مع الخطوات الأولى على طريق مسيرة النهضة المباركة في مطلع السبعينيات سعى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ كل مسعى يمكنه من تحقيق رؤيته حول بناء اقتصاد وطني متقدم ومتطور ونامٍ. وكان جلالته ولا يزال يتسلح بكل أداة تساعده في بلوغ هدفه الحضاري العظيم ألا وهو نقل عُمان إلى واقع يتحدث به الركبان متذاكرين معالم الإبداع التي تعنون المسيرة في مختلف مراحلها منذ أربعة وأربعين عامًا.
كان بناء مستقبل اقتصادي وطني هدفًا يستحق العناء لبلوغه، وشيئًا فشيئًا تجسدت الرؤى في شكل واقع ملموس نراه بداية من خلال المناطق الصناعية ثم الموانئ والأحواض الجافة والتي أقيمت في مختلف المواقع كل بحسب مدى صلاحيته وملاءمة موقعه، حتى غدت هذه المواقع الصناعية وما شيد عليها من مراكز الإنتاج عقدًا يتدلى جمالًا إضافيًّا على صدر السلطنة، حيث بدأت تلك المواقع بمنطقة الرسيل الصناعية كباكورة التنمية الاقتصادية في مجال الصناعة والمنشآت الإنتاجية، ثم أنشئت المؤسسة العامة للمناطق الصناعية عام 1993 لتشرف على إنشاء وتنمية المناطق الصناعية في مختلف محافظات السلطنة لتكتمل حبات العقد بإنشاء الموانئ الصناعية وموانئ الصيد والمعابر والمطارات عبر شبكات نقل بري وبحري وجوي واسعة.
ولعل من المسائل المهمة في عالم الاقتصاد اليوم والتي تعطي القدرة على التغلب على كافة التحديات التي قد تعترض تحقيق الأهداف طويلة المدى، هي تنويع مصادر الدخل وعدم الاقتصار على مصدر واحد، وهذا التحدي هو ما عقدت حكومة السلطنة العزم على تجاوزه، حيث اتجهت بصورة واضحة إلى استغلال ما حباه الله به بلادنا من مواد خام وموقع الاستغلال الأمثل، وما من شك يأتي إلى جانب مصدر النفط الذي لا يزال يتقدم بقية المصادر الأخرى، عمليات الاستثمار في الموانئ وعمليات النقل البحري، وفي السياحة والصناعة التحويلية وغيرها من القطاعات الإنتاجية.
ومن واقع الزيارات المتوالية للقادة والمسؤولين ورجال الأعمال الكوريين الجنوبيين إلى بلادنا ولقاءاتهم وبحث مجالات الاستثمار وتعميق العلاقات من جميع جوانبها لا سيما الجانب الاقتصادي، يتأكد المناخ الاقتصادي والبيئة الاقتصادية والاستثمارية الواعدة للسلطنة وتحولها إلى قبلة تستقطب اهتمامات الدول ذات الاقتصادات المتقدمة والنامية وذات الخبرات الاقتصادية الكبيرة، وبالطبع تتمخض مثل هذه اللقاءات عن رؤى جديدة وتصورات واضحة تتحول بدورها إلى منشآت وقلاع صناعية وتجارية واستثمارية تتكامل مع سابقاتها ليشهد اقتصادنا الوطني المزيد من التوسعات بما يحقق الأهداف المرسومة من نشاط ونمو اقتصاديين وتوافر فرص عمل كثيرة للكوادر العمانية الشابة.
وتعد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين السلطنة وكوريا الجنوبية علاقات متطورة وواعدة بالمزيد من مجالات التطور حيث يرتبط البلدان بمصالح اقتصادية وتجارية قوية. وتأتي مناقشات اللجنة العمانية الكورية المشتركة في دورتها الرابعة خلال اليومين الماضيين انعكاسًا واضحًا للمسار الذي تسير عليه السلطنة وكوريا الجنوبية لتطوير التعاون الاقتصادي والاستثماري، وذلك انطلاقًا من العلاقات المتميزة القائمة بين البلدين الصديقين، وتوجههما نحو رفع حجم التبادل التجاري وتعزيز الشراكات التجارية القائمة بين أصحاب الأعمال من الجانبين، كذلك الاستفادة من خبرات الجانب الكوري في رعاية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كونها تعد العصب الرئيسي للاقتصاد الحديث، والاستفادة كذلك من الخبرات الكورية في الصناعات التجميعية خاصة المتعلقة بصناعة الإلكترونيات كأجهزة الحاسوب ومستلزماتها. واستفادة الجانب الكوري من ما تزخر به السلطنة من مميزات ومناخات استثمارية وموارد كثيرة مما يجعل فضاء الاستثمار بها زاخرًا وواعدًا، ويؤهلها موقعها المتميز والمطل على المحيط الهندي للعب دور محوري واستراتيجي بالمنطقة لا سيما مع التوسع في إنشاء المناطق الحرة التي تمثل نقاطًا اقتصادية مهمة وعنصر جذب للاستثمارات الخارجية، بالإضافة إلى التسهيلات الكبيرة للمستثمرين الأجانب.