[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
”لقد نال العمل الإعلامي الدعاوي فلسطينيا أهمية كبيرة، وأدرك الجميع بأن العملية الإعلامية لا تقل أهميةً عن البندقية، فقد شهدت بدايات العمل الإعلامي الفلسطيني الفصائلي منذ العام 1965 قفزات واسعة لجهة التوسع والانتشار من حيث عديد المطبوعات الإعلامية (الصحف + المجلات + الأدبيات بشكل عام) ولجهة الإعلام الدعاوي والتعبوي اللحظي (الملصق + البيان + البلاغ + إذاعة فلسطين...)”

الشهيد، رسام الكاريكاتير العالمي، ناجي العلي بيننا اليوم برسوماته التي يتجدد معناها ومضمونها، ومعه الصف الطويل من شهداء الثقافة والإعلام والصحافة الفلسطينية في مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة: عبدالكريم الكرمي، ماجد أبو شرار، حنا مقبل، نايف شبلاق، غسان كنفاني، هاني جوهرية، أنيس صايغ، شفيق الحوت، ناجي علوش، توفيق زياد، أميل حبيبي، أميل توما، توفيق طوبي، محمود درويش، سميح القاسم، خليل الزبن، جبرا إبراهيم جبرا، إدوارد سعيد، علي حسين خلف، طلال رحمه، عبد الحافظ الأسمر، مطيع إبراهيم (إبراهيم ناصر)، كمال ناصر، عز الدين القلق، عبدالوهاب الكيالي، هشام شرابي، إبراهيم أبو لغد، يوسف سامي اليوسف، يوسف الخطيب، محمد الوهيبي، مصطفى الحلاج، إسماعيل شموط، تحسين الشيخلي، عادل وصفي... وغيرهم من الذين عمدوا الطريق مدونين عبارة المجد والخلود: بالدم نكتب لفلسطين.
يفترض بنا أن نقول "الإعلام لا يلحق السياسة، السياسة تلحق الإعلام"، هكذا بدأت مسيرة الإعلام الفلسطيني، لكن أين نحن من هذا الآن..؟
لقد نال العمل الإعلامي الدعاوي فلسطينيا أهمية كبيرة، وأدرك الجميع بأن العملية الإعلامية لا تقل أهميةً عن البندقية، فقد شهدت بدايات العمل الإعلامي الفلسطيني الفصائلي منذ العام 1965 قفزات واسعة لجهة التوسع والانتشار من حيث عديد المطبوعات الإعلامية (الصحف + المجلات + الأدبيات بشكل عام) ولجهة الإعلام الدعاوي والتعبوي اللحظي (الملصق + البيان + البلاغ + إذاعة فلسطين ...) والإعلام المُتقن (وكالة وفا + مركز الأبحاث + مراكز الدراسات الخاصة بكل تنظيم ..)، والإعلام المُتمم (مؤسسة السينما + فرق الغناء الوطني + المسرح الفلسطيني + فرقة الموسيقا العسكرية...)، حيث سادت في المراحل الأولى من عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة ثقافة الإعلام التعبوي المُباشر الذي كان يستخلص مادته المباشرة من الميدان العسكري لفعل وعمل قوى المقاومة، فسادت ثقافة البلاغ، وتلاها البروز المتزايد لأهمية الدور الثقافي والتنويري في مسار الكفاح الوطني. وانتقلت تلك الثقافة في الطور الثاني لتتماشى مع إعلام وفعل السياسة والعمل السياسي الفلسطيني، فتحوّلت صحف ومطبوعات ومجلات الفصائل إلى منابر للنقاش والحوار والذي تحوّل في لحظات عديده منه لمماحكات وتنظيرات، وساحة معارك سياسية.
وجاءت خطوات تأسيس الإعلام الفلسطيني الموحد أواخر الحقبة الأردنية في العمل الفلسطيني عام 1971، وامتدادا مع المرحلة اللبنانية خطوة جيدة وإيجابية على طريق توحيد أدوات الفعل الإعلامية الفلسطينية، لكن تلك الخطوة بقيت تحت سقف معين ولم تتحول إلى خطوة نوعية لتوحيد أدوات الفعل الإعلامي الفلسطيني. ففي بدايات المرحلة اللبنانية وتحديدا في الثامن والعشرين من نيسان/إبريل العام 1972 صدر العدد الأول من مجلة فلسطين الثورة التي باتت المجلة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي رأس تحريرها في البداية الشاعر الشهيد كمال ناصر، وقد خرجت مئات الأقلام الفلسطينية والعربية. وقد كتب على صفحاتها كبار الكتاب والشعراء كان في مقدمتهم الراحل محمود درويش بمقاله النثري (السياسي/الأدبي) الأسبوعي. وتزامن صدور العدد الأول منها في بيروت مع إنشاء وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، التي باشرت عملها في الخامس من حزيران/يونيو1972، ومع بث الإذاعة الفلسطينية أول برامجها من القاهرة.
إن الإعلام والعمل الإعلامي، والذي اكتسب أهميته كسلطة رابعة، كان وما زال، أحد الأسلحة المُفترضة في المواجهة الشاملة مع الإحتلال، فقد تمكن الإعلام الغربي والصهيوني ولفترة طويلة من الزمن من لعب دور أساسي في عملية تحشيد الرأي العام، وخصوصا في الغرب، خلف المخططات الصهيونية، عن طريق تزييف الحقائق، وإعادة ليها بطريقة محسوبة في ظل غياب/أو تواضع الفعل الإعلامي والعربي والفلسطيني. وعليه كان على الإعلام الفلسطيني والعربي مواجهة إعلام الاحتلال ليس عبر نقل الخبر اليومي والحدثي فقط في ترويج الرواية الفلسطينية والعربية، وفي ترويج وصناعة الحدث من زاوية وطنية.
نجح الإعلام العربي والفلسطيني مترافقا مع النهوض الوطني الفلسطيني، في التأثير على قطاعات كبيرة ومؤثرة في العالم الغربي، واستطاع خلق رأي عام دولي مساند للحق الفلسطيني، في مواجهة الحملة الصهيونية الإعلامية لطمس تاريخ وتراث الشعب الفلسطيني.
لكن، وللأسف راوح الإعلام الفلسطيني مكانه بعد العام 1991 مع جفاف الموارد المالية، فتقلص حضوره وتأثيره، بينما توسع الإعلام العربي كما الإعلام العالمي، بدرجة غير مسبوقة، وتحديدا مع انتشار الفضائيات الناطقة بالعربية وانتشار المطبوعات والصحف اليومية انتشار النار بالهشيم، إلى درجة أن مراقبة خريطته الآن أصبحت مسألة على قدر كبير من الصعوبة، وإن كان من الممكن تلمس بعض خطوطها العريضة واتجاهاتها العامة. وقد أدت طفرة الانتشار للفضائيات العربية والصحف والمطبوعات لتعاظم الحاجة لإعلاميين مهنيين يحترفون مهنة الصحافة المسموعة والمرئية، التي راحت تستقطب دون معايير مهنية أغلب الأحيان، وهو أمر إساءة لمهنية الإعلام ولرسالته المنشودة.
إن من مثالب الإعلام الفلسطيني أنه بقي أسير النمطية والتقليد، ومتفاوتا في أدائه، مع تهميش وغياب الرؤية النقدية، وتهميش الأفراد الجادين ومحاصرة الكفاءات مع تحوّل العديد من مراكز القرار في غالبية الفصائل لمواقع طاردة للمهنيين وأصحاب الكفاءات، وهو ما وضع العمل الإعلامي الفلسطيني في العقدين الأخيرين أمام سدود من الانقطاع والابتعاد الفاعل عن الحراك والتأثير وسط الشارع بالشكل المطلوب، حيث كان يفترض به أن يسهم بشكل كبير ومؤثر في تعزيز الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي والوطني بشكل عام، وتدعيم القيم والمشاركة السياسية وتوعية الناس بما يدور حولهم من أحداث ومواقف، سواء على المستوى الداخلي الفلسطيني والمتعلق بالقضية الفلسطينية والخارجي، أو على المستوى المتعلق بالأهداف البعيدة التي تحملها رسالة الإعلام، وفي إحداث تغيير جدري في حياة المجتمع، خصوصا عندما يكون هذا الإعلام منظما، ويسير وفق لسياسة إعلامية تخدم المجتمع وقضايا وعناوين التنمية والنهوض، كما تخدم المشروع الوطني الفلسطيني.