[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
يحدد إرفنج الجسر التاريخي الموجود بإسبانيا، والمسمى "بينوس" Pinos كأساس لبداية التاريخ الأميركي: على هذا الجسر جرت أعنف المواجهات بين الفرسان المسلمين القادمين من الشرق (آسيا وإفريقيا) وبين الفرسان الإسبان الكاثوليك لفرض الهيمنة على إسبانيا وعلى هذا الجسر كذلك، أوقف رسول "الملكة اليزابيث"، ملكة إسبانيا فيما بعد، البحار كريستوفر كولومبس..

لا ينزعج الغربيون، ومن بينهم الإسبان والبرتغاليون، من توظيف عنوان "إسبانيا المسلمة" Muslim Spain في النصوص التاريخية والثقافية قط. ومرد ذلك هو خلو مواقفهم من التاريخ من العصبيات على أنواعها، بدليل اعتزازهم بتلك الحقبة من تاريخ شبه جزيرة إيبريا Iberia التي شهدت هيمنة المسلمين على الإقليم بالكامل، زد على ذلك عدهم لها "حجر الزاوية" الذي مكن النهضة الأوروبية وعصر الأنوار من الحدوث بعد دحر هيمنة الكنيسة على أوروبا العصر الوسيط.
للمرء أن يلاحظ الحقيقة أعلاه، إذا ما طمح بالتنقيب في قعر العقل الأميركي، ممثلا بأبي الأدب الأميركي واشنطن إرفنج Irving، نظرا لما خرجت به سفارته أثناء القرن التاسع عشر إلى مدريد من خلاصات طريفة ومفيدة بقدر تعلق الأمر بتاريخ الولايات المتحدة الأميركية عندما كانت لم تزل مجرد جمهورية ناشئة حقبة ذاك.
حال وصول إرفنج مدريد، اجتاحت إرفنج ذكرياته مع سحر كتاب (ألف ليلة وليلة) الذي كان سميره في سني صباه، أي عندما كان يقرأ حكايات (الليالي العربية) جالسا على ضفاف "نهر الهدسون". لذا، فإن إرفنج قد أكمل الدائرة السحرية لآثار الشرق العربي عليه حال دخوله القاعة الملكية في "قلعة الحمراء"، نظرا للإيحاءات الجمالية والخيالية التي أسست لتواشج صور (ألف ليلة وليلة) الذهنية الخيالية، مع صور الحمراء Alhambra الملموسة، متفاعلة في ضميره، درجة تأسيسه الوثيق للرابطة التاريخية التي تجمع العرب والمسلمين، بإسبانيا الكاثوليكية بعد نهاية حقبة "إسبانيا المسلمة"، كي يخرج هو من هذا الثالوث ممسكا بجذر واستثنائية تاريخ الجمهورية الفتية على السواحل الغربية للأطلسي، التي كان قد جاء منها.
لذا، يحدد إرفنج الجسر التاريخي الموجود بإسبانيا، والمسمى "بينوس" Pinos كأساس لبداية التاريخ الأميركي: على هذا الجسر جرت أعنف المواجهات بين الفرسان المسلمين القادمين من الشرق (آسيا وإفريقيا) وبين الفرسان الإسبان الكاثوليك لفرض الهيمنة على إسبانيا وعلى هذا الجسر كذلك، أوقف رسول "الملكة اليزابيث"، ملكة إسبانيا فيما بعد، البحار كريستوفر كولومبس، مستدعيا إياه للمثول أمام الملكة على سبيل منحه الموافقة والتمويل اللازمين لانطلاق سفنه في الرحلة التاريخية في سبيل "إكمال دائرية الأرض"، أي الوصول إلى الهند من خلال الإبحار عبر الأطلسي، غربا. لم يخطر ببال الملكة ولا كولومبس بأن هذا الإبحار إنما سينتهي إلى اكتشاف "العالم الجديد"، أي أميركا: ودليل ذلك أن كولومبس اصطحب معه رجلا عربيا كي يساعده على الترجمة والتفاهم عندما يطأ أرض الهند، نظرا لأنه كان يعتقد بأن العربية إنما كانت هي اللغة الدارجة في الهند!
المهم، هو أن دوافع إرفنج لرصد وبحث تاريخ "إسبانيا المسلمة" إنما كانت دوافع وطنية لاعتباره أن الولايات المتحدة إنما كانت ثمرة تزاوج الشرق (العرب، الإسلام ـ الجنس السامي)، بالغرب (الإسبان، الكاثوليكية، الجنس الآري). وبرأيه، هنا كان مكمن تفوق "العالم الجديد" على "العالم القديم"!