[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
”... لا مشكلة هامة في طرح موقف أو شعار من نمط (الشعب يريد إسقاط الفصائل)، لكن المشكلة تقع حين يتم استيلاد هذا الشعار واستيراده دون وعي، ومحاولة ترجمته على الأرض عبر اتخاذ مسلكيات وخطوات (عدمية) تفتح الطريق أمام فلتان الحالة الفلسطينية وسيادة منطق الإثارة والتهييج والتحريض غير المسؤول بين بعض القوى.”

جميع الفصائل والقوى الفلسطينية تتحمل ولو بتفاوت مسؤولية الواقع الافتراقي الذي يعيشه فلسطينيو سوريا عن معظم تلك الفصائل. فالفلسطينيون في سوريا كانوا وما زالوا على الدوام في قلب الحركة الوطنية الفلسطينية إلا أن حالة التذمر والابتعاد عن الفصائل التي باتوا يعيشونها منذ زمن يفترض على كل الفصائل العودة لدراسة الأسباب، واستيعاب دروسها على ضوء محنة السنوات الماضية التي انقضت من عمر الأزمة السورية والتي كان من أبرز ضحاياها "فلسطينيو سوريا".
فقد دفعت نكبة مخيم اليرموك وعموم المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية قطاعات واسعة من الناس لانتقاد تلك الفصائل وتوجيه اللوم الحاد لها، بل و"الكفر" بها وبكل ألوانها السياسية والفكرية، من أقصاها إلى أقصاها، والتي غابت، وبتفاوت من فصيل لآخر، دورها المطلوب عن رعاية شؤون الناس بالشكل الفعّال على ضوء حالة التهجير التي أصابت غالبية سكان ومواطني المخيمات والتجمعات الفلسطينية، خلال السنوات التي مضت من عمر المحنة السورية، والتي دفعت بدورها ما يقرب من نحو مائتي ألف لاجئ فلسطيني مقيم ومُسجّل في سوريا للمغامرة عبر البحار والتوجه نحو أصقاع المعمورة الأربع في هجرات اغترابية لنحو ثلاثين بلدا في العالم، خصوصا منها السويد حيث وصل إلى ذاك البلد نحو أربعين ألف فلسطيني سوري خلال السنوات الماضية مُعلنين قيام مخيم يرموك جديد في "دولة السويد الشقيقة" على حد تعبير بعض البوسترات المنشورة على صفحات الفيسبوك من قبل بعض الشبان الفلسطينيين الذين وصلوا مؤخرا للسويد في هجرة قد تكون على الأرجح هجرة نهائية.
إن غياب أدوار القوى والفصائل الفلسطينية، وبشكل أساسي في مخيم اليرموك، دفع الناس لطرح الأسئلة القاسية عن دور الفصائل أمام اللحظات العصيبة التي مَرّت على مخيم اليرموك. فالقوى الفلسطينية وعموم الفصائل موجودة في نسيج المجتمع الفلسطيني في سوريا منذ العام 1965، وموجودة عبر المئات بل الآلاف من كادراتها وعبر مؤسساتها وعبر مقارها السياسية والإعلامية والاجتماعية وغيرها، إلا أنها كانت غائبة بشكل عام عن ساحة الأحداث وعن القيام بدورها الفعلي والعملي المنوط بها. ومن المعلوم بأن هناك خمسة عشر فصيلا فلسطينيا يعمل داخل المخيمات والتجمعات الفلسطينية في سوريا: حركة فتح، حركة حماس، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية/القيادة العامة، طلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة)، حركة الجهاد الإسلامي، جناحي جبهة التحرير الفلسطينية، جناحي جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، حزب الشعب الفلسطيني، الحزب الشيوعي الفلسطيني، حركة فتح/الانتفاضة، حزب الإتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا)، الجبهة الديمقراطية.
