[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/abdellatifmhna.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عبداللطيف مهنا[/author]
مطلق اشتباك هو قابل لأن يتطور إلى حرب لا يريدها الطرفان، وسيميل مجلسهم الوزاري المصغَّر لخيار "المواجهات الموضعية"...أما غزة فليس لديها ما تخسره، وفوقه هي تدرك أن صمودها وتحدّيها المقاوم وحدهما هما السبيل لفك غائلة الحصار الإجرامي المديد المضروب عليها، بل والوحيدان في مثل هذا الزمن العربي الأردأ في تاريخ الأمة الكفيلان بإفشال "صفقة القرن".

حفلت الأيام الأخيرة بتصاعد مطرد للهجة العدوانية الاحتلالية المتوعِّدة لغزة، الأمر الذي قوبل بتحدٍّ منها يليق بصمودها المقاوم. كانت تصريحات مختلف أطراف المستوى السياسي الاحتلالي قد تبارت في تصاعدها العدواني مع الدموية مرتفعة المنسوب في مواجهة مسيرات العودة. في مسيرات الجمعة الما قبل الأخيرة، أي الأسبوع الماضي، سقط سبعة شهداء وأصيب مئات الجرحى والمختنقين بالغازات، تلاه لاحقا غارات الطائرات على أهداف متفرقة ومنتقاة قاربت العشرين في داخل القطاع المحاصر، ونقول منتقاة لأنها ابتعدت عن محذور ما يدعونه "كسر الأواني".
بدايةً، نحن هنا إزاء راهن يمكن القول فيه، إن العدوانية الاحتلالية المتوعّدة لغزة قد بدأت تلقي بثقلها لاستثماره المجزي في بازار بدأ انعقاده للتو ومن عدته المماحكات والمزايدات التليدة بين القوى المتنافسة فيه. فالانتخابات المبكّرة أمر بات يلوح في الأفق داخل هذه الثكنة الاستعمارية الاستيطانية، حيث الدم الفلسطيني عادةً يشكل مادةً جالبةً للأصوات، ويصرف مقاعد في الكنيست، وحقائب وزارية في حكوماتها الائتلافية، لا سيّما وأن لا من حاجة للقول بأن المنافسات الانتخابية فيها قد باتت تدور رحاها حصرا بين غلاة المتطرفين في عدوانيتهم والأشد منهم تطرفا، أي ما من مجال هنا للحديث عن يسار ويمين، ومعتدل ومتطرّف، بل الحراديم والأكثر مغالاة منهم، والقضايا الحاكمة في قصب السبق هي المغالاة في التشدد والخطوات التصفوية للقضية الفلسطينية، وعلى رأسها التهويد والضم وسفك الدم الفلسطيني.
نفتالي بينت يدعو لقتل كل مطلقي البالونات الحارقة من متظاهري المسيرات، وليبرمان يرى أنه ما من خيار سوى "توجيه ضربات شديدة" لغزة، ويأمر بغلق المعابر البرية إليها، أما نتنياهو فاستبقهما بالتهديد بـ"ضربات شديدة جدا"...ويعطي مجلسهم الوزاري المصغَّر غزة مهلة حتى الجمعة، والتي انتهت أمس، لوقف مسيرات العودة، ناهيك عن متوالي رسائل الوعيد التي يبعثون بها عبر الوسيطاء العرب والأجانب.
الرد الغزيّ، وسواء عبر الوسطاء أو الإعلام، كان واضحا وبيّنا وثابتا ومجمعا عليه من كافة فصائل المقاومة، تهديداتكم لا تخيفنا، ومستعدون لمواجهة عدوانيتكم، ولدينا ما يؤلمكم، والمسيرات لن تتوقف، ووقفها رهن برفع الحصار كاملا، ولا من تهدئة تسمح لكم بجني ثمن سياسي لها أو لرفعه. أما التلويح بالعودة لسياسة الاغتيالات، فسنواجهها برد قليله حرق كافة مستعمرات ما تطلقون عليه غلاف غزة وهروب مستعمريها منها.
المستوى الأمني في كيان الاحتلال، الذي ما زال تحت طائلة تداعيات عملية بركان الفدائية والتي بطلها ما زال حرا طليقا، لا يتفق مع ما يذهب إليه المستوى السياسي. الجيش، والشاباك، و"مجلس الأمن القومي". لهؤلاء روية قدّموها للمجلس الوزاري المصغَّر، خلاصتها الحض على تجنُّب خيار الحرب مع غزة، واستبداله بـ"المواجهات الموضعية على السياج"، والتحذير من صب الزيت على نار غليان الضفة المنذر بتطوّر انتفاضة الفدائيين وتجدد انتفاضة الأقصى، وأن يهرول المستعمرون في جنوب فلسطين ووسطها "إلى الملاجئ كل بضع ساعات وطوال أسابيع"، وأن تربك عملية بناء جدار ما تحت الأرض للإحاطة بقطاع غزة.
هنا تجد حكومة الكيان نفسها محشورةً بين مطرقة "تراجع الردع"، والضغوط الداخلية، والاستحقاقات الانتخابية، وسندان محاذير اشتعال فتيل حرب في الجنوب في وقت تركّز فيه على مخاطر تخشاها في الشمال إثر التحولات السورية لصالح محور المقاومة، وعليه، فالارتباك هو السائد لديها، ومن ثم تلجأ لتنشيط الوساطات الحاملة معها نذر "رد عنيف وكبير جدا"، والأمر الذي لن يحول دونه سوى إيقاف مسيرات العودة.
في الكيان تصف صحيفة "يديعوت أحرونوت" هذه التهديدات بـ"النابعة من أجواء انتخابية"، وإذ تواجههم غزة بما يقابلها من تحدٍّ يتوعَّدونها "قائلين إن صبرهم قد نفد"، لكنهم يعودون للاستدراك بمنحها "فرصة أخيرة"، وهم في الواقع إنما "يعطون أنفسهم فرصةً للنزول من أعلى الشجرة"، لتخلص إلى أن "لا مصلحة لإسرائيل في شن حرب جديدة ضد غزة في المرحلة الحالية"...فماذا عن غزة؟!
صاروخان لا أكثر، لكنهما نوعيان في دقتهما وما يحملانه من رسائل للمتوعّدين والمتوسطين، أحدهما اخترق ثلاثة أسقف خرسانية لمبنى في مدينة بئر السبع ليلحق به دمارا كبيرا، واللا فت أن ليس ثمة من ذكر في هذه المرة لقبتهم الحديدية... وعلى الأثر، توقفت الوساطات وغادر الوسطاء غزة سريعا...لكنهم عادوا لها عاجلا. مسيرة الجمعة أزفت والرجاء بعض من تهدئة.
والآن، كل الاحتمالات باتت واردة. مطلق اشتباك هو قابل لأن يتطور إلى حرب لا يريدها الطرفان، وسيميل مجلسهم الوزاري المصغَّر لخيار "المواجهات الموضعية"...أما غزة فليس لديها ما تخسره، وفوقه هي تدرك أن صمودها وتحدّيها المقاوم وحدهما هما السبيل لفك غائلة الحصار الإجرامي المديد المضروب عليها، بل والوحيدان في مثل هذا الزمن العربي الأردأ في تاريخ الأمة الكفيلان بإفشال "صفقة القرن".
... صاروخان ورسالة...وقبلهما، حدث أن توصَّل آري شاليط، المحلل في صحيفتهم "هآرتس"، إلى نتيجة مؤداها أن "لا مستقبل لليهود في فلسطين، فهي ليست أرضا بلا شعب وفق الكذبة التي اخترعتها الصهيونية بمكر، ويجب توديع الأصدقاء والانتقال إلى أميركا أو ألمانيا".