[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
”... في هذا الإطار ليس من الحكمة والأمل أن يتم التعويل على اليسار العراقي؛ لأنه الآن في العناية المركزة ويقترب من الموت السريري، ولقد قلت في أكثر من رؤية سابقة بعنوان مجلس عزاء لليسار العراقي فأزعج هذا التشخيص بعض الأصدقاء المحسوبين على هذا اليسار، ولكن ما أكد تشخيصي مجددا الانتخابات البرلمانية الأخيرة وكيف ارتصف هذا اليسار مع قوة دينية ليس لها من هدف إلا إعادة إنتاج نفسها.”

للوهلة الأولى، يسيطر بعض الاعتقاد أن لا جدوى من التعويل على نخب الطبقة الوسطى في إحداث التغيير الحقيقي لتحرير المجتمع العراقي من تغول الإسلام السياسي والورم العشائري وما يتصل بهما من طفح وأكزيما للتسلط والفوضى وتكريس الحلول المهلهلة، والاعتياش على الوعود، مجرد وعود، ولكن مع تعمق الرؤية بشأن ذلك لا بد أن نكون في صميم استنتاج أن الفرصة في (تحرير) العراق مما عليه الآن من تلاطم طائفي ومناطقي بمسوح مختلقة تكمن أصلا في انتزاع هذه النخب التي يصل تعدادها إلى حدود مليوني عراقي وقابلة للزيادة أي تحريرها من ضغط الاحتواء والاستلاب الذي نحن عليه الآن بالنسختين، الإسلام السياسي والورم العشائري وما يتماهى معهما من قوى علمانية تعاني القصور السياسي وتحاول أن تجد لأقدامها أماكن آمنة في السلطة القائمة وكأنها هنا تحاول أن تستنسخ تجربة بعض دول أميركا اللاتينية في عقود مبرمة بين كنائس وقوى مناوئة للهيمنة الأميركية هناك مع وجود فارق جوهري يمنع التماثل بين التجربتين.
إن مهمة انتزاع تلك النخب بما تمثل من أطباء ومهندسين وطلبة وموظفين مهنيين وعسكريين ومثقفين عاطلين عن العمل وتجار حقائب تحتضنهم أرصفة الشوارع هروبا من توحش الأسواق، أقول إن مهمة انتزاع هذه النخب مهمة محفوفة بالعديد من الإحباط، فهناك أسماك قرش سياسية لا تكتفي بتجريح خصومها بل تجيد مهنة القضم (الاحتواء)، وهناك التهديدات المستمرة ضد هذه النخب على إيقاع (مطلوب عشائريا) إلى الحد الذي جعل هؤلاء (المطلوبين) يلجأون إلى الانكفاء على مهنهم وتكريس فرديتهم ضمن إطار الأنا المغلقة التي يتم التحذير منها دائما، وفي إطار ذلك أيضا ليس من الحكمة والأمل أن يتم التعويل على اليسار العراقي؛ لأنه الآن في العناية المركزة ويقترب من الموت السريري، ولقد قلت في أكثر من رؤية سابقة بعنوان مجلس عزاء لليسار العراقي فأزعج هذا التشخيص بعض الأصدقاء المحسوبين على هذا اليسار، ولكن ما أكد تشخيصي مجددا الانتخابات البرلمانية الأخيرة وكيف ارتصف هذا اليسار مع قوة دينية ليس لها من هدف إلا إعادة إنتاج نفسها.
لقد كنت أحد المدعوين إلى محاضرة ألقاها الصديق الدكتور خالد المعيني رئيس مركز دجلة للدراسات الاستراتيجية في بغداد خلال هذا الأسبوع، وجاءت بعنوان مغر عن دور الكفاءات الوطنية في بناء الدولة وتضمنت عناوين فرعية أجد نفسي متحفظا عليها.
على أي حال الدكتور المعيني يعول على دور الطبقة الوسطى في انتزاع الفرصة من السطوتين السائدتين، الإسلام السياسي والورم العشائري وما يتماهى معهما من كتل إثنية ومناطقية.
الباحث الدكتور المعيني لم يزعم لنفسه أنه يقدم حلولا جاهزةً لا غبار عليها في مواجهة التحدي السياسي القائم، وإنما عرض خلاصة قراءة ميدانية وجدها ضرورية للبناء عليها ومن جملة الطروحات التي وردت على هامش المحاضرة دعوة أحد الحاضرين للدكتور الباحث إلى تطوير رؤيته باتجاه الاعتماد على الخيرين العراقيين وهذا بحد ذاته عنوان فضفاض لا يمكن تحديد معالمه.
الخلاصة هناك الكثير من الغموض في الكيفية التي ينبغي أن نواجه فيها فساد الطبقة الحاكمة، فهذا الفساد لا ينتظر أحدا على حد تصويب وزير العدل اللبناني الأسبق بهيج طبارة، ثم كيف لنا أن نواجه الإسلام السياسي والورم العشائري إذا لم نستطع أن نؤسس للضمير الوطني المشترك فهنا تكمن أكبر التحديات وتلك قضيةً ينبغي الاشتغال عليها بدون هوادة من أجل إعادة تدوير الرأي العام العراقي لمصلحة الأهداف الوطنية العليا والمبدأ التشاركي، إنها مهمة مضنية فهي بحاجة ماسة إلى المزيد من المثابرة.