[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
"...فإذا بالمواطن التونسي وهو مسيس وبعيد عن العنف يستاء من (قلة حياء) بعض الوجوه التي حسبنا أنها استخلصت العبرة من تورطها في مظالم الخمسين سنة الماضية واختارت الهدوء في مكان ظليل ومنسي حتى ينساهم الناس هروبا لمرحلة تقاعد مريحة بعد عناء ظلم الناس والسكوت عن الطغيان حين كانوا ناطقين فاتقين يتفاخرون بالألقاب ويتقلبون في المناصب ويشكلون الأذرع الضاربة لمنظومة الفساد والقهر والتي خلفت مصائب الفوضى حتى لو كانت خلاقة".

تعيش تونس هذه الأيام من حسن حظها ومن فضل وطنية نخبها السياسية عهدا سعيدا يتمثل في استعداد التوانسة لانتخابات رئاسية وتشريعية يختارون بها من يتوسمون فيهم الكفاءة والقدرة ونظافة اليد والضمير ليحتلوا مواقع قيادية في السلطتين التشريعية والتنفيذية لمدة خمسة أعوام قادمة، وهي المرحلة المستقرة للحكم واستمرار الدولة بعد أن تعب الوطن وسئم من عبارة (المؤقت) أطلقت على رئيس جمهورية بدون صلاحيات وعلى حكومات متعاقبة عددها أربعة لم تكن إحداها أفضل أداء من التي سبقتها، فتداول وزراء خارجية وداخلية واقتصاد وعدل ودفاع على وزارات سيادة وتسيير اعتادت على الاستقرار، وتواصل الرسالة مما أربك البلاد ومس من سمعتها، وبالطبع أثر على حياة المواطن سلبا من حيث غياب أمنه وارتفاع تكاليف معيشته، وكذلك مجلس تأسيسي تشريعي لم يوفق في احترام الآجال التي حددها هو نفسه، فتمدد وتمطط وأطال التلكؤ والتردد لكنه في ختام ثلاثة أعوام عوضا عن عام واحد تمكن تحت الضغط وتهديد شعار (ارحل) وغضبة المجتمع المدني العريق في تونس من التوافق على فصول دستور جديد مر بسيئاته وحسناته ليرسم ملامح جمهورية ثانية تعتبر بهنات ونقائص الأولى لتبشر بعهد صالح من الحقوق والحريات والمسؤوليات يكون فيه الحاكم خادما للناس لا سيدهم، ويكون في خدمة البلاد والعباد، فلا يستخدم البلاد أو يستعبد العباد. لكن الذي يحدث في تونس هو تضخم عجيب في قائمة المترشحين (لا المرشحين) لدخول قصر قرطاج وتبوؤ منزلة رأس الدولة ورمزها والقائد الأعلى للجيوش والمحدد للسياسة الخارجية والرئيس الأعلى للإدارة التونسية وجامع التونسيين جميعا والحكم (بفتح الحاء والكاف) بين المختلفين والراعي الضامن لمسيرة البلاد نحو المستقبل الأفضل. فإذا بالمواطن التونسي وهو مسيس وبعيد عن العنف يستاء من (قلة حياء) بعض الوجوه التي حسبنا أنها استخلصت العبرة من تورطها في مظالم الخمسين سنة الماضية واختارت الهدوء في مكان ظليل ومنسي حتى ينساهم الناس هروبا لمرحلة تقاعد مريحة بعد عناء ظلم الناس والسكوت عن الطغيان حين كانوا ناطقين فاتقين يتفاخرون بالألقاب ويتقلبون في المناصب ويشكلون الأذرع الضاربة لمنظومة الفساد والقهر والتي خلفت مصائب الفوضى حتى لو كانت خلاقة.
كنا نعتقد أن هؤلاء يدركون بالحدس أو بالغريزة أن المسؤولية السياسية لها عمر وينقضي وأن الحياة بعد المناصب تتواصل على قواعد أخرى وبنواميس مختلفة لينصرف هؤلاء إلى أهلهم وأولادهم وأحفادهم ينعمون بنعمة استثنائية وهي نعمة الإفلات من العقاب والنجاة من المحاسبة، وهذه بالفعل نعمة تونسية محض وحصرية نابعة من طبيعة التونسي المتسامحة الكريمة والقادر حتى في لحظات الغضب على ضبط النفس وكظم الغيض والعفو عن الناس، وهو سلوك حضاري لم تسلكه شعوب جارة وعربية، فأقامت المحاكمات واعتقلت المسؤولين السابقين وعوضا عن إدراك هذه الفضيلة التونسية نرى بعضهم اليوم يتقدم بترشحه للعودة لا إلى الحياة السياسية فحسب بل إلى رئاسة الجمهورية بطم طميمها، معولين على نسيان الناس وعلى جهل الشباب وهو الأغلبية بتاريخهم الأسود. ولا أكلف نفسي عناء وعار ذكر أسماء معينة فالتوانسة يعرفون من كان يتحمل مسؤوليات عليا خلال 23 سنة، فمر من وزارة الشباب إلى الخارجية إلى الأمانة العامة للحزب النوفمبري الحاكم إلى وزارة العدل، وهنا كان أعتى من سادته فكان يفبرك (أي يصنع) للمعارضين ملفات قضائية كيدية وكان يتناجى يوميا مع من كان يسمى عميد قضاة التحقيق ليملي الأحكام حسب منسوب حقده الشخصي وحقد أسياده ضد هذا أو ذاك ممن أرادت الأقدار امتحانه وبلواه بمحنة المنافي وانقطاع الرزق والفرار الدائم من الملاحقات ومن بيعت بيوتهم وشرد أولادهم وحوربوا في حياتهم وتم نهش أعراضهم على صحف صفراء بعضها لا يزال يصدر! وأراد الله تعالى أن أكون من بين هؤلاء المعذبين في الأرض وأعرف ما لا يعرفه المواطن العادي عن درجة السقوط الأخلاقي لهذا الرهط وكنت أظن وأنا على خطإ أن هؤلاء السحرة وأعوانهم سوف يركنون للراحة الطويلة انتظارا لعقاب الله لأنهم أفلتوا من عقاب الدنيا، ولكني قرأت أسماء بعضهم ورأيت صورهم تحلي صفحات الجرائد. وفي الحقيقة لم أعجب من أحد قدر عجبي من محامٍ ناشط قبل وبعد الـ14 من يناير (جانفي) 2011 حيث عرفناه نحن المنفيون في باريس حين تولى الدفاع عن شقيق الرئيس ابن علي المورط في باريس في قضية ترويج مخدرات وأمام شاشات تلفزاتنا رأيناه واقفا واثقا معتدا يصرح بعد خروجه من قصر العدالة الفرنسي بأن لا علاقة عائلية تربط بين المتهم وبين السيد الرئيس، وأن هذه القضية مطبوخة من قبل المعارضين المقيمين في فرنسا والهاربين من وجه العدالة التونسية المستقلة!!! في جرائم إرهاب وتطرف (يقصدنا أنا شخصيا ومحمد مزالي وأحمد بنور!!! وبالطبع راشد الغنوشي) ثم عند عودتنا إلى بلادنا نسينا كل الذين ظلمونا نسيانا هو أفضل من الضغينة وطوينا الصفحة، ولكننا حافظنا على نصوص الأحكام الصادرة ضدنا بتوقيع بعض قلة من القضاة الذين لا يخافون الله، وكان عندهم منسوب الإيمان بالله الحق هزيلا أو مقالات أصحاب الأقلام المأجورة، وهم الذين كانوا جنود فرعون وهامان يطبقون علينا وعلى عائلاتنا شريعة الغاب، والغريب أن هؤلاء الذين يترشحون اليوم لرئاسة الجمهورية، وسبق أن اضطهدونا واضطهدوا كل من حلت عليه لعنة البرامكة يتناسون أنه استشهد في عهدهم الرائد محمد المنصوري تحت التعذيب وهم راضون لم يحركوا ساكنا، كما استشهد عشرات من شباب تونس، مع العلم أن الرائد الشهيد ينتمي إلى سلك الجيش ومن أفضل ضباطه كما وقع تعذيب 230 من ضباط الجيش فيما عرف بمجموعة براكة الساحل في قضية كيدية، وتم عزلهم وتشريدهم في أرض الله بعد تبين انعدام الحجة ضدهم، وأنا أسوق بعض محنة جيشنا الوطني الباسل على أيدي أمثال هؤلاء الذين يبكون اليوم بدموع التماسيح على استشهاد بعض شباب جيشنا على أيدي الإرهاب! بينما كانوا هم أول من شارك في مظلمتهم أو سكتوا عنها مثل الشياطين الخرس! أما المرشحون الآخرون فالقليل منهم جديون ويمكن أن يضطلعوا بهذه المسؤولية العليا وخاصة منهم من كان بعيدا عن الصراعات السياسوية الغبية ومتمرس بإدارة الملفات الوطنية من أمن واقتصاد وعلاقات دولية وعرف بالتواضع وحسن التعامل مع الناس الطيبين، ولديه فكرة عن هيبة الدولة العادلة لا هيبة الدولة القامعة، ورأينا أيضا مرشحين نسميهم فولكلور الحملة الانتخابية ومحل تنكيت المجتمع على مواقع التواصل الاجتماعي وهم من بين الذين لم نسمع بأسمائهم من قبل في أية مناسبة أو هم مغرورون يعتقدون أنهم على كل حال أفضل من الموجودين اليوم أو على الأقل يوازونهم، ونسأل الله توفيق الناخبين إلى أقوم المسالك وأحسن الخيارات من أجل مصير أفضل لهذا البلد الأمين، آمين يا رب العالمين.