن.. كلٌ تحرك، وأنتج وقدّم ما قدم .. وكل الأمم أيضاً أصابها ذبول مدني وحضاري، وهبطت ثم استأنفت سعيها لتحقيق حضور وتمايز فعال، وسعت للنهوض من كبوات .. وكل أمة ارتفعت وارتفع أداؤها الحضاري في زمن نتيجة ظروف، وانحسرت وتقلص دورها وأداؤها العلمي والثقافي والحضاري نتيجة ظروف أيضاً .. إذن كل البشر مؤهلون للعطاء والتقدم والإبداع، حين تتوفر لهم الظروف والإمكانات والإرادة والوعي والقيادة.. وعلى هذا فإنه لا توجد طبيعة بشرية موصومة بالعجز والتخلف "خَلْقياً وعرقياً"، إنما توجد ظروف معوّقة للإبداع أو مغيبة له، تسبب التخلف أو عدم المشاركة في الأداء الحضاري البشري بدرجة ما، أو الشقاء والبؤس بدرجات.. وتوجد للأسف، عنصرية كريهة مزمنة متكلسة ومنزرعة في التعصب، تعمل باتجاهين رئيسين:
١ -الاتجاه الأول:الافتراء والدعاء، اللذين يطالان الله والبشر، ويصبان في اعتقاد "كتابي"، يزعم أهله العنصريون بأن الله - جل جلال الله وتنزَّه عن ذلك - جعلهم "شعباً مختاراً؟!"، فقربهم وأبعد الآخرين، بل وأباح لهم دم أولئك الآخرين "الغوييم"، ومالهم، وأملاكهم، وأعراضهم .. وأنه إنما خلقهم على صورة البشر، الإنسان "ليكونوا لائقين بخدمة المختارين، أبناء الشعب السوبر"؟! وأن كل ما يعنيه وجود أولئك "الغوييم - الأمم"ومعتقداتهم، وأداؤهم كافة، هو هُراء في هُراء، لولا إشراف أبناء الشعب المختار عليهم، وتوجيههم هذه الوجهة أو تلك؟!…
٢ -أمَّا الاتجاه الثاني، فالعمل على تشويه صورة الآخرين وتاريخهم، وسرقة جهودهم، وطمس دورهم ومشاركاتهم الحضارية، والعمل على جعلهم ينسون كل ما لهم من دور وإنجاز وإنتاج يصب في المجرى الحضاري والإنساني.. وتشويه معتقداتهم ورموزهم وثقافاتهم، وإبقاؤهم في غيبوبة معرفية ووجودية إن أمكن، أو تبعاً.
ولإحكام فعالية العمل في هذين الاتجاهين الرئيسين، ولضمان فعاليتهما وانتشارهما وديمومتهما، يُحكِمون قبضتهم على المَال والإعلام ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ويسعون للنفوذ في مراكز امتلاك القوة الفتاكة، ويعملون على أن يملكوا منها ما استطاعوا، وأن يزجوا الآخرين في حروب لصالحهم.. فدمهم غالٍ ودم الآخرين رخيص، والمال عند اللزوم يشتري رؤوساً ويملأ أفواه الباكين على الضحايا. ومن سياساتهم المعتمَدة في أدائهم الشيطاني الإجرامي الشرير، أنهم يرفعون شأن من يمارسون التضليل الفكري، ومَن ينالون من شعوبهم وأممهم، "شعوب الغوييم وأممهم"، ومن العقائد والثقافات والإنجازات الحضارية التي لتلك الأمم، ويفتحون أبواب الضلال، وينشرون الانحلال والدعارة، ويعملون على إفساد الآخرين.. ويركزون حملاتهم الشريرة القتالة على كل من يعريهم ويجابههم بموقف، ويطالهم بكلام، فلا يعود أحدٌ "يجرؤ على الكلام"، ورحم الله السناتور بول فندلي PaulFindle، وهم يشنون حملات مدروسة وناجحة على كل من يرون فيه قدرة على إخراج نفسه وإخراج آخرين من دائرة فتكهم.. ويفتحون أبواباً واسعة لشبكة الادعاء والافتراء والتشويه تلك التي يمارسونها ضد الآخرين..؟! أظن ألا أحد يجهل من هم أولئك العنصريون الذين يدّعون أنهم ضحايا، وهم في حقيقتهم مجرمون قتلة، ويدعون كل فضل لأنفسهم، وينسبون كل إنجاز حضاري لهم.. حتى أن أشدهم عنصرية وإجراماً، أراد بكلام ممجوج "أن ينتزع من الفراعنة المصريين بناءهم الإهرامات"، فادعى أنهم هم الذين بنوها؟! أتذكرون مناحيم بيغن؟! إن أولئك هم الذين اختاروا أن يتبؤوا الدرك الأسفل في سلم الانحطاط البشري، بتنكرهم للماهية البشرية المشتركة، واصطنعوا لأنفسهم "هوية"بمقومات عنصرية، فزعموا أنهم فوق الآخرين، وأنهم يتميزون "عرقياً وقومياً"على الأمم "الغوييم"، باختيار الربّ لهم "شعباً له"! وجعلوا من تاريخ ملوكهم لأكثر من ألف سنة كتاباً مقدَّساً، ألزموا به أتباع نبي أرسله الله ليخلص الناس منهم، وليطردهم من الهيكل، بوصفهم "أولاد الأفاعي".. إنهم العنصريون القَتَلَة، المُفسدون في الأرض عبر التاريخ، ويناصرهم من يعتقد اعتقادهم، ومَن يرى نفسه عنصرياً مثلهم، ومَن يدعمُهم ويواليهم ويتحالف معهم ويعزز قدراتهم، ومَن لا يجرؤ على الكلام الذي يفضحهم، ويظهر حقيقتهم.. إنهم الصهاينة، القَتَلة بامتياز، والعنصريون بامتياز تاريخي مُسجل، ملكية قطعية لهم وحدهم، لا يجوز لأحد أن ينازعهم فيها.. تلك حقيقتهم.. وتلك حقيقة علينا أن نصدَع بها، فالجهر بالحقيقة والانتصار لها واجب.