[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]

” إن الكثير من الهيئات والمؤسسات التي كانت خارج منظومة الخدمة المدنية وبالعكس مما تمت الإشارة إليه لم تعتمد علاوات طبيعة عمل, وفضلت بدلا من ذلك رفع الراتب الأساسي والعلاوات الرئيسية الأخرى التي أدخلت ضمن توحيد الجدول, فجاء الضرر من حيث الإبقاء على تلك الحقوق, حيث أدت إلي تجميد الراتب والعلاوات الأساسية لمن تم تسكينهم في الدرجة الأولى,”

ـــــــــــــــــــ
لقد أوجدت الأوامر السامية بتوحيد جدول الدرجات والرواتب والامتيازات التقاعدية لموظفي القطاع المدني بوحداته وهيئاته ومؤسساته, والتي صدرت في شهر نوفمبر الفائت، ارتياحاً في أوساط المجتمع بمختلف فئاته وشرائحه، انطلاقاً من الغايات والأهداف الإنسانية الكبيرة والأبعاد والدلالات العميقة التي حملتها والتي تنعكس آثارها الايجابية اجتماعياً واقتصادياً وإدارياً على مختلف القطاعات، فضلاً عن نتائجها الطيبة على بيئة العمل استقراراً وحافزاً على الارتقاء بالأداء وبذل المزيد من الجهد لدفع عجلة الإنتاج إلى الإمام، إلى جانب ذلك فإنها ستعمل على تشجيع كل العاملين في القطاع الحكومي بمختلف مؤسساته وهيئاته الى بذل المزيد من الجهد في العمل والحرص على التطوير والارتقاء بالأداء واضطلاع كل فرد بمسؤولياته ومهام عمله وإيلائها ما تستحقه من رعاية واهتمام. وقد شهدت الأسابيع الأربعة التي أعقبت صدور الأوامر السامية وحتى ظهور سعادة حسين بن علي بن عبداللطيف المستشار بديوان البلاط السلطاني, في وسائل الإعلام ليقدم للمجتمع تفاصيل وآليات التسكين وشروطه ويعلن عبر شاشة التلفزيون المحلي والراديو وصفحات الجرائد عن استفادة جميع الموظفين العمانيين الذين سيشملهم التسكين, وأن كل عماني يعمل في مظلة القطاع المدني وممن سينظمون إلى جدول توحيد الرواتب سوف ترتفع علاواتهم ورواتبهم الأساسية وسيتغير حتى مجرى حياتهم وظل ينشر البشائر والأخبار السارة على مسمع المواطنين درجة أنهم سرحوا في عالم من الآمال والأحلام, ولم تكد الآلات الحاسبة تفارق أناملهم وهم يجرون العمليات الحسابية ويرفعون من حجم الأرقام لتتماشى وتنسجم مع شروحات المستشار وتلميحاته المفعمة بالتفاؤل, والتي لم تسلم من الكثير من التناقضات أحيانا وهي مما يتطلب مقالا منفصلا للحديث عنها, وشعور المستمع والمتابع بضعف التهيئة والاستعداد لمثل تلك المقابلات المتلاحقة والمتسارعة التي شغلت المجتمع وتم تداول أخبارها ومحتواها ونصوصها عبر وسائل التواصل والمنتديات وغيرها, (( شهدت الأسابيع الأربعة التي أعقبت صدور الأوامر السامية وحتى ظهور سعادة/ المستشار, عبر وسائل الإعلام )) الكثير من التحليلات والتعليقات واللغط والتسريبات التي كان بعضها غير موفق, وبعضها من ملفات الدراسة في مراحلها السابقة وقبل أن تجرى عليها الكثير من التعديلات, وشغلت الأوامر السامية الشارع العماني واستقطبته بشكل كامل وأطلقت الكثير من النكات والطرف التي تعبر عن هذا الانشغال وهذه اللهفة والضغط النفسي التي سببته الرغبة الجارفة في معرفة آلية التسكين ومستوى وحجم الزيادة عند كل فرد, وهو ما لم يحدث منذ سنوات طويلة أن يشغل شأن محلي الشارع العماني بهذا الحجم والمستوى, ولم يكن من حديث للناس إلا توحيد جدول الرواتب والمستحقات التقاعدية, وكنت واحدا من المتفاعلين الذين شعروا بالراحة والغبطة نظرا لأن المشروع يحقق مصلحة الوطن, وغاياته النبيلة في تحقيق العدالة والاستقرار واضحة وضوح الشمس لكل مبصر, وكنت أعبر عن ذلك بصراحة وشفافية في مناقشاتي مع الزملاء, مؤكدا على أهمية أن تكون النظرة لتلك التعليمات السامية منطلقة من المصلحة العامة ومن حيث أن كل استفادة مضافة إلى راتب أي فرد مهما بلغ حجمها فهي فائدة يعود أثرها الإيجابي على الجميع. وحتى بعد صدور المرسوم السلطاني رقم 78 / 2013م , بإصدار جدول الدرجات والرواتب الموحد, والظهور الإعلامي المكثف للمستشار بديوان البلاط السلطاني لم تكن الصورة واضحة, وكذلك الحال بعد صدور الملحق رقم ( 2) الخاص بضوابط وقواعد نقل الموظفين على جدول الدرجات والرواتب الموحد للموظفين العمانيين المدنيين بالدولة, والذي للأسف الشديد أوقع الكثير من اللغط وسوء الفهم وظن الكثيرون من الموظفين بأن المقصود بالراتب الأساسي المشروط بدرجة التسكين إنما هو الراتب الذي يستلمه الموظف في لحظتها وليس بداية مربوط درجته الملغية أصلا فسمح ذلك اللبس لكل شخص أن يضع نفسه في الدرجة وفقا لراتبه المستلم فارتفعت الدرجات ومعها الأمنيات الرائعة وزيادات تتوافق مع حديث المستشار وتفاؤله, وبدأت الحقيقة في الظهور تدريجيا ومعها الكثير من الاحباطات والتراجعات في التوقعات والأمنيات وبدت الصدمة واضحة للبعض الذين كانت استفادتهم ضعيفة للغاية وآنية وعادت عليهم آليات وشروط التسكين بالضرر وذلك على المديين المتوسط والبعيد, خاصة في الهيئات والمؤسسات التي كانت مستقلة بلوائحها وجداول درجاتها. الاشكالات والملاحظات على ما ورد ذكره نوردها على النحو التالي:
• إن الجهة التي درست وأعدت مشروع توحيد جدول الرواتب والبدلات الأساسية, ووضعت آلية التسكين وحددت ضوابطها وأسسها, المتمثلة في ربطها براتب الموظف الأساسي للدرجة الملغية .. يأخذ موظفوها علاوات طبيعة عمل مرتفعة وامتيازات أخرى خارج اطار التوحيد حتى الآن, فجاءت المنافع لموظفيها من جانبين الزيادة في الراتب الأساسي والعلاوات الرئيسية والابقاء من ثم على الامتيازات الأخرى, ولاتزال النتائج التي ستتوصل لها اللجنة التي ستكلف بدراسة علاواة طبيعة العمل في عالم المجهول, ومازالت الأسئلة المرتبطة بها تطرح, متى سيبدأ عملها ؟ ومن هم أعضاؤها, والجهات التي ستشترك في العمل؟ وما التحديات التي ستواجهها؟ ومتى ستنتهي من مشروعها ؟ وهل ستتوصل فعلا إلى قرار بتوحيد علاوات طبيعة العمل أم لا؟.
• إن الكثير من الهيئات والمؤسسات التي كانت خارج منظومة الخدمة المدنية وبالعكس مما تمت الإشارة إليه لم تعتمد علاوات طبيعة عمل, وفضلت بدلا من ذلك رفع الراتب الأساسي والعلاوات الرئيسية الأخرى التي أدخلت ضمن توحيد الجدول, فجاء الضرر من حيث الإبقاء على تلك الحقوق, حيث أدت إلي تجميد الراتب والعلاوات الأساسية لمن تم تسكينهم في الدرجة الأولى, حيث سيظل حتى فترة تقاعده بدون زيادة على راتبه, ومن سكن في الخامسة أو الرابعة , فسوف يترقى معنويا بحصوله على الدرجة دون فائدة مادية, لأن راتبه الأساسي وعلاواته الأساسية تزيد على الدرجة التي سيترقى إليها مما يعني تجميدا للرواتب على المديين المتوسط والبعيد خاصة لبعض الدرجات, وهذا ما حدا بالكثير من الكفاءات بالاستقالة وتهديد بعضها بطلب التقاعد, والاستفادة من امتيازاته والعمل من ثم في مؤسسات القطاع الخاص برواتب محترمة, وهو ما سوف يؤدي إلى خسارة فادحة في عدد من مؤسسات القطاع المدني وبالأخص الهيئات التي كانت تتمتع بالاستقلالية. وفي بعض المؤسسات التي يتميز موظفوها برواتب عالية تم تسكين الرئيس والمرؤوس في الدرجة الأولى, كما أن العلاوات السنوية نزلت إلى ما يقارب النصف أو أكثر في بعض الدرجات لعدد من الهيئات والمؤسسات.
• لم تتم استشارة الهيئات والمؤسسات التي كانت خارج منظومة الخدمة المدنية في آلية التسكين وضوابطها, وها هي الآن تفرض عليها شروط وضوابط وقرارات أدت إلى الاضرار بأدائها وعملها من حيث فقدانها للكثير من الكفاءات التي ستواصل دون شك الرحيل, وعندما يطرح المسئولون فيها بعض الاشكالات التي تتطلب المعالجة الفنية خارج إطار التسكين تأتي الإجابة بأنها تعليمات سامية ولا مفر من تنفيذها كما جاءت, وكأن جلالته حفظه الله هو من وضع آليات وضوابط التسكين وأشرف على تفاصيلها الدقيقة.
• إن تسكين الموظفين تم على أساس جداول درجات تتفاوت من مؤسسة إلى أخرى في الحقوق والامتيازات وبدايات المربوط, فبعض تلك الجداول أتى عليها الزمن دون أن يتم تحديثها برغم ما تحمله من ثغرات وفوارق كبيرة بين الدرجات الدنيا والعليا, وبعضها في اطار الدراسة, وأخرى حديثة وذات رواتب مرتفعة, وهو ما أدى إلى اشكالات وحدوث ضرر على بعض الموظفين على المديين المتوسط والبعيد وفقا لدرجاتهم القديمة. فقد اختزل التسكين في الجدول الموحد سنوات من خدمة بعض الموظفين الذين استفادوا ماليا أولا, وبحصولهم على درجة أو أكثر، ثانيا, واحتفاظهم بسنوات الترقية ثالثا, فيما حرم موظفون آخرون إلا من بضع علاوات تتراوح العلاوة الواحدة ما بين 5 وحتى20 ريالا عمانيا. هذا جانب ومن جانب آخر فإن الموظف الذي حصل على أربع علاوات وقد أكمل مدة الترقية قبل التسكين وعلى وشك الحصول عليها, لم يستفد شيئا في حقيقة الأمر بل تضرر من وضعه ذاك, فالمبلغ المضاف على راتبه كان سيحصل عليه أصلا من الترقية الواجبة, وبما أن الاربع علاوات قد أوصلته إلى بداية مربوط الدرجة التي سيرقى إليها فلن يحصل على شيء من ترقيته التي جمدت إلى حين الانتهاء من التسكين, ومثل هذه الحالات كان من المفترض مراعاتها والعمل على ترقيتها قبل التسكين انسجاما مع أهداف وغايات توحيد الرواتب التي أشرنا لها.
• إن الدرجات الدنيا والتي كانت رواتبها منخفضة من السابق لم تنل من توحيد جدول الدرجات والرواتب إلا الفتات, حيث لا تتجاوز زيادة بعضها سقف ال 25 ريالا عمانيا, في حين بلغت زيادات بعض الدرجات العليا ما يقارب ال 900 ريال عماني, هذا فضلا عن الفوارق الكبيرة في العلاوات السنوية بين الدرجات العليا والدنيا.
• غياب المرجعية الفنية الملمة بهذا الملف والتي من المفترض أن تشرف على مراقبة عمليات التسكين والاجابة على الاستفسارات والاشكالات المطروحة من قبل بعض الجهات, والاطمئنان إلى سير عمليات التسكين وأنها تتم وفقا للضوابط الموضوعة المحققة لغايات وأهداف الأوامر السامية, والنظر في بعض القرارات التي تصدر من جهات حكومية بتعديل أوضاع موظفيها بأثر رجعي أو معالجة بعض الاشكالات الناشئة ومدى قانونية ذلك وهو ما تبين من خلال بعض القرارات المسربة , ولو قلنا بأن وزارة الخدمة المدنية هي المرجعية في ذلك , فكان من المفترض أن يتم الاعلان عنه بشكل واضح وصريح وتخصيص لجنة فنية داخل الوزارة لهذا الغرض , والتأكيد على المؤسسات الحكومية بذلك وإبلاغها باختصاصات اللجنة . فماذا لو أن جهة ما سكنت موظفيها وفق طريقة تختلف عن الآلية التي تم تسكين الموظفين فيها في مؤسسات أخرى ؟ . وماذا لو أن مؤسسة حكومية وجهت سؤالا يطرح معالجة لبعض الاشكالات الناتجة فرفض الطلب , في حين أن جهة أخرى أخذت زمام المبادرة وطبقت تلك المعالجة دون أن تتطلب الرأي من أحد ؟ .
مثل هذه الخطوات التطويرية والمشاريع التي تبتغي مصالح المواطن وتسعى إلى تحقيق العدالة خاصة تلك التي تأتي بتعليمات وأوامر سامية, ونظرا للإشكالات التي ترافقها فإنها تفضي إلى طرح العديد من الأسئلة بشأن المسئولين والمنفذين لها, أفلا يستطيعون تقديم الأوامر والتعليمات السامية بما يجب أن تنفذ عليه من حيث الدقة في وضع الآليات والتوازن في التنفيذ تحقيقا للعدالة في شموليتها والحرص على توفر الرضا العام, وبما يحقق لتلك الغايات أهدافها النبيلة وغاياتها السامية وقيمها الإنسانية في تحقيق الاستقرار والازدهار وترسيخ قيم المواطنة؟ لماذا لا تستثمر الفرص وتوظف الغايات الكبرى في النظر إلى الآثار والنتائج المترتبة ومعالجتها قبل حدوثها ؟ وإشراك جهات الاختصاص جميعها ومن تعنيها التعليمات السامية في مراحل العمل ودراسة المشروع حتى وإن كان ذلك بالتعرف على وجهات تلك الجهات حرصا على تحسين التنفيذ وتجويد وتعظيم المنافع. ما نتمناه أن تلقى تلك الاشكالات المعالجة الفنية لتكون الاستفادة قائمة على المساواة والعدالة وتحقيق الرضا لجميع الموظفين, وأن يستفاد منها في وضع وتخصيص علاوات طبيعة العمل, وإعداد مشروع قانون الخدمة المدنية , وأخير المستحقات التقاعدية.