[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
أما بقية أتباع ومؤيدي "الأسطورة الآرية"، أي هؤلاء الذين يؤمنون بتفوق الأمم الشقراء مقارنة، بالسمراء (خصوصا الشرق أوسطية)، أي الأمم "السامية"، فإنهم يوظفون الشرق لهذا الهدف، دليلا على تفوق العقل الآري (المادي، الرياضي، التطبيقي)، على العقل السامي (الروحي، الخيالي، المؤمن بالغيبيات)، وهكذا.

بعد عقود من تكريس المرء ذاته وفكره لبحث ودراسة "الاستشراق"، طرائقه، أعمدته، ونقده، يتمكن المرء من توظيف عدد لا بأس به من الأدوات التي تمكنه من رصد وتحليل ما ينبغي أن يطلع عليه "أبناء الشرق" من أمثاله هو شخصيا، ومن أمثال أقرانه، خصوصا في الشرق العربي الإسلامي.
وللمرء أن يلاحظ في هذا السياق، أن شرقنا، العربي الإسلامي، إنما يقفز إلى لب العقل الغربي الذكي في مناسبات معينة يعينها وليس على نحو يطفو على تيار الزمن هاجسا، فهذا العقل يفكر بنا عند الحاجة إلى المقارنات والمقاربات، خصوصا بضمن جهود تقييم الذات. لذا، يمثل الشرق في دواخل هذا العقل عند شعور الأخير بالحاجة إلى نماذج ومثل يمكن القياس بواسطتها. لذا، يقتنص الشرقيون مثل هذه الحالات لمقاومة النكوص والتراجع. هذا بالضبط ما حدث في حالات الإعجاب بشخصية الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أو بسواه من شخوص التاريخ العربي الإسلامي البطولية.
وفي حالات أخرى، يوظف العقل الغربي هذه المثل والشخوص والمنتقى من القصص العربي الإسلامي التاريخي بهدف تجهيز مجتمعه بعلاجات لأمراض أو لمشاكل معينة، كما فعل "واشنطن إرفنج" Irving، أبو الأدب الأميركي، عندما وظف قصة الانقسام بين مسلمي الأندلس، على معسكرين متصارعين فيما بينهما، من أجل تحذير أميركا من الانقسام الذي سبق الحرب الأهلية الأميركية، بين الشمال والجنوب هناك.
أما الأكثر تقدمية وإنسانية من المفكرين، أي رجال من نوع "وليام موريس" Morris فانه ارتجع إلى إرث بلاد الرافدين والنيل القديم لانتقاء ثم تحليل طرائق الإنتاج والعمارة التي اتبعها القدماء، دلائل على أن الحضارة الآدمية إنما هي سلسلة لا منقطعة، تنطلق من العصور القديمة حتى عصرنا الراهن هذا، الأمر الذي يمنع المفكر المنصف من استثناء حضاراتنا القديمة على سبيل تجاهلها وعزلها، جريا وراء أسطورة التفوق الأوروبي المتواصل، مقارنة بسواه في القارات الأخرى، كآسيا وإفريقيا.
أما بقية أتباع ومؤيدي "الأسطورة الآرية"، أي هؤلاء الذين يؤمنون بتفوق الأمم الشقراء مقارنة، بالسمراء (خصوصا الشرق أوسطية)، أي الأمم "السامية"، فإنهم يوظفون الشرق لهذا الهدف، دليلا على تفوق العقل الآري (المادي، الرياضي، التطبيقي)، على العقل السامي (الروحي، الخيالي، المؤمن بالغيبيات)، وهكذا. هذا بالضبط ما فعله المفكر الفكتوري العملاق "ماثيو آرنولد" Arnold عندما حاول شطر الدين الإسلامي، ذلك الدين السامي أصلا، إلى نصفين، بعد أن استجاب، نظاما روحيا، هذا الدين للعناصر الذهنية والذوقية العنصرية من الآرية دواخل الأمم الأعجمية، سوى السامية، التي اعتنقته.
وعود إلى موريس Morris الأكثر ميلا للأممية المنقاة من التعصب، فإنه قد حاول أن يبرهن على أن تاريخ الفن (خصوصا العمارة) إنما يفرز صراعا طبقيا بين "فن الشعب" و"فن النخبة"، الأول هو الفن الحق، والثاني هو ذلك الفن حبيس صالونات الأغنياء وبلاطات الحكام.