[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]

” إن ما يجري الآن في المناطق التي يدعون أنها "محررة" هو دعوة هذه التنظيمات الإرهابية إلى الاستحواذ على محافظة إدلب وإدارتها بتأييد من تركيا, مدعية (وبخاصة ما تسمى بـ "هيئة التفاوض") بأن ما يسمى بـ "الحكومة المؤقتة" تتبعها! وهي الملحقة بما يسمى بـ "الجيش الحر" (كأن الجيب المتمرد الذي ترعاه أنقرة, قد بات جزءا من الأملاك العثمانية!).”

انتهت مواعيد سحب التنظيمات الإرهابية وأسلحتها الثقيلة من المنطقة السورية العازلة المنزوعة السلاح, دون أن تقوم هذه التنظيمات بالانسحاب وسحب أسلحتها, في خرق واضح لما جرى الاتفاق عليه في سوتشي بين الرئيسين الروسي بوتين والتركي أردوغان. قلناها على صفحات "الوطن" أن هذا الاتفاق لن يكتب له النجاح, ذلك لنوايا احتلالية أميركية في شرق الفرات, وأخرى تركية في الشمال السوري, كان قد عبر عنها صراحة الرئيس التركي في أحد خطابته , التي ادعى فيها أن حلب والموصل هما تركيتان وولايتان عثمانيتان! جاء ذلك في خطاب له ألقاه في أنقرة عام 2016 في الذكرى الثامنة والسبعين لرحيل مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك, مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الجذور التاريخية للبلاد أقدم من إعلان الجمهورية عام 1923. لهذا السبب قامت تركيا بعمليتين عسكريتين في الشمال السوري أسمتهما "درع الفرات" و "غصن الزيتون", وبدأت في التتريك الفعلي للمناطق العربية السورية التي احتلتها على سمع وبصر التنظيمات الإرهابية في هذه المناطق (نشر الاعلام التركية وصور اردوغان, والمناهج الدراسية التركية في المدارس السورية,فضلا عن لوحات السيارات ولوحات التعريف بالمؤسسات..الخ) ,لا بل ,بالتنسيق الفعلي معها, الأمر, الذي يؤكد أن آخر هموم أردوغان هو محاربة الإرهاب, الذي رعت تركيا فصائله وخاصة جبهة النصرة, وأمدت هذه التنظيمات بالأسلحة والأموال وفتحت لها حدودها مع سوريا, لتمارس القتل وتعيث فسادا في الأراضي العربية السورية.
إن ما يجري الآن في المناطق التي يدعون أنها "محررة" هو دعوة هذه التنظيمات الإرهابية إلى الاستحواذ على محافظة إدلب وإدارتها بتأييد من تركيا, مدعية (وبخاصة ما تسمى بـ "هيئة التفاوض") بأن ما يسمى بـ "الحكومة المؤقتة" تتبعها! وهي الملحقة بما يسمى بـ "الجيش الحر" (كأن الجيب المتمرد الذي ترعاه أنقرة, قد بات جزءا من الأملاك العثمانية!). كل ذلك يشي بأن الهدف التركي من اتفاق سوتشي تمثل في انتظار ظروف أكثر مواءمة لتنفيذ خطة اردوغان الاحتلالية في الشمال السوري. وبالفعل جرى إبرام صفقة بين الولايات المتحدة وتركيا ,مضمونها أن تطلق تركيا سراح القس الأميركي برونسون مقابل رفع العقوبات الأميركية عنها (وهذا ما حصل بالفعل) وهو ما سيؤدي إلى إزالة كافة العقبات امام التنسيق التركي – الأميركي لإنجاز خطة احتلالية للبلدين لمناطق عربية سورية, وهذا ما تكشفه تصريحات الرئيس التركي بان بلاده "لن تنسحب من المناطق السورية التي تحتلها,الا بعد انتهاء العملية السياسية". وهذه أكذوبة تركية مكشوفة ومعروفة, وهي التي تحصر الإرهاب في قوات سوريا الديموقراطية "قسد" وحزب العمال الكردستاني فقط ! واشنطن بدورها ومن خلال حلفائها الأكراد تريد تواجدا أميركيا دائما في سوريا من خلال إقامة دويلة للأكراد شرقي الفرات , وهو ما حدا برأس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف وفي حديث لوسائل إعلام فرنسية إلى رفض محاولة واشنطن ومن خلال حلفائِها السوريين, وبالدرجة الاولى من خلال المُكون الكردي,واستخدام اراضي شرقي الفرات. واصِفا المحاولة بالامر غير الشرعي وغير المقبول, كاشفا النقاب عن ان"الولايات المتحدة نشَّطت خطواتها لإنشاء سلطة موازية,بديلا عن اجهزة السلطة السورية الشرعية . وهو ما أشار إليه أيضا وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره العراقي عقد في دمشق, عندما دعا الأكراد إلى عدم الاعتماد على واشنطن ,التي تتنكر لحلفائها وتنبذهم بعد أن يكونو قد قدموا لها كلّ ما تريده منهم" , مؤكدا على أن القوات السورية تتواجد حول إدلب, وستتدخل في الوقت المناسب لتحرير آخر جزء من أراضيها.
من الواضح التماهي هنا بين أهداف واشنطن وأنقرة وحلفائهما في المنطقة, الذين وبدلا من مساعدة اللاجئين السوريين في الدول المحيطة في العودة إلى بلدهم, والضغط على التنظيمات التي يمولونها باتجاه تسوية كافة القضايا مع الحكومة الشرعية السورية, لتتفرغ الأخيرة لإعادة إعمار سوريا وتعيد بناء ما دمّرته الحرب وتستعيد عافيتها, يبذل هؤلاء كل ما في وسعِهم ويوظفون ما استطاعوا من الدمى والمرتزقة والفصائل الإرهابية,التي لم يفكوا ارتباطهم بها,وما زالوا يرعونها ويُموِلونها ويقدمِون التسهيلات اللوجستية لها, كما هي حال تركيا مع هيئة تحرير الشام,وحال الجيش الاميركي مع ارهابيي داعش. الذين يدربونهم في قاعدة التنف وينقلونهم بالمروحيات الى شرقي الفرات, كي يُهاجموا الجيش السوري في تلك المناطق وبخاصة قرب دير الزور, وهذا التواطؤ الأميركي موثق ومعروف للعالم اجمع,بالصوت والصورة والوثائق.بالتالي, فإن المرحلة المقبلة،سواء أكمَلت انقرة التزاماتها وِفق اتفاق سوتشي بشأن إخلاء المنطقة منزوعة السلاح من الإرهابيين,ام ماطلت وراوغت كعادتها ستكون حرِجة ودقيقة ومفتوحة على خيارات عديدة,تقف على رأسها مهمة استعادة إدلب عسكريا,بكل ما يحمَله هذا الخيار من فُرص ومخاطر أيضاً.
* * *