حالة اليأس والإحباط الشعبي الفلسطيني في سوريا من دور عموم القوى والفصائل، تأتي أيضا امتدادا لما يجري في بعض بلدان العالم العربي، حيث أصبح شعار "الشعب يريد اسقط الفصائل" مستخدما بكثرة داخل أوساط قطاعات من الشباب الفلسطينيين حيث بدا شعارا (لماعا وبراقا وجذابا) لقطاعات منهم، فانتشر هو الآخر في المخيمات الفلسطينية، وشكّل عنصرا تحفيزيا هاما في استيلاد قوة الاندفاع لدى بعض قطاعات الشباب.
وبالطبع فإن لا مشكلة هامة في طرح موقف أو شعار من نمط (الشعب يريد إسقاط الفصائل)، لكن المشكلة تقع حين يتم استيلاد هذا الشعار واستيراده دون وعي، ومحاولة ترجمته على الأرض عبر اتخاذ مسلكيات وخطوات (عدمية) تفتح الطريق أمام فلتان الحالة الفلسطينية وسيادة منطق الإثارة والتهييج والتحريض غير المسؤول بين بعض القوى، وهو تحريض مقصود في معظمه (قد يكون تصفية حسابات سياسية وغير سياسية وحتى شخصية) وهو منطق لا يقود على كل حال إلا إلى الدمار والتخريب، وإلى الإساءة لشعارات التغيير التي رفع لواءها هؤلاء الشبان وهم يستلهمون الدروس الإيجابية من هبات عامة الناس التي وقعت على امتداد الأرض العربية.
فشعار "الشعب يريد إسقاط الفصائل"، وإعادة بناء البدائل لا يتم إلا بفعل عمل ديمقراطي حقيقي في الساحة الفلسطينية وبنفس صبور ومثابر دون اللجوء إلى مغامرات قاتلة ومؤذية، قد تتسبب في تدمير المجتمع المحلي.
إن "شعار الشعب يريد إسقاط الفصائل" وبغض النظر عن "الحجج والدوافع التي يتسلح بها أصحابه، وبغض النظر عن تعبيراته التي تعكس تململا في صفوف الناس وابتعادا وافتراقا منهم عن غالبية القوى والفصائل "يُفترض برافعيه اتخاذ الطريق الحضاري الذي يؤمن العناصر اللازمة لإنجاح هذا الشعار وصولا إلى مبتغاه في مشوار قد يطول، لكنه هو المشوار الصحيح الذي يضمن وصول الناس إلى تحقيق قدر معقول مما يصبون إليه من تغيير منشود ديمقراطي حقيقي طالما سعى إليها كل المخلصين في الساحة الفلسطينية من مواطنين وكوادر في مختلف الفصائل.
إن عموم القوى والفصائل تتحمل مسؤولية أساسية في سيادة روح اليأس والإحباط لدى قطاعات من الشباب، وسيادة روح التذمر الشديدة، وتحجر بناها وفقدانها للعلاقات الصحيحة والمحترمة مع الناس ومع كوادرها...إلخ. لكن علينا بالمقابل أن نتحدث بلغة مُقنعة تقفز عن العموميات وعن عبارات "يجب ويجب" عند الحديث عن الفصائل وأدوارها، فتلك عبارات قسرية وقهرية واستبدادية في جوهرها، حين تلقي باللوم على الفصائل أو على فصيل بعينه دون أن تُدرك بأن اللعبة الدولية والإقليمية كانت وما زالت كبيرة جدا، وأن الحالة الفلسطينية، وخاصة قضية اللاجئين مستهدفة في إطار تلك اللعبة.
إن ترويج ثقافة ديمقراطية بعيدة عن التخندق تؤمن بالآخر وبحقه في الرأي (ولو بدا عملا شاقا) تبقى هي الطريق الذي يفتح المجال أمام التغيير المنشود في الساحة الفلسطينية، تغيير البنى والمؤسسات دون نسف القديم، بل بالتواصل الكفاحي، كما يفتح المجال أمام كبح مسلكيات وسياسات وممارسات فصائلية "سلبية" طالما مارسها البعض (وأقول البعض) في الساحة الفلسطينية، ويعلمها القاصي والداني في ساحة العمل الفلسطيني في الداخل والشتات.