[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/abdellatifmhna.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عبداللطيف مهنا[/author]
التهافت، بات في الآونة الأخيرة الحديث اليومي المفضَّل للإعلام الاحتلالي، وإذا ما اكتفينا بتصريحين اثنين لمسؤولين صهيونيين بارزين بعيد عودة الأول وإبان وجود الثاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة، نرى إلى أي مدى وصل شائن مثل هذا التهافت، إذ يباهي الأول، وهي ستبي ليفني الغنية عن التعريف، بالتقائها هناك بزعماء عرب ممن لا تقم بلادهم علاقات دبلوماسية مع كيان الاحتلال، رافضةً الكشف عن أسمائهم لسبب واحد، وهو أن ذلك "قد يؤدي إلى ضرر بالأمن القومي" لهذا الكيان.


منذ أن كان بلاء القطرية في دنيا العرب...بدايةً بفعل استعماري مباشر، اصطناعا، ورعايةً، سايكس بيكو مثالا، تلاه دائب تمكين الزمن، وحرص أغلب النخب الحاكمة، فيما كان يعرف بالنظام العربي الرسمي، لترسيخ وتأبيد كياناتها المعنونة لشظايا ومزق الأمة المجزأة...كان هناك دائما مقولتان أثبت الحال والمآل صوابهما وظلتا تلازمان وتباريان حلم الوحدة العربية الدائم... مقولتان لم تقو القطرية المستشرية، ولا رعاتها الدائمون في الخارج، ولا مكرّسوها من تابعيهم في الداخل، من تغييبهما. وطبيعي أن كان هذا الداخل التابع كما هو عليه الآن ولا يزال، نخب تسلَّطت، وأخرى مثقفة وظّفتها الأولى وعلى باطلها اعتاشت، وشرائح اجتماعية في كنف عاهاتها نمت وتكوَّنت. وكان طبيعي أيضا فشل تغييبهما، لاقترانه بفشل آخر هو عجز ذاك التمكين عن وأد حلم الوحدة الكامن في وجدان أمة مستباحة بدونها وكسيرة...هاتان المقولتان هما:
الأولى: إن قضايا الأمة، أكبرت أم صغرت، ليس من الممكن ولا الصائب تجزئتها، كما أن نهوضها من عدمه هو رهن وحدتها من عدمها. والثانية: إن القضية المركزية لهذه الأمة كانت وستظل القضية الفلسطينية وأم قضاياها، هذه التي لا تحسم لصالحها إلا بتحرير، والذي هو من غير الممكن إلا في سياق نهوض، ولا من نهوض بدون وحدة، ولا من وحدة إلا في مسار صراع هو صراع وجود وضرورة بقاء. صراع كان قائما وسيظل مع عدو وجوده أصلا في القلب منها يعني أمرا ما سواه، تثبته لها ضرورة انفكاكها من راهنها المزري، وما يطرحه عليها تحد ماثل لها، هو أن تكون أو لا تكون.
ولهذا ظللنا نسمع ونردد مقولة أخرى، وهي أن فلسطين كانت وستظل هي البوصلة وشاء من شاء وأبى من أبى، وحيث في مثل انحطاط هذه المرحلة غير السوية من هم يأبون هم الأغلب فيمن هم المتسلطون على قرار هذه الأمة من تابعي أعدائها ووكلائهم بين ظهرانيها، نشهد بؤسها منعكسا في مظهرين توأمين لا ينفصلان ويشدان أزر بعضهما بعضا:
 الأول هو ظاهرة التهافت على التطبيع الرسمي مع العدو، بدايةً مواربةً ومداورةً، وصولا إلى راهن بدايات القفز من تحت الطاولة إلى فوقها، يسبقه عادةً ويمهّد له دافق تسريبات لم تعد تنقطع حول التخادم الأمني معه، وأخيرا، الرقص على معزوفة العدو البديل، ولوجا منه إلى مشروع ترامب الداعي إلى ناتو عربي "لمواجهة إيران وحماية المصالح الأميركية في المنطقة"، بمعنى تعزيز عداوة هذا البديل المزعوم بمسالمة ذاك العدو الحقيقي والوحيد، بل والتحالف معه. 
والثاني، هو في كل ما كان في خطاب رئيس السلطة في الجمعية العامة للأمم المتحدة وبشقيه، التسوُّلي المتمسكن للحلول التصفوية، والتنمُّري والمتوعد بسوء العقاب لغزة المقاومة، ومن أين؟ من على منبر الأمم المتحدة!
التهافت، بات في الآونة الأخيرة الحديث اليومي المفضَّل للإعلام الاحتلالي، وإذا ما اكتفينا بتصريحين اثنين لمسؤولين صهيونيين بارزين بعيد عودة الأول وإبان وجود الثاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة، نرى إلى أي مدى وصل شائن مثل هذا التهافت، إذ يباهي الأول، وهي ستبي ليفني الغنية عن التعريف، بالتقائها هناك بزعماء عرب ممن لا تقم بلادهم علاقات دبلوماسية مع كيان الاحتلال، رافضةً الكشف عن أسمائهم لسبب واحد، وهو أن ذلك "قد يؤدي إلى ضرر بالأمن القومي" لهذا الكيان.
والثاني، تصريح لأيّوب قرا الليكودي، ووزير الاتصال، والمقرَّب من نتنياهو، ومرافقه لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، يصف فيه كنه العلاقة بين نتنياهو وعرب الاندلاق للتطبيع معه: بـ"إنهم ينظرون إليه (نتنياهو) بإعجاب وإكبار، إنهم يتعاملون معه كما لو كان قائدا لهم"...مثل هذا القول من شأنه أخذنا لمقولة لنتنياهو يصف فيها رؤيته للأمر بـ"استراتيجية التطبيع الجوفي"!
بالنسبة لوعيد رئيس السلطة، أكَّده عضو اللجنتين، تنفيذية المنظمة، ومركزية فتح السلطة، والمكفَّل بملف المصالحة، عزَّام الأحمد، منذرا بعقوبات وشيكة على غزة، ربما إثر انعقاد "المجلس الوطني" بعد أقل من أسبوعين، ومن التسريبات ما تقول بأنها: إحالة "جميع العاملين في وزارتي الصحة والتعليم على التقاعد"، وبينهم 90% من الأطباء ذوي الاختصاص، و60% من كوادر التعليم. وتخفيض رواتب موظفي السلطة بشكل انتقائي إلى 40%، علما أن هذه الرواتب قد خفّضت سابقا، إذ يصرف الآن 50% إلى 70% فقط. والتوقُّف والانتقائي أيضا عن صرف جوازات السفر. ووقف صرف ثمن الـ70 ميجاواط من الكهرباء التي تدفع للاحتلال وتقتطع اصلا مما يجبى من ضرائب غزة!
توْأما الانحدار العربي والفلسطيني هذان هما مرد ارتفاع منسوب العدوانية الاحتلالية، ويزيد منها فجور الترامبوية، ليستهولها حتى مجرم من مثل ايهود باراك، رئيس الوزراء، ورئيس حزب العمل، ووزير الحرب، ورئيس الأركان لجيش الاحتلال سابقا، وقبله القاتل بيده للقادة الفلسطينيين الشهداء أبو يوسف النجّار، وكمال عدوان، وكمال ناصر، فيشتكي من كون كيانه قد بات يعمل وفق رؤية "متطرّفة وظلامية، وفي خدمة هذه الرؤية، التي تسعى في نهاية الأمر إلى قوانين عنصرية، وترانسفير يجري منذ ثلاث سنوات".