[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
لا يمكن فصل الأمن الغذائي لأي مجتمع عن الخطط التنموية بعيدة الأمد، وبدون برامج للأمن الغذائي لا يمكن الوصول إلى أمن مجتمعي متكامل، ومن خلال مراجعات لجهود المؤسسين الأوائل لإسرائيل، وجدت أنهم قد بذلوا جهودا كبيرة وفي وقت مبكر جدا، فهل ثمة من يتوقف عند تلك الجهود؟
فقد واصلت الدبلوماسية الصهيونية جهودها، للاستحواذ على المياه، وتجسد ذلك بصورة واضحة في الرسالة التي بعث بها (حاييم وايزمان) قبل ثلاثة عقود تقريبا من قيام إسرائيل والتي وجهها بتاريخ 29/11/1919 إلى (ديفيد لويد جورج) رئيس وزراء بريطانيا، والرسالة الثانية الموجهة من (بن جوريون) باسم اتحاد العمال الصهيوني إلى حزب العمال البريطاني عام 1920 بالإضافة إلى قرار الحركة الصهيونية في نوفمبر 1920، وكل ذلك يكشف اهتمام قادة الصهيونية بموضوع المياه، وتم التحرك الدبلوماسي منذ ذلك الوقت للاستحواذ على مياه نهر الأردن وروافده بغية تأمين الموارد المائية اللازمة لأعمال الاستيطان والتوسع وخطوة رئيسية في بناء الدولة الصهيونية.
وكانت جهود (بن جوريون ووايزمان) تنصب على تأمين أكبر قدر ممكن من الأنهار وجعلها ضمن سيطرتهم، وأكدت تلك الرسائل التي تدخل ضمن إطار الجهود الدبلوماسية الصهيونية المبكرة على (ضرورة شمول حدود فلسطين منحدرات جبل الشيخ ومنابع الأردن والليطاني، وذلك لأن خط سايكس ـ بيكو يقطع منابع المياه ويحرم الوطن القومي اليهودي المزعوم من الحقول الأساسية الخصبة في الجولان وحوران، والتأكيد على أنهار أرض إسرائيل هي الليطاني والأردن واليرموك، وأن تلك المطالب لازمة وضرورية لتأمين زراعة ناجحة من جهة وتوليد طاقة كهربائية من جهة أخرى.
وتم التركيز الصهيوني على مسألتين متلازمتين هما :
الأولى: أهمية المياه في دعم المشاريع الزراعية التي تسهم في تثبيت ركائز المستوطنات اليهودية التي تحركت المنظمات اليهودية والصهيونية في مختلف أرجاء العالم لتأسيسها وتوسيعها، في سبيل جذب أكبر عدد ممكن من اليهود المنتشرين في أوروبا وروسيا، لغرض توطينهم في فلسطين. وكان اختيار الأراضي الصالحة للزراعة والتي تتوافر فيها المياه مسألة في غاية الأهمية، حتى تكون عوامل جذب لليهود الذين كانوا يعيشون في أماكن مختلفة من العالم.
الثانية: اعتماد ورقة المياه، لمراحل لاحقة، حيث كانت الصهيونية تخطط لها منذ أن بدأت الفكرة تتركز على ضرورة عودة اليهود إلى فلسطين، والتي ازدادت الدعوة إليها خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر ووضعت الدراسات الصهيونية نصب أعينها القدرات العربية، التي أدركت مبكرا أنها ستقف بالضد من تنفيذ المخططات اليهودية في الاستيلاء على فلسطين، ولهذا أولت الصهيونية العالمية أهمية استثنائية في العمل الجاد والدقيق لضمان مرتكزات مؤثرة على أهم مصادر المياه العربية، وتم وضع أثقال لليهود في تلك المناطق، والمتمثلة في كل من تركيا وإثيوبيا، حيث تنبع أهم الأنهار العربية وهي النيل ودجلة والفرات.
إن ما تعيشه المنطقة في الوقت الحاضر، وما يحتمل وقوعه بسبب المياه في المستقبل، ليس بالأمر العفوي، بل إن اليهود وضعوا في حساباتهم ورقة المياه، باعتبارها واحدة من أوراق الضغط المهمة، التي يمكن استخدامها ضد بلدان مؤثرة في الوطن العربي، وتكشف ذلك الأوضاع الحالية، وما تلعبه ورقة المياه من دور خطير.
لم تتوقف جهود إسرائيل وخططها في قطاع المياه منذ عقود طويلة وأعطى أصحاب القرار أهمية استثنائية لهذه الورقة الحساسة.