[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
كان من عادة الصحف اللبنانية في بداية الأحداث التي ألمت بلبنان عام 1975 وتعرضها آنذاك للرقابة الصارمة، أن تصدر بعدة فراغات في الصفحة الواحدة، حتى أن المقالات التي كانت تخضع لمقص الرقيب، كانت تظل بيضاء مع الاحتفاظ باسم الكاتب.
قبل يومين أرادت صحيفة لبنانية وهي الأعرق في هذا البلد، أن تصدر بيضاء على كل صفحاتها، وبدون أية كتابات على الإطلاق .. وتم التعبير عن ذلك التوجه، بما يتعرض له لبنان وبما أصاب الصحافة اللبنانية بل الصحافة عموما. وقد شغل عدد الجريدة هذا الرأي العام اللبناني، بل رأت فيه صحف غربية تعبيرا ممكنا وناجحا.
لم يعد ينتبه إلى أن الصحافة في بلد الصحافة لبنان تحتضر .. وكلنا يعلم كم هو عمر تلك الصحافة وميزاتها في العالم العربي، بل مساهماتها في إنشاء صحافة عربية في العديد من البلدان، وأبرزها مصر وتحديدا جريدة "الأهرام" التي أسسها لبنانيان، وكذلك مجلة الهلال المصرية وغيرها من المطبوعات المشهورة منها وغير المشهورة.
تتغير الظروف وهذا أمر طبيعي، فالصحف التي كانت تطبع بعشرات الآلاف باتت طباعتها لا تتجاوز آلافا قليلة .. حتى جريدة كـ"الأهرام" المصرية مثلا، فمن أكثر من مليون نسخة يوميا إلى أقل من خمسين ألفا، وفيما كان الصحافي في عصور مضت لا يتعرض للكثير من الإهانات رغم القيود، إلا أنه لم يتعرض لما يتعرض له في هذه الأيام.
الصرخة اللبنانية عبر صحيفة "النهار" التي بدأت مشوارها منذ العام 1933 تظل وحيدة التجربة، ثم أنه نهار ويمضي لتعود بعدها إلى سابق عهدها، لكنها سجلت موقفا لا أعتقد أن الواقع اللبناني سوف يتغير أو تغيره محاولة جديدة لكنها يائسة .. العلاج للبنان يحتاج لفرط الجذور التي بني عليها، وتلك الأعمدة الخاطئة التي حملته طويلا وظل جمهورية قلقة تتناوب قلقها من عهد إلى عهد ومن جيل إلى جيل، ولسوف تمضي في هذا الطريق إذا ما ظل الواقع قائما بصورته الإشكالية بل الكارثية.
يوم "نهاري" أبيض، محاولة للفت الأنظار إلى معاناة الصحافة، ومشوار الصحافيين مع الكلمة التي باتت تشكل خطرا عليهم، في وقت كم أشار فيه عديدون إلى أن الصحافة الخاصة التي مرت في عمر لبنان، تعرضت لإغراءات مالية من دول، مما دفع مثلا الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري في الخمسينيات من القرن الماضي إلى القول عنها: "وصحافة صفر الضمير كأنها سلع تباع وتشترى وتعار/ وطاولة في لندن صنعت وفي باريس دق لها المسمار".
كان الصحافي محمد حسنين هيكل قد اهتم منذ بداية مشوار عمله كصحافي إلى الاستقلال المادي كي لا يتعرض لإغراءات من هنا وهناك، وكان يعتبر هذا الأمر معنى لحرية الكاتب، عندما يتحقق للكاتب هذا الأمر المهم والمصيري في حياته المهنية، يخرج إلى الدنيا بمنطق الحقيقة غير خائف أو قلق على مصيره .. ومع هذا، تعرض هيكل لمأساة كبرى حين أحرق "الإخوان" داره الريفي، وأكلت النار مراجع وصورا وذكريات مكتوبة ومخطوطات، تركت كلها علامات سيئة في صحته لاحقا.
إذن طلعت صحيفة "النهار" اللبنانية بموقف من الواضح أنه لا يحرج زمننا، لأنه يعرف أن في اليوم الثاني ينسى كثيرون، الناس بلا ذاكرة كما كان يقول أحد الصحافيين اللبنانيين.