وليد
انطلق قادة الحركة الصهيونية في دعواتهم للسيطرة على المياه في المنطقة من موروث توراتي قديم لليهود تبنته الحركة الصهيونية مع بعض التعديلات عليه، فبعد أن كانت إسرائيل التوراتية من نهر الفرات إلى البحر العربي (المتوسط (أجرت الصهيونية تعديلا (طفيفا) على هذه البلاد، التي وضعوا حدودها وفق مخططات مستقبلية، بحيث أصبحت حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل..وأن شعار من الفرات إلى النيل) الذي اعتمد المياه حدودا أساسية، هو الذي تعمل الصهيونية العالمية على تحقيقه منذ أن زرعت أول مجموعة استيطانية في أرض فلسطين في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر.
وأولت الصهيونية أهمية خاصة لموضوع الحدود منذ البداية دون أن يغيب موضوع المياه لأهميته القصوى، ويذكر (Aaron T. Wolf) أن الصهاينة بدأوا تكوين الحدود التي يرغبون بها من أجل ((وطن قومي)) ليتم رسمها على أساس ثلاثة معايير: تاريخية واستراتيجية واقتصادية، وكانت تلك المعايير متلازمة وتصب في النتيجة بضرورة توفير الأمن الاقتصادي والعسكري، وفيما يتعلق بالأمن الاقتصادي فقد تم التركيز على موضوع المياه، إذ إن برنامج الهجرة والتوطين بحاجة ماسة إليه، خاصة في الري لأن الأرض التي يقصدها المهاجرون خالية من الفحم، كما أن المياه تستخدم لتوليد الطاقة الكهربائية. ولهذا فإن الخطط كانت تعتمد كليا على ضرورة الاستيلاء على منابع المياه لنهر الأردن والليطاني واليرموك، وهذا ما أكده الكثير من الباحثين والدارسين.
والجدير بالذكر أن الكيان الصهيوني ـ كما يرى د.خلدون ناجي معروف ـ قد أدرك مبكرا أهمية الأمن المائي العربي، فقد أوصى ديفيد بن جوريون بضرب الأمن العربي في مقتل الأمن، منطلقا من مسألة أساسية هي أن الأمن القومي العربي مرتبط بالأمن الغذائي المرتبط بدوره بالأمن المائي.
وفي بداية القرن الماضي قال بن جوريون إن اليهود يخوضون اليوم مع العرب معركة المياه، وعلى نتيجتها يتوقف مصير إسرائيل وإذا لم ننجح في هذه المعركة، فإننا لن نكون في فلسطين. ونجد أن الدعوات التي أطلقها زعماء الصهيونية منذ البداية لن تتوقف عند قضية المياه التي تحتاج إليها في توطين المهاجرين القادمين للاستيطان في أرض فلسطين، بل إن الاهتمام بالمياه كان أوسع من تلك الحدود التي كان يشار إليها في دعواتهم للاهتمام بموضوع المياه، فعندما يتم التركيز على موضوع شعار دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل، فإن ذلك يعني تحقيق أكثر من هدف في آن واحد ومن أهمها ضمان الجانب الأمني، إذ إن المياه تعتبر من الحدود الطبيعية المهمة.
إن التاريخ الفعلي للزراعة اليهودية التي تعتمد على المياه داخل الأراضي الفلسطينية يبدأ في سنة 1870م، حين أنشأ ممثل الأليانس الإسرائيلية العالمية قرب يافا مدرسة زراعية باسم ميكفة ـ إسرائيل و(كان هدف هذه المدرسة تحضير الدراسات اللازمة عن تربة فلسطين وتدريب اليهود الوافدين إليها وتزويدهم بالخبرة الضرورية لاستعمار الأراضي وإنشاء المستعمرات الزراعية. وقد لعبت هذه المدرسة، ولا تزال، دورا رئيسيا في حركة الاستعمار الصهيوني لأراضي فلسطين.(
وفي الوقت الذي يعاني فيه الوطن العربي بأسره من أزمات الأمن الغذائي وضعف القطاع الزراعي، وعدم وجود خطط دقيقة للاستفادة من الأنهار المنتشرة في العديد من البلدان العربية، تعيش إسرائيل في أمن غذائي متكامل وتُصدّر الكثير من منتجاتها إلى دول العالم.