[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
من العيب القول إن السبب الوحيد للخراب الذي عانت منه تلك البلدان وبلدان أخرى جاء نتيجة مؤامرات خارجية ومصالح دوائر عدوانية ليس إلا، في حين أن كل جفاف العالم لا يستطيع أن يلوث زهرة صبار واحدة لأنها تلتصق بجذورها فيعينها ذلك على الصمود والحفاظ على طراوتها.

أن يكون للحكمة رأس، وأن تكون دلالة هذا الرأس مخافة الله، فعندها يسود الاطمئنان والانسجام مع ما يجري في الحياة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المخافة هنا تعني في أدق ما تعني الرحمة والوداعة والعمل الطيب والرعاية والتصحيح وعدم السكوت على التزوير، والكف عن الانشغال المرضي بالمنافع وليس غير المنافع.
والمخافة تعني أيضا الحث في البحث عما يفيد الناس والترفع عن النكد والكيدية والانتقام وما يلحق الآخرين من أذى متعمد بات مع الأسف قاسما مشتركا للعديد من الأحداث بنسخ اجتماعية وسياسية، بل وثقافية ضمن إمعان متطرفين ظلاميين وأصحاب سلطة يجدون في الكراسي التي يتربعون عليها فرصةً للغواية وعروض الطواويس وتمرير أهدافهم الشخصية.
وهكذا أيضا، المحزن أن يكون للحكمة رأسها ولكنها رأس فارغة من مقتضيات هذه الحكمة، وهنا يكون الفراغ الذهني محشوا بالضغينة والتشفي وصولات الكره وتقديم نزعة الأذى وتلك منافذ الشرور في هذا العالم.
مناسبة هذه المقدمة ما حصل للطفلة العراقية ريماس التي صبت عليها إحدى المعلمات جام غضبها وأشبعتها ضربا مبرحا لمجرد أن هذه الطفلة عثرت بالمعلمة و(صدّعت هيبتها)، بل إن الأفزع والأبشع والأكثر رهانا للتخلف من ذلك أن مدير مدرسة دار الحكمة المكان الذي جرى فيه الحادث ضمن العاصمة بغداد اقترح على أب الطفلة اللجوء إلى الحل العشائري لتسوية القضية بدل أن تأخذ طابعها القانوني لمعرفة صحة ما جرى والتأسيس على الأمر بمقتضاه الجنائي مع ملاحظة أن العراق هو من أقدم الدول المدنية وله شرف أن يتقدم على العديد من هذه الدول في اعتماد القانون طريقا للعدل والإنصاف وتراتب الحقوق منذ عهد الملك حمورابي صاحب أقدم شريعة قانونية على وجه الأرض.
والشيء بالشيء يذكر أن هناك الكثير من الأحداث التي اجتازت منطقتنا العربية كان للشر الذي يتقمصه بعض الأشخاص هو الذي يحكم الإرادات، فبالتشخيص الميداني نجد مشاهد من هذا النوع ضمن الأحداث المريرة التي مرت على العراق خلال ربع القرن الماضي في مزاوجة لم تتوفر من قبل بين الحقد ونزعة الثأر وعناوين التسلط والاحتواء والإلغاء والعزل تحت طائلة أدوار سياسيين على درجة من العتمة الذهنية لا يعرفون ما يمكن أن يصلح مجتمعهم، وإذا عرفوا فإنهم يجانبون الحقيقة ويتطاولون عليها، وإذا كان دانتي قد صنف الكثير من المجموعات التي يمكن أن تحتل طبقات جهنم في رائعته الجحيم، أقول إن أولئك الذين لا يعرفون غير الحقد هم الأكثر (اشتعالا) في ذلك الجحيم.
إن هذا الإمعان السادر في أن تعيش بلدان مثل سوريا ولبنان والعراق وليبيا ومصر واليمن كل هذا الألم والمآسي إذا لم يكن هناك أشخاص من تلك البلدان قد أدمنوا ثقافة القتل والتدمير.
من العيب القول إن السبب الوحيد للخراب الذي عانت منه تلك البلدان وبلدان أخرى جاء نتيجة مؤامرات خارجية ومصالح دوائر عدوانية ليس إلا، في حين أن كل جفاف العالم لا يستطيع أن يلوث زهرة صبار واحدة لأنها تلتصق بجذورها فيعينها ذلك على الصمود والحفاظ على طراوتها.
لقد سارعت تلك المعلمة إلى الانتقام لأن طفلة بريئة تعثرت بها، وكذلك الحال بالنسبة للمعارضة السورية التي سحبت قبل أيام معداتها الحربية الثقيلة من إدلب، في حين أن سؤالا كبيرا يرتسم الآن لماذا امتلكت هذه المعارضة كل تلك المعدات الحديثة وكيف تكون معارضة بالمفهوم السياسي والمنطقي وهي تمتلك دبابات وراجمات ومدافع آلية الحركة وصواريخ من مختلف الأنواع؟ هل هي هنا تثبت سلمية وجودها؟ سؤال برسم الإجابة في مدرسة دار الحكمة وفي إدلب وريف حلب وفي طرابلس الغرب وفي مصراته الليبية وفي العديد من المدن والبلدات ويكفينا أيضا من الإجابة على هذا السؤال ما حصل للموصل الحدباء.
نحن الآن في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة بحاجة إلى رأس حكمة تضمن مخافة الله حقا، وهنا يكون مشروع الإغاثة الأخلاقية قد أخذ طريقه إلى التطبيق